عن ''إرهابِ'' حماس وغيفارا والمقاومةِ الرّيفية

عن ''إرهابِ'' حماس وغيفارا والمقاومةِ الرّيفية

09 نوفمبر 2023

(فريد بلكاهية)

+ الخط -

من المؤسف أن يُثير ''طوفان الأقصى'' كلَّ هذا الغِلِّ الإيديولوجي، فقط لأن حركة حماس التي قادته، ذات مرجعية إسلامية. كان لافتا إسراعُ كثيرين، في المنطقة، إلى وصمها بالإرهاب تحت مزاعم استهدافها مدنيين إسرائيليين، علما أن لا دليل يؤكّد هذه المزاعم. وكان ذيوع شائعة، أو بالأحرى كذبة، قطع المقاومة الفلسطينية رؤوس أطفال إسرائيليين بمثابة هديةٍ من السماء تلقفها الخصوم الإيديولوجيون للحركة لإلحاقها بالتنظيمات الإرهابية وتحميلها التداعيات المأساوية للعدوان.

لم يخجل هؤلاء، مدفوعين بعصبياتهم الإيديولوجية والفكرية المغلقة، من اعتبار ''حماس'' منظمّة إرهابية، في حين لا يكفّون عن تمجيد حركات مقاومة أخرى والانتصار لخياراتها. ولعلّ ما يجعل الأمر مفارقا أن سِجلَّ بعض هذه الحركات لا يخلو مما يمكنُ أن يُعدَّ إرهابا. ومن ذلك حالات إعدامٍ أشرف عليها الثائر الأرجنتيني تشي غيفارا في غضون الثورة الكوبية (1959). وسبق أن أوردت الباحثة الكوبية مارِيا ويرْلاوْ (María Werlau) في كتابها ''ضحايا تشي غيفارا المنسيّون'' (2011) شهاداتٍ صادمةً بشأن ما سمّتْه ''شخصية غيفارا العقائدية والعدوانية المستعدة للقتل دائما''، ما يُناقض صورته ثوريا رومانسيا وأيقونة نضالية كونية. وحسب ويرلاوْ، يتحمّل غيفارا مسؤولية إعدام أكثر من مائة مدني رميا بالرصاص، في قلعة لاكابانْيا وجبال مايْسْتْرا، خلال ترؤسّه محاكماتٍ ثورية استهدفت كلَّ من كان يُشَكُّ في ولائه للثورة. حالات الإعدام هاته، التي اعتبرتها أرملة غيفارا ''عملا مشروعا اقتضته العدالةُ الثورية''، ضمّنها أيضا الكوبي جاكوبو ماتشوبير (Jacobo Machover) في كتابه ''الوجه الخفيّ لتشي غيفارا''، الذي نعت فيه غيفارا بـ''الستاليني المتعصّب والمؤيد للإرهاب''. وهنا يحق التساؤلُ: هل يمكن نعت غيفارا بالإرهابي على خلفية مسؤوليته عن مقتل مدنيين لأسباب، معظمها كان يصبّ في سوء التقدير الذي عادة ما يرافق الثورات المسلحة لحركات التحرّر، أم أن ما قام به كان ضرورة اقتضتها إكراهات الثورة؟

في السياق ذاته، لم يتردّد نشطاء أمازيغيون في المغرب في إدانة الهجوم الذي قامت به المقاومة الفلسطينية على العمق الإسرائيلي، معتبرين ذلك إرهابا بحقّ المدنيين الإسرائيليين، وهم الذين ما فتئوا يستدعون بطولات المقاومة المغربية في مواجهة الاستعمارين، الإسباني والفرنسي، من دون أن يخبرنا أحد من هؤلاء النشطاء هل كانت تلك المقاومة ملتزمة في كفاحها المسلح بالحفاظ على أرواح المدنيين الإسبان والفرنسيين. ما تُنبئ به وقائع تاريخية أنها لم تكن ملتزمة بذلك. ومثالا، ما حدث مطلع القرن المنصرم في منطقة الريف، حين قرّرت إسبانيا إنشاء خط سكك حديدية بين مدينة مليلية ومنجمِ حديدٍ في جبل وكْسان (1909). لكن المقاومة الرّيفية تصدّت لها وقطعت الطريق على الجيش الإسباني الذي كان يشرف على المشروع، وهاجمت ورشا لعمال إسبان وقتلتْ منهم أربعة (كانوا مدنيين بالمناسبة!). هل كان ذلك إرهابا مارسته المقاومة الريفية أم عملا مشروعا ومبرّرا توخّى طردَ الاستعمار الإسباني؟

يبدو نأيُ الحركة الأمازيغية في المغرب بنفسها عن التضامن مع الفلسطينيين في محنتهم، تصفيةَ حسابات إيديولوجية ضيقة مع اليسار القومي العربي والحركة الإسلامية في المغرب، وقفزا على مأساة شعبٍ توجب إدانة الطرف الذي يقف خلفها منذ أكثر من 75 سنة. ما معنى أن تُدين هذه الحركة، في بيانٍ لها أصدرته مطلع الأسبوع الجاري، النظامَ السياسي في مالي على ما اعتبرتها ''جرائمَ شنيعة في حق المدنيّين الطوارق (..) أمام صمت المجتمع الدولي والتعتيم الإعلامي''، وتستكثر ذلك على الفلسطينيين الذين يقاومون استعمارا غير مسبوق في توحُّشه وهمجيته؟ ربما كان حريّا بالفلسطينيين أن ينقلوا جغرافية بلدهم إلى جنوب الصحراء والساحل، حتى ينالهم من تضامن الحركة الأمازيغية مع ''شعب الطوارق'' نصيب.

كان أجدر بمن يُنكرون على المقاومة الفلسطينية حقها في التصدّي للعدوان الصهيوني، ويُزايدون عليها بالقانون الدولي الإنساني، ويُفتون في مقتضياته ذات الصلة بالمدنيين، أن يكونوا أكثر أخلاقيةً، ذلك أن الاختلاف لا يمكن أن يبرّر الشماتة والتشفّي في محن من يخالفوننا الفكر والانتماء الإيديولوجي.