"كسر عضم"... سؤال المليون

"كسر عضم"... سؤال المليون

07 ابريل 2024
+ الخط -

لا يمكن بأيّ حالٍ ادّعاء إن مسلسل "كسر عضم" (الموسم الثاني، وغيره من مسلسلات مهمّة، مثل "دقيقة صمت" و"مسافة أمان" وثلاثية "الولادة من الخاصرة" وغيرها) يهدف إلى تجميل النظام في سورية أو إلى تلميع صورته، أو إلى القول إنّ الرئيس بشّار الأسد هو شخصية جميلة وبعيد عن الديناميكيات القائمة للفساد. لم أقرأ أي رسالةٍ في المسلسل بهذا الخصوص، بل وجود صورة الرئيس خلف مكاتب الفاسدين من قيادات المافيات الأمنية السورية يشي بأنّه جزء من هذا "السيتسم" الفاسد. ولا أظن أنّ هنالك أي رسالة إيجابية للنظام، على الأقل في ما شاهدتُه من الجزء الأول وفي حلقات الموسم الثاني التي تقترب من نهايتها.

صحيحٌ أن النظام السوري معروفٌ بأنّه سمح تاريخياً ببعض الأعمال الناقدة، التي وسمت حينها بالتنفيسية، لكن مستوى بعض الأعمال في الأعوام الأخيرة يتجاوز كثيراً هذا المستوى إلى درجة أكبر من الجرأة والقوة والعمق في النقد.

أختلف مع بعض الانتقادات الفنية التي وجهت إلى المسلسل، بخاصة بشأن الموسم الثاني وشخصياته، وأجد أنّها منوّعة وتعرض نماذج واقعية من التحوّلات الاجتماعية في سورية، مثل ما هي الحال في الأداور الخفية المتشابكة للمحامين والإعلاميين ورجال الأعمال والقضاة مع السلطة الأمنية الفاسدة، بل استخدم مؤلّفا المسلسل (هلال الأحمد ورند حديد) جملاً معبّرة وعميقة على ألسنة أبطاله، وإحدى هذه الجمل الطريفة التي لفتت انتباهي "إدارة البلاد بعد قوننة الفساد"، التي قالها المحامي نمر، المعروف بشبكة علاقاته مع الأمن والقضاء والثراء الفاحش الذي وصل إليه!

النصّ جميل، والمستوى الأدائي للممثلين مميّز والحبكة قوية، والإمساك بتفاصيل كثيرة وربطها ببعضها يتميّز بمستوى عالٍ، والنقد السياسي يتسم بسقف لا نجده في أيّ دولةٍ عربية اليوم. ولعلّ هنا بيت القصيد، بل سؤال المليون: لماذا يسمح النظام السوري الذي يحكم بالأمن بمثل هذه المسلسلات؛ وفيها ممثلون محسوبون على النظام، أو ذوو "مواقف رمادية" في أفضل الحالات، وجزءٌ من التصوير هو في دمشق، ويعرض المسلسل على شاشات تلفزيونات معارضة، مثل تلفزيون سوريا والعربي 2 (وكلاهما من مؤسسة فضاءات ميديا، المعروف موقفهما الداعم للثورة السورية)؟!

ذلك هو سؤال المليون! ما هي الرسالة السياسية للنظام السوري من الموافقة على هذا المستوى من النقد أو تمريره وعدم معاقبة المؤلفين والمخرجين والممثلين (هنالك استثناءات كما حدث مع سامر رضوان، سيناريست "الولادة من الخاصرة" و"ابتسم أيها الجنرال")، ولا يتوقّع أحدٌ أن يأخذ ممثلون وفنيون قراراً بالمشاركة بمثل هذه المسلسلات في نظام أمني مثل النظام السوري، هل سيأخذون قراراً كهذا على عاتقهم من دون موافقة مسبقة من الأجهزة الأمنية؟

هل الرسالة السياسية هي تلميع النظام؟ العكس تماماً؟ هل هي السماح بسقف من الحريات وتقبل النظام للنقد؟ تقول المسلسلات نفسها غير ذلك؛ كأن يعتقل شخصٌ لمجرّد نشر مقال على مواقع التواصل الاجتماعي. هل هي مؤامرة للتنفيس عن الشارع؟ العكس صحيح، فالمسلسلات تصيب الناس بالتوتر والغضب والشعور بحجم الفساد والإهانة في المسلسل. هل هي للقول إنّ هنالك مجالاً للإصلاح؟ شخصياً، لم أجد هذه الرسالة.

ثمّة حججٌ عديدة قرأتها بخاصة من المعارضة السورية في نقد "كسر عضم"، ما اضطرّ مدير تلفزيون سوريا الصديق حمزة المصطفى إلى الدفاع عن سبب عرضه على شاشة التلفزيون (المعارض) بمنشور طويل. لكنني، حتى كتابة هذه السطور، للأمانة، لم أجد مقالاً مُقنعاً يكشف لنا أسباباً مقنعة، وربما يقدّم من داخل أروقة (ودهاليز) الإخراج والتصوير والعلاقة مع السلطة (في سورية) من شركة الإنتاج أسراراً في كيفية فهم السبب في التهاون من النظام مع هذا المسلسل وغيره.

ربما أكون مخطئاً، فقد تكون الرسالة هي النقيض تماماً لكل ما ذُكر، بمعنى أن النظام في سورية يقول "أنا لا أكذب ولا أتجمّل"، فهو معروفٌ بهذا الوجه ولا يستطيع إخفاءه ولا يطلب من المواطنين أن يحبّوه أو أن يقتنعوا بأنّه مختلف، فات الأوان على ذلك، المطلوب هو الخوف والرعب من مصير من يعارض أو يمارس عملاً سياسياً. وهذا تحليلٌ قد يكون مجازفاً، ولا يعني، بالضرورة، أنّه هدف الإنتاج والإخراج، لكن أحد التفسيرات التي قد نضعها على الطاولة!

محمد أبو رمان
محمد أبو رمان
أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأردنية والمستشار الأكاديمي في معهد السياسة والمجتمع.