تونس والابتزاز الأوروبي

23 يونيو 2023

دورية لخفر السواحل التونسي تتعفب قوارب المهاجرين في البحر المتوسط (9/6/2023/Getty)

+ الخط -

تكثّفت الاتصالات الأوروبية مع السلطات التونسية في الآونة الأخيرة، وشملت زيارات لمسؤولين من أعلى مستوى في الاتحاد الأوروبي، بمن فيهم رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين، بالإضافة إلى رؤساء وزراء إيطاليا وهولندا وشخصيات أوروبية أخرى. ولم تكن هذه الاتصالات لتخرُج عن سياق الملف الأهم لدى الأوروبيين، قوافل المهاجرين غير النظاميين المتوافدين إلى الضفة الأخرى لبحر المتوسّط.
يدرك الاتحاد الأوروبي أهمية الدور التونسي في إنجاح خطّته لإصلاح نظام اللجوء، والتي أقرّها في اجتماع وزراء داخلية التكتل الذي انعقد في لوكسمبورغ (8 يونيو/ حزيران الحالي)، ذلك أن فكرة إعادة طالبي اللجوء إلى الدول التي جاؤوا منها تقتضي الاتفاق معها، خصوصا أن قسما كبيرا من المهاجرين غير النظاميين لا يحملون بالضرورة جنسية دولة العبور، فيما تتضمّن الخطة الأوروبية السعي إلى إعادة اللاجئين إلى دولة العبور، عوضا عن إعادتهم مباشرة إلى بلدانهم الأصلية. وستترتب عن هذا الإجراء مشكلاتٌ كبرى لدولة مثل تونس، التي يستخدمها كثيرون من مواطني دول أفريقيا جنوب الصحراء نقطة انطلاق نحو السواحل الغربية.

ليست السلطات التونسية في أفضل وضع لمواجهة الابتزاز الأوروبي

لا يخفى على السياسيين الغربيين طبيعة الوضع السياسي والاقتصادي الحالي في تونس. وربما هذا ما يدفعهم إلى تكثيف الزيارات واللقاءات مع المسؤولين التونسيين، من أجل مزيد الضغط عليهم للقبول بمحاور العمل المشترك مع الاتحاد الأوروبي، والتي يمكن اختصارها في جانبين: الأول، القبول بدور الحارس للشواطئ الأوروبية ومنع قوافل المهاجرين في مقابل الحصول على دعم مالي ولوجستي لتنفيذ المهمة، وقد تعهدت رئيسة المفوضية الأوروبية بمنح تونس مائة مليون يورو للقيام بهذا الدور. الثاني تعهّد الأوروبيين بمساعدة السلطات التونسية للحصول على القرض المنتظر من صندوق النقد الدولي، إذا وافقت على تنفيذ دورها في الخطة الأوروبية في منع حركة الهجرة غير النظامية.
وليست السلطات التونسية في أفضل وضع لمواجهة الابتزاز الأوروبي، رغم أن ورقة منع تدفق المهاجرين غير النظاميين تشكّل عنصرا مهما في التفاوض مع الاتحاد الأوروبي للحصول على المساعدات لحل أزمة الاقتصاد التونسي الذي يعاني من التدهور، إلا أن عامل الوقت ليس في صالح المفاوض التونسي، فكلما تأخّر الحصول على الدعم المالي المتمثل في قرض صندوق النقد الدولي، زاد تأثير الأزمة الاقتصادية، وتضاعف تأثيرها على الشارع التونسي، غير أن القرض المنتظر من الصندوق ليس بيد الجانب الأوروبي وحده، وإنما يخضع لحزمة مطالب وضعها الصندوق، والتي يعتبرها إصلاحاتٍ هيكليةً لازمة لبنية الاقتصاد التونسي قبل منح القرض. من جانب آخر، تحوّلت البلاد التونسية ذاتها إلى ضحية لمشكلة الهجرة غير النظامية، ورغم أنها، من الناحية الجغرافية، لا تملك أي جوار مع دول أفريقيا جنوب الصحراء، وينحصر وجودها بين الجارتين الجزائر وليبيا والبحر الأبيض المتوسط، إلا أن أعداد المهاجرين الأفارقة تتضاعف يوميا، ما يثير تساؤلاتٍ كثيرة بشأن كيفية وصولهم إلى تونس، ومن الذي يقدم لهم المساعدة لاجتياز الصحراء الكبرى قبل أن يحطوا رحالهم في هذه الدولة؟

لا يمكن توقّع نتائج ضغوط الاتحاد الأوروبي وما يمكن أن تفضي إليه في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعرفها البلاد التونسية

بقدر ما شكّل ملف الهجرة غير النظامية عبئا على الاتحاد الأوروبي، فإنه يمثل العبء نفسه على الدولة التونسية، فقد تداخلت عوامل الأزمة الاقتصادية وحالة عدم الاستقرار السياسي مع تضاعف أعداد المهاجرين الأفارقة، لتسبّب مشكلا حقيقيا يحتاج إلى كثير من الحكمة والدراية لحلّه. وإذا أضيفت إلى هذا كله الرغبة الأوروبية الواضحة في استغلال الموقف عبر التلويح بورقتي الدعم الاقتصادي والاعتراف السياسي مقابل تنفيذ الأجندات الغربية القائمة على منع الهجرة غير النظامية، ثم الموافقة على استقبال المهاجرين الذين جرى رفض منحهم حق اللجوء، وهو ما يعني تصدير الأزمة إلى الجانب التونسي، وبشكلٍ لم تعرفه العلاقات التونسية الأوروبية من قبل.
ليس غريبا أن تتّخذ السياسة الأوروبية هذا المنحى الابتزازي، وخصوصا في وجود حكومة يمينية في إيطاليا، الدولة التي تمثل الوجهة الأولى للمهاجرين القادمين من الضفة الأخرى للمتوسّط، الأمر الذي يفسّر حرص الحكومة الإيطالية على إتمام الصفقة مع السلطات التونسية، ومؤدّاها الدعم المالي والسياسي مقابل منع الهجرة، ورغم تصريحات كبار المسؤولين في تونس عن رفضهم لعب دور الحارس للحدود البحرية الأوروبية، إلا أنه لا يمكن توقّع نتائج ضغوط الاتحاد الأوروبي وما يمكن أن تفضي إليه في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعرفها البلاد التونسية، وعجز النظام السياسي القائم عن حلها أو تصريفها، لتجنّب ما يمكن أن يترتب عن استمرارها من ردود فعل في الشارع التونسي.

B4DD7175-6D7F-4D5A-BE47-7FF4A1811063
سمير حمدي

كاتب وباحث تونسي في الفكر السياسي، حاصل على الأستاذية في الفلسفة والعلوم الإنسانية من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بصفاقس ـ تونس، نشرت مقالات ودراسات في عدة صحف ومجلات. وله كتب قيد النشر.