من يوقف "مختلاً عقلياً" في القاهرة؟

12 ابريل 2022

(خالد الحمزة)

+ الخط -

"مختلّ عقلياً"... صفة، وتبرير، لمرتكبي أغلب جرائم القتل على الهوية الدينية ضد المسيحيين في مصر. هل يحتاج النظام المصري إلى تبرير؟ بالقطع، النظام مسؤول بشكل مباشر عن "تصنيع" مناخ طائفي، شبه دائم، وتعهّده، ورعايته، وتغذيته بين حين وآخر، والحفاظ على وجوده واستمراره واستثماره وقت اللزوم. مجزرة ماسبيرو في 2011، مجرّد مثال شهده أبناء هذا الجيل، ويمكن الإحالة عليه، من دون حاجة لاستعراض الجرائم المتكرّرة، والمتنوعة، في حق الأقباط، والتي يرتكبها طائفيون بمعرفة النظام، أو بتحريضه، أو بعلمه وتفويته. ولا يعني "كذب" النظام بشأن الفاعل ودوافعه أحيانا، أن السيد "مختلّ عقليا" غير موجود. على العكس، القتل على الهوية، في حد ذاته، محض اختلال عقلي، و"حالة" تحتاج علاجاً، وما الفاعل، هنا، سوى "عرَض"، لا تنهي محاصرته المرض، ولا تحول دون تكرار الجريمة. يتمثّل المرض في "خلق" المناخ الطائفي، وأسبابه الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية، والثقافية، وأيضاً القانونية، من دون التقليل من أي سببٍ منها، فلا العنف وليد خطابات أو نصوص، فقط، ولا هو نتاج سياسات الفقر والإحباط باليأس وغياب المنجز أو المشروع وتغييب القانون، مع سبق الإصرار، بل هو نتاج هذه الأسباب مجتمعة.
في أسبوع واحد، شهدت مصر جريمتي قتل على الهوية، الدينية والأخرى السياسية (بالأحرى الاقتصادية). والفاعل، بالضرورة، مختلّ عقلياً. قتل القمص أرسانيوس وديد بالإسكندرية، وقتل الباحث الاقتصادي أيمن هدهود. الأول قتله "مختلّ عقليا" وأخبرنا النظام بذلك، والثاني قتله النظام قبل أن يخبرنا بأنه لم يفعل طبعا، وبأن المجني عليه شخصيا "مختلّ عقلياً"، ولذلك قُبض عليه، واتهامه مرة بسرقة شقة وأخرى بسرقة سيارة، وإيداعه مستشفى المجانين، وموته. القاتل مختلّ عقلياً، إذا كان مدنياً، والمقتول "مختلّ عقلياً" إذا كان القاتل عسكرياً، والقارئ والمشاهد، بالضرورة "مختلان عقلياً" إذا تعاملا مع رواية الدولة، في الحالتين، بوصفها صادقة!
في حالة القمص أرسانيوس، الجريمة واضحة. قسّيس اعترضه "مختلّ"، ونفث فيه مشاعر الغضب والغلّ والكراهية التي تحملها خطابات دينية. تعمّدت السلطة التي تملك منافذ التعبير كافة أن تخلي لها الجو والطريق، من دون منافس حقيقي يكشفها ويعرّيها، ويعيدها إلى "هامشٍ" يليق بها، ويضع أصحابها في دائرة الاتهام والمساءلة القانونية. أما الجريمة الثانية فهي "جنون رسمي"، الضحية باحث اقتصادي، خرّيج الجامعة الأميركية، ماجستير إدارة أعمال من الجامعة نفسها، عضو في الهيئة العليا لحزب الإصلاح والتنمية، وهو حزب سياسي مصري معترف به من الدولة المصرية، مستشار اقتصادي لرئيس الحزب محمد أنور السادات، والحزب ورئيسه شريكان حقيقيان للنظام المصري في ملفات عدة، منها ملفات حقوقية. يظهر رئيس الحزب في الإعلام المصري، بمعرفة النظام، وتحت عينه، ويتحدّث عنها، وبها. ومع ذلك، تعرّض أيمن هدهود للقبض عليه، ثم قتله.
جريمة القمص أنّه مسيحي، وهو سببٌ كافٍ بالنسبة إلى "مختلّ عقلياً" لقتله. وجريمة هدهود أنّه يكتب آراءه في ما يحدث في الاقتصاد المصري، بوصفه "مختصاً" و"دارساً" ما يقول، كما اشترط فخامة الرئيس على معارضيه، ليسمح لهم بمعارضته. وهذا أيضاً سبب كافٍ للقبض عليه وإخفائه وتعذيبه وقتله وإنكار قتله وإلحاق صفة مختلّ عقلياً به من الجهة الأكثر اختلالاً عقلياً وسياسياً وقانونياً وإنسانياً في مصر. لا يمكننا، وغير مسموح لنا، أن نُسائل النظام في الحالتين، وفي غيرهما، بشأن الجريمة وأسبابها وإمكانية محاسبة الفاعل، وضمانات عدم تكرّر ذلك، أو الحدّ منه. كلّ ما نطمع فيه، بشكل واقعي، السؤال: ما المطلوب ليتوقف النظام عن السماح بالقتل أو التحريض عليه أو اقترافه؟ ما معايير استمرار صاحب الهوية المختلفة على قيد الحياة في مصر؟ والتي أرى أنّ هدهود اجتهد في استيفائها كاملة، وفق القانون والدستور الأصليين، أو قانون الأمر الواقع، المتجاوز للقانون الرسمي، ورغم ذلك كان مصيره مصير أيّ إرهابي أو مجرم، سواء كان إرهابياً بشكل حقيقي، أو في رواية "مختلّ عقلياً".

3FE3B96A-2A94-45F9-B896-FDC0381B3B7F
3FE3B96A-2A94-45F9-B896-FDC0381B3B7F
محمد طلبة رضوان
محمد طلبة رضوان