بريتي باتيل .. مستقبل سياسي على حساب الفلسطينيين

بريتي باتيل .. مستقبل سياسي على حساب الفلسطينيين

23 نوفمبر 2021
+ الخط -

لم تكد تمضي أيام على انتهاء مداولات قمة غلاسكو للمناخ، التي طلب، على هامشها، رئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينت، من نظيره البريطاني بوريس جونسون حظر حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، حتى أعلنت وزيرة الداخلية في حكومة الأخير، بريتي باتيل، في تغريدة لها على "تويتر"، أنها اتخذت إجراءات لحظر الحركة. وأتت تلك الإجراءات تمهيدا لإدراج الحركة ضمن المنظمات الإرهابية، وليس هناك ما يمنع من المصادقة على مشروع قانون، بهذا الخصوص، في برلمان يهيمن عليه المحافظون بأغلبية مطلقة. بدت الطلبات الإسرائيلية أوامر، وتبدو باتيل متحمّسة لتنفيذها انسجاماً مع حساباتها السياسية.
تحظر الحكومة البريطانية، منذ سنوات، الجناح العسكري لحركة حماس (كتائب عز الدين القسام)، واليوم تستكمل حكومة جونسون التضييق على الحركة سياسياً وقانونياً، لا سيما بعد تنامي تعاطف الشارع البريطاني في السنوات الأخيرة مع القضية الفلسطينية، واتضح ذلك خصوصاً إبّان الهبة الشعبية الفلسطينية التي تعاظمت وتيرتها في مايو/ أيار الماضي. وفي حال تم تصنيف الحركة بمجملها بوصفها منظمة إرهابية، فبالإمكان محاصرة هذا التعاطف وتحجيمه إلى حدوده الدنيا بموجب القانون البريطاني الذي يعاقب من ينتمي أو يحشد أو يرفع شعارات ورموزاً مؤيدة لمنظمةٍ محظورةٍ بغرامات مالية كبيرة، وعقوبات بالسجن مدداً قد تتجاوز عشر سنوات. عنصرية بريطانية جديدة متحالفة مع عنصرية الاحتلال الإسرائيلي لا تريد أن تحظر على الفلسطينيين نشاطهم المقاوم والسياسي فقط، بل أيضاً حقّهم في تلقي التعاطف والدعم الإنساني، فاستمراراً لسياستها في حظر المؤسسات الحقوقية والإنسانية العاملة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، أعلنت حكومة دولة الاحتلال، الشهر الماضي (أكتوبر/ تشرين الأول)، إخراج ست مؤسسات أهلية فلسطينية عن القانون، بداعي ارتباطها بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، التي تصنّفها إسرائيل منظمة إرهابية، والقرار البريطاني المعلن أخيراً سوف يطاول الناشطين في المجالين، الحقوقي والإنساني، من منظمات وأفراد، عاملين بين بريطانيا وقطاع غزة.

يمنح القرار البريطاني قوات الاحتلال الإسرائيلي ضوءاً أخضر في أي مواجهة مقبلة مع غزة

يقتحم التعاطف مع الفلسطينيين في بريطانيا الساحة الأكاديمية، والجدال هنا على أشدّه حول تعريف "معاداة السامية". ففي الحادي عشر من شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي، وبعد محاضرة ألقتها السفيرة الإسرائيلية، تسيبي هوتوفلي، في معهد لندن للعلوم الاقتصادية، خلال نقاش نظّمته الجامعة عن مستقبل الشرق الأوسط، أظهرت مقاطع الفيديو المتداولة على مواقع التواصل طلاباً مناصرين للفلسطينيين يحتجّون ويصرخون، ويطاردون السفيرة في أثناء مغادرتها الحرم الجامعي محاطة بحراسة مشددة. تغريدة مجهولة على "تويتر" لحساب تم إنشاؤه قبل يوم من المحاضرة دعا إلى رشق السفيرة بالحجارة قبل أن يتم حذفه، دفع الجامعة إلى فتح تحقيق بشأن تهديداتٍ مزعومة. وقد سارعت بريتي باتيل إلى التعبير عن "اشمئزازها" من الطريقة التي عوملت بها السفيرة، وعبّرت عن دعمها الشرطة في الحادثة التي وصفتها بـ"المروعة". لا رئاسة الجامعة، ولا باتيل، كانتا على استعداد لسماع صوت عشرات الطلاب من مختلف الجامعات البريطانية، طالبوا بمقاطعة هوتوفلي التي سبق أن شغلت منصب وزيرة الاستيطان في الحكومة الإسرائيلية، ومنعها من إلقاء كلمتها، طالما كان إقرار الحكومة البريطانية بعدم شرعية الاستيطان يُحتّم عدم التعامل مع من يشرعن الاستيطان، أمثال السفيرة هوتوفلي وغيرها، بحجة معاداة السامية تم التضييق على الطلاب المناهضين للسياسات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة، وتم فصل العديد منهم.
يمنح القرار البريطاني قوات الاحتلال الإسرائيلي ضوءاً أخضر في أي مواجهة مقبلة مع غزة. وحسناً فعلت السلطة الفلسطينية بتضامنها مع حركة حماس. وستزيد الإجراءات البريطانية من شعبية "حماس" ولم تكن مستغربةً أصواتٌ نشاز رحّبت بتلك الإجراءات، وطالبت بإجراءات مماثلة في دول أخرى. من بين هؤلاء فلسطينيون غاب عنهم الحس الوطني السليم، فخلطوا بين مآخذهم (ومآخذ فلسطينيين كثيرين) على الحركة، والنقد المشروع لكثير من ممارساتها، وبين التورّط في تأييد أعداء الشعب الفلسطيني الذين يستهدفون قضيته من خلال استهدافهم "حماس".

