محمد الرميحي ودعاء السفر

محمد الرميحي ودعاء السفر

07 ديسمبر 2023
+ الخط -

في الجلسة الثانية من جلسات منتدى دراسات الخليج والجزيرة العربية (بنسخته العاشرة) والذي نظمه باحترافية عالية ووعي شديد الحساسية وإتقان لافت، بداية الأسبوع الجاري في الدوحة، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بعنوان "الدولة والشأن الثقافي في بلدان الخليج"، بدأ الدكتور محمد غانم الرميحي مشاركته بإبداء امتعاضه من "دعاء السفر" الذي تذيعه معظم الخطوط الجوية في الدول الإسلامية، ومنها الخطوط الكويتية، في بدايات رحلاتها. وتأكيدا منه امتعاضه مما يمكن أن يفعله التراث بنا في مقابل حداثةٍ نتطلع إليها، قال الرميحي إنه طلب مرّة من الخطوط الجوية الكويتية التخلّص من هذا الدعاء، لأنه، كما قال، يخيف المسافرين، ويذكّرهم بوعثاء السفر وكآبة المنظر، ورفضت الخطوط طلبه، وأرجع سبب رفضها إلى احتمال اعتراض مجلس الأمة على ذلك! وقال الرميحي، بعد هذه البداية الساخرة، كلاما كثيرا عن إيجابيات المؤسّسات الثقافية الخاصة والرسمية في الوطن العربي.

انتظرتُ فتح باب النقاش لأسجل اعتراضي على ما قاله، وخصوصا بشأن دعاء السفر تحديدا. ثم قلت إن هذا الدعاء من الأثر النبوي الشريف، ويستحقّ منا أن نتحدّث عنه بطريقة أفضل مما فعل المحاضر. والغريب أن الدعاء يخيف الرميحي قبل الطيران، أما التعليمات التي يلقيها على مسامع المسافرين أحد المضيفين عن كيفية التصرّف في حالات الطوارئ أو عند سقوط الطائرة، لا تخيفه ولا تثير تشاؤمه. وأضفت "نحن مسلمون بمرجعيات ثقافية إسلامية، ونحن نردّد دعاء السفر قبل الإقلاع بقلوبنا أصلاً، حتى في الطائرات التي لا تذيعه". ثم ما دخل مجلس الأمة في هذا الأمر وفي هذا المقام؟ إذا كان لدى الرميحي، وهو الذي يقدّم نفسه مثقفاً وكاتبا ذا نزعة ليبرالية، مشكلة مع مؤسّسة ديمقراطية منتخبة من الشعب، كمجلس الأمة الكويتي، فهذا يعني أن لديه مشكلة مع الشعب وخياراته! ثم وهو يتحدّث عن المؤسّسات الثقافية الخليجية توقعتُ أن يتحدّث عن المشكلات أو السلبيات التي تعاني منها المؤسّسات الثقافية العربية في غياب الديمقراطية، وليس في وجود مجلس الأمة (الديمقراطي).

فعلى الرغم من إيجابيات كثيرة يمكن الحديث عنها في إطار ما قدّمته المؤسّسات الثقافية في الوطن العربي للثقافة، إلا أن سلبياتها كثيرة وخطيرة، سبق أن كتبتُ عنها، منها أنها احتكرت الثقافة وحوّلتها (أو كادت) إلى نوع من الواقع الرسمي، ما ساهم في تهميش كل ما هو خارج أسوار المؤسّسة الثقافية الرسمية. ومن هذه الإشكالات أيضا خلط "السياسي" بـ"الثقافي" مع ما يعنيه ذلك من إخضاع الثقافة للقرار السياسي للدولة المعنية، وبالتالي تحويلها، أي الثقافة، إلى أداة صراعٍ سياسيٍّ، داخلي وخارجي. والإشكالية الأخرى التي أشرت إليها باعتبارها نتيجة طبيعية لظهور هذه المؤسّسات الثقافية الرسمية خلط "الثقافي" بـ"الإعلامي"، وصولا إلى إخضاع الثقافة لضرورات المعركة الإعلامية التي تتلاءم مع خصوصية الثقافة وضرورة الحفاظ على استقلاليّتها. ثم ختمت تعليقي بأنني سأقرأ ورقة الرميحي التي أخبرنا أنها تحتوي على ثمانية آلاف كلمة، لعلي أجد فيها شيئا يعيد لي قليلا من الثقة بمثقفينا العرب!

الغريب أن الرميحي قال إنه لن يرد على تعليقي "ترفعاً"، وإنه سبق أن دفع ثمن مواقفه غاليا كما ذكر، من دون أن أعرف ماذا يقصد بالثمن، في مسيرته العملية الحافلة بالمناصب زاده الله منها.

أذكر في هذا المقال تفاصيل الموقف، على بساطتها، للتدليل على أساليب بعض مثقفينا العرب في قراءة الواقع ورصد المتغيّرات فيه، وفهمهم لمفهومي التراث والحداثة بهذا الشكل الكاريكاتوري المضحك.

CC19B886-294F-4B85-8006-BA02338302F0
سعدية مفرح

شاعرة وكاتبة وصحفية كويتية، من مجموعاتها الشعرية "ليل مشغول بالفتنة" و"مجرد امرأة مستلقية"، ولها مؤلفات نقدية وكتب للأطفال. فازت بعدة جوائز، وشاركت في مهرجانات ومؤتمرات عدة.