ممثل عُماني في فيلم هندي

ممثل عُماني في فيلم هندي

13 مايو 2024
+ الخط -

يُعرَض، حالياً، في القاعات السينمائية في مسقط، الفيلم الروائي الملحمي الهندي "حياة الماعز" للمخرج باليسي. يلعب دور البطل فيه المُمثّل الهندي سوكوماران تحت اسم "نجيب". ولكن هناك مُمثّل عُماني كان حضوره واضحاً في الفيلم، وهو طالب محمد، الذي أدّى دوراً شريراً، ويطلق عليه في الفيلم اسم "الكفيل"، وكأنّ المُخرج استطاع أن يستخرج من دواخل هذا الفنان تلك الطاقة البشرية الدفينة. 
وقد أدّى المُمثّل العُماني في الفيلم دور رجل سعودي يخدع مسافرَيْن هنديَّيْن قدما من ولاية كيرلا الهندية للعمل في السعودية، وحين وصلا إلى المطار، أخذ منهما جوازي سفرهما، وطلب منهما الركوب في الصفيحة الخلفية لسيارته القديمة. وهما يظنّان طوال الطريق أنّهما مع ما أطلق عليه "الكفيل"، ليُفاجآ أنّهما قذفا في قلب الصحراء من أجل الخدمة القاسية ورعاية الإبل والغنم. الفيلم مأخوذ عن رواية تسرد قصّة حقيقية نالت شهرة في الهند. ومدّة عرض الفيلم بلغت ثلاث ساعات، رغم ذلك، لا يشعر المشاهد بالملل، بل يظلّ مُحدّقاً طوال الوقت لمعرفة مآلات الشخصية الرئيسية؛ "نجيب"، في صراعها المميت في الصحراء. المُمثّل العُماني، طالب محمد، لعب هذا الدور صدفةً، حين كان مخرج الفيلم باليسي في مهرجان مسقط السينمائي، وفي دخيلته يبحث عمن يؤدّي دور كهلٍ عربيٍ من الصحراء، قاسي القلب، حين تعرّف إلى المُمثّل طالب محمد، واقترح عليه العمل معه في فيلمه المُقبل. وقد استغرق إنجاز هذا الفيلم قرابة خمس سنوات، وواجهته مجموعة من العراقيل، من ضمنها جائحة كورونا، ما اضطر فريق التصوير إلى التوقف أشهراً في بعض الأحايين.
في حياة الصحراء، وسط بيئة جافّة تتكون من الإبل والماعز، يفرّق بين العامليْن الهندييْن، كلّ في بيت مختلف عن الآخر، وهي بيوت بدائية الهيئة، قاسية المحيط، حتّى إنّ البطل (نجيب) يضطر في بعض الأحيان إلى شرب الماء المخصّص للحيوانات، ويعيش طوال الوقت مُكتويّاً بالحرارة الشديدة في صحراء قاسية على بعد مئات الأميال من أقرب طريق، من دون أن يتمكن من الوصول إلى هاتف أو ورقة، وأهله لا يعلمون مصيره، لأنّه حين وصل إلى السعودية، لم تُترَك له أدنى مُهلة للتواصل مع العالم. وحين حاول الهروب، أكثر من مرّة، كان يظهر له الكفيل (الذي أدّى دوره طالب محمد)، ويضربه ويهدّده بالسلاح، وفي إحدى المرّات، قام بكسر رجليه حتّى لا يكرّر الهروب مرّة أخرى.
برع الفيلم في تصوير مفردات الصحراء وقسوتها، من رمال عالية ومسافات طويلة قاسية وبشر أجلاف. يظهر، كذلك، في الفيلم شاب أفريقي يجيد العربية، يبدو أنّه من السودان أو الصومال، يفكر هو الآخر منذ مدة طويلة في الهرب، تجمعه صدفة بنجيب ورفيقه، اللذين يرعيان كل على حدة في عرض الصحراء. هذا الشاب الأسمر يضع خطة لهروب الثلاثة مُدّعياً أنّه يعرف طريق الصحراء، وسينكشف في الفيلم أنهّا معرفة قاصرة، إذ يسترشد هذا الشاب باتجاه الشمس فقط (!). ومن أجل تحديد ساعة الهرب، يستغلّ الثلاثة ليلة يكون فيها أهل الصحراء منشغلين بعرس. هنا، تأخذ القسوة مساراً آخر في الفيلم حين يواجه الهاربون، مباشرة، عزلة الصحراء وعطشها وجفافها ومتاهاتها، الأمر الذي يُؤدّي إلى موت أحدهم، ثمّ اختفاء الثاني، لينجو بطل الفيلم (وبطل الواقع أيضاً) نجيب بصعوبة من موت مُحقّق، لتنكشف الصحراء في النهاية عن شارع مُزفّت تتحرك فوقه الشاحنات. يسقط نجيب متعباً بين الحياة والموت على ضفّة هذا الشارع لينتشله أحد العابرين، ويحمله بسيارته إلى أقرب مكان يتجمّع فيه البشر. يتركه هناك يتدبر أموره، حيث يراه بعض العمال الآسيويين ويسعفونه. تُعرض حاله بعد ذلك على الشرطة، التي تقوم بالبحث عن كفيله، فيظهر هنا المُمثّل العُماني طالب محمد، ويراه بين المصفوفين للتعرف عليهم، لكنّه يعجز عن الاقتراب منه لأنّه ليس كفيله الحقيقي، إنّما من أخذه عنوة من المطار، فقد كان يبحث عن الهارب الأفريقي. يعرّفنا الفيلم، كذلك، على قسوة أخرى تواجه نجيب، والمتعلقة بسجنه ثلاث سنوات بسبب الهروب، وربما إلى حين يظهر له كفيل يبحث عنه، قبل ترحيله إلى الهند في نهاية الفيلم.

593B5A80-7333-4F6B-AC2C-800C049BDB93
593B5A80-7333-4F6B-AC2C-800C049BDB93
محمود الرحبي

كاتب وقاص عُماني، صدرت له تسع مجموعات قصصية، وأربع روايات، فاز بعدة جوائز عربية

محمود الرحبي