متى تفهم إيطاليا أن تونس ليست للبيع؟

01 يوليو 2023

تونسيتان في احتجاج ضد زيارة رئيسة الوزراء الإيطالية ميلوني في العاصمة (6/6/2023/Getty)

+ الخط -

كشفت رئيسة الحكومة الإيطالية اليمينية جورجيا ميلوني عن انتهازية عالية، وظنّت أن ما لا ترضاه لبلادها يمكن تسويقه لتونس. قالت إن بلادها حصلت من الاتحاد الأوروبي على زيادة في الإعانات بهدف مكافحة الهجرة غير النظامية، لكنها رفضت أن تصبح بلادها مخيما للاجئين. وفي المقابل، سعت، بكل قوة، خلال الأسابيع الأخيرة لتقنع الرئيس قيس سعيّد بأن تتولى تونس دور الحارس اليقظ على حدودها لحماية إيطاليا وأوروبا من هجوم آلاف من المهاجرين الأفارقة بالخصوص، مقابل مساعداتٍ تم جمعها من دول أوروبا. أي ما ترفضه إيطاليا يجب أن تقبله تونس، فهم أحرار مقابل التونسيين الذين سيقبلون ذلك اضطرارا.

ظنّت ميلوني أنها كسبت الجولة مع الرئيس سعيّد، بعدما جلبت معها اثنين من قادة أوروبا، كما توقعت أن القمة الأوروبية ستشهد اتفاقا جماعيا بشأن حزمة المساعدات التي جرى الإعلان عنها، غير أنها فوجئت بالرئيس التونسي يطلب مزيدا من الوقت لتحليل مذكّرة التفاهم مع الاتحاد الأوروبي. والدافع إلى ذلك أمران، أولهما ربط المذكرة بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي. وثانيا المواقف الرافضة التي عبّرت عنها الأحزاب وعدد واسع من فعاليات المجتمع المدني التي ما زالت فاعلة ومؤثرة، رغم ضعفها وتهميشها من رئاسة الجمهورية.

لا تزال مواقف السلطة غامضةً ومتناقضةً من مسألة التعامل مع صندوق النقد الدولي. فرغم استعداد أطراف عديدة في العالم الغربي تقديم الدعم لتونس، حتى يقع تجنيبها الانهيار المالي، ورغم أن إدارة الصندوق تركت المجال للحكومة التونسية تقديم ورقة تكون قاعدة لنقاشٍ جديدٍ بين الطرفين، إلا أن سعيّد لا يزال يبحث عن اتفاق بدون شروط، ولا يزال يدعو التونسيين إلى "التعويل على الذات"، ويؤكّد على أنه بالاعتماد على "ثرواتنا البشرية يمكن أن نبني مستقبلا من دون أن يمنّ علينا أحد من الخارج".

الأهم من ذلك أن قضية المهاجرين تحوّلت بسرعة إلى لغم حقيقي يهدّد السلم الأهلي في تونس، فمئات المهاجرين غير النظاميين يتدفّقون بشكل سريع نحو ثاني مدينة في تونس (صفاقس). وقد أثار ذلك مخاوف السكّان الذين أصبحوا يتحدّثون عن وجود مخطّط لتوطين هؤلاء في مدينتهم، فقرّروا النزول إلى الشارع احتجاجا واستنجادا. حتى أنصار الرئيس تغيّر مزاجهم، وطالبوه علنا باتخاذ إجراءات عملية لإنقاذ المدينة. هكذا وجد سعيّد نفسه بين نارين تحرقان كل من اقترب منهما. إذا أبقى الوضع على ما هو عليه، المدينة مرشّحة لمخاطر اجتماعية وأمنية خطيرة، وسيخسر الرئيس جزءا من أنصاره. أما إذا قبل الرئيس بالصفقة المعروضة عليه من ميلوني والأوروبيين، فسيصبح الوضع أصعب، لأن المطلوب هو بناء محتشدات للمهاجرين، وتشديد القبضة الأمنية، وطرد فاقدي التأشيرة، ومن شأن هذا أن يعيد الأزمة مع الأفارقة إلى نقطة الصفر، لأنهم يطالبون بتركهم يغادرون تونس، لا في اتجاه بلدانهم، وإنما في اتجاه السواحل الإيطالية.

يرفض الجميع المهاجرين، ويريدون التخلص منهم، رغم النداءات المتكرّرة لمنظمات حقوق الإنسان، لكن إصرار الحكومة الإيطالية على توريط تونس مقابل بعض المساعدات مسألةُ غير مقبولة أخلاقيا وسياسيا. هي تريد أن تستغل ضعف الدولة، وقلة إمكاناتها، وأزمتها السياسية والمالية الحادّة، لكي تسوّق حلّا فاسدا ومؤقتا. لن تتمكّن تونس من إيقاف تدفق المهاجرين عبر حدودها. والجزائر غير مستعدّة لأن تمتنع عن الدفع بالمهاجرين نحو الحدود التونسية. أما البوارج البحرية التي تتخيّل إيطاليا نشرها على السواحل التونسية فلن تحول دون منع المغامرين من محاولات التسلّل نحو جزيرة لمبادوزا، وما قد يترتّب عن ذلك من غرقى وضحايا كثيرين.

مرة أخرى، نؤكّد أن تونس ليست للبيع، وليس من مصلحتها أن تتحوّل إلى مصيدة للمهاجرين. الحل في مقاربة مختلفة. لا يمكن قبول سياسات أقصى اليمين واعتبارها قاعدة لمعالجة أزمة متراكمة تسبّبت فيها عوامل متعدّدة، من أهمها التفقير الممنهج الذي تعرّضت له دول الجنوب، بسبب سياسات النهب ودعم الدكتاتوريات في الدول الفقيرة، ومن بينها دول القارّة الأفريقية.

266D5D6F-83D2-4CAD-BB85-E2BADDBC78E9
صلاح الدين الجورشي

مدير مكتب "العربي الجديد" في تونس