لوثة يونيو
قال النائب المصري، مصطفى بكري، إن الرئيس الراحل محمد مرسي أمر بشراء كرسي جديد بنحو 385 ألف جنيه، فور وصوله إلى قصر الاتحادية، حتى لا يجلس فوق كرسيٍّ جلس عليه حسني مبارك. وقال رئيس نادي الزمالك (المعزول)، مرتضى منصور، إن الرئيس محمد مرسي هو المسؤول عن أزمة سد النهضة وليس الجنرال عبد الفتاح السيسي. وقال النائب المشلوح، المخرج خالد يوسف، الذي صوّر مشاهد 30 يونيو 2013 من كابينة طائرة عسكرية حلّقت فوق ربوع مصر إن أعداد المعتصمين الموالين لجماعة الإخوان الإرهابية في ميدان رابعة العدوية كانت قليلة، لكنه لم يصوّر الميدان، تخوّفًا من الاستهداف، معقبًا: "فهمت إنها تعليمات القيادة ألا تقترب الطائرة من رابعة حتى لا تستهدف برشّاش".
هذه بعضٌ من أعراض اللوثة السنوية التي تصيب معسكر 30 يونيو في مصر ، غير أنها بدأت مبكّرًا جدًا هذه المرّة، فقبل أن يأتي اليوم الأول من الشهر، بدأت المدفعية الإعلامية الثقيلة استهداف ذاكرة المواطن المصري بنيران كثيفة من الأكاذيب والتلفيقات، رديئة التصنيع، على بعد عشر سنوات من ذلك اليوم البائس، الذي يلامس المصريون آثاره الآن، فلا يجدون إلا الخواء والانهيار على كل الأصعدة.
مدهشةٌ حقًا حالة الثقة في أن هذه البضاعة التي تسبقها لافتاتٌ ضخمة، من نوعية "فلان يكشف أخطر الأسرار" و"علّان يفجر قنبلة عن كواليس اللحظة الأخيرة"، يمكن أن تجد رواجًا لدى إنسان طبيعي اختبر، عمليًا، كل ما قيل له على مدار عشر سنوات، وأصبح مدركًا، من دون تدخّل من أحد، للمآلات الكارثية لكل ما وعدوه به في ذلك الصيف الكئيب من العام 2013، فضلًا عما يطالعه يوميًا من تصريحاتٍ على لسان القائد الأول للمسيرة الفاشلة التي يقرّ فيها بالواقع الكارثي الذي تتردّى فيه البلاد، والذي لم يعد يملك أمامه حلولًا سوى الدعاء وسؤال الله الفرج والتساهيل.
لو أن في مصر مناخًا سياسيًا حقيقيًا لكان الموضوع الأساس لما يسمّى الحوار الوطني لجماعة 30 يونيو هو تقييم التجربة بعد عشر سنوات، والنظر في الحصاد والنتائج والمآلات، وطرح الأسئلة الضرورية وامتلاك شجاعة مواجهة الذات عند الإجابة عنها: ماذا تبقى من معسكر 30 يونيو ؟ وماذا جرى لميزان القيم؟ وكيف صار النسيج الاجتماعي بعد هذه السنوات؟ وأين مصر اقتصاديا؟ أين كانت قبلها وأين صارت بعدها؟ ولماذا لم يستطع صنبور المساعدات الخارجية التي تدفقت بغزارة ري تربة النظام الجديد الذي قتل السياسة وانقلب على ثورة شعبية تغزّل فيها الجميع، بمن فيهم الذين تآمروا عليها لاحقًا؟
حدّثوا الناس عن مصر، إنسانيا: كيف صارت حالة حقوق الإنسان في مصر بعد مجازر واعتقالات بالآلاف؟ وماذا عن المستقبل؟ أم أنه لا توجد قضية تشغل الناس في مصر الآن سوى تأليف الروايات الكذوب عن بضعة أشهر كان فيها محمد مرسي حاكمًا منتخبًا للبلاد؟ حتى التأليف والتلفيق صارت تنقصُه الصنعة، إذ تشتمل الرواية الواحدة على ما ينسفها من جذورها على لسان الراوي ذاته، بما يشي بأن الخراب طال كل شيء، حتى ورش صناعة الأكاذيب. في الداخل، لا شيء سوى اجترار الأساطير المملّة عن كوارث "عصر الإخوان". وفي الخارج يبدو التحالف الإقليمي الذي تولى عملية 30 يونيو بالرعاية والدعم والتمويل قد فضّ يده منها، وراح يبحث عن مصالحه واستثماراته في مناطق أخرى، كانت حتى وقتٍ قريب مصنّفة ضمن ألد أعداء 30 يونيو، وربما كان ذلك سببًا إضافيًا للهذيان الذي اشتعل مبكّرًا.