أعلنت باتيل أنّ "الحكومة ملتزمة بالتصدّي للتطرّف والإرهاب أينما وجد" لكنها طبعاً، ليست في وارد التصدّي لإرهاب الدولة الإسرائيلي المنظّم

في كلمة يتوقع أن تلقيها حول الأمن، نشرت صحيفة "ذا غارديان" مقتطفات منها، تبرّر باتيل الخطوة بوصفها رسالة تطمّن اليهود في بريطانيا بأنّهم آمنون ضد "معاداة السامية". تبدو باتيل أكثر طموحاً سياسياً من بوريس جونسون الذي أكّد، غير مرة، نيته في عدم الاستمرار. وتعتقد، وهي تحضّر لمستقبلها السياسي، أنّها بحاجةٍ لاسترضاء اللوبي الصهيوني في بريطانيا. باتيل خلف سيئ لسلف سيئ، كان الكذب والخديعة والنفاق خصالاً شخصية تمسّك بها جونسون في مشواريه، المهني والسياسي، منذ طرد من أول وظيفة له في "التايمز" البريطانية لاختلاقه اقتباساتٍ عن المؤرّخ، كولين لوكاس، في محاولةٍ للحصول على تكهنات عن عشيق الملك إدوارد الثاني المفترض، بيرس جافستون، في قصة إخبارية على الصفحة الأولى، مروراً بطرده من فريق زعيم حزب المحافظين مايكل هوارد بعد كذبه على هذا الأخير، وحتى ترويجه الأساطير الشعبوية المشكّكة في الأوروبيين (من ذلك ادّعاؤه أن الإيطاليين رفضوا المقاييس الجديدة المقترحة للواقي الذكري لقلقهم على اعتبارات الحجم بدلاً من التركيز على معايير الوقاية من مرض الإيدز)، حين كان مراسلاً في بروكسل لـ"ديلي تلغراف". وهناك اعتقاد واسع، في بريطانيا خصوصا، أن ترويجه تلك الأساطير، خلال السنوات الخمس التي قضاها في المدينة في التسعينيات، وحوّلته إلى شخصية عامة، قد أثّرت في الحركة البريطانية المشكّكة والمتشككة في الاتحاد الأوروبي، وساعدت على زرع بذور عديدة ستؤدي إلى صعوده رئيسا للوزراء وخروج بريطانيا، بقيادته، من الاتحاد الأوروبي بحجّة أنّها ستكون أفضل خارجه.
لم يعد الكذب خصلة تتعلق ببوريس جونسون، كما ذهب الصحافي البريطاني، جوناثان فريدلاند ("الغارديان": 19/11/2021)، بل أصبحت، برأيه، سمة حزبه، وامتدت إلى أعضاء الحكومة الحالية. في تغريدتها، أعلنت باتيل أنّ "الحكومة ملتزمة بالتصدّي للتطرّف والإرهاب أينما وجد" لكنها طبعاً، ليست في وارد التصدّي لإرهاب الدولة الإسرائيلي المنظّم، ولا للوثتي الكذب والنفاق اللتين ورثتهما عن بوريس جونسون.

حسام أبو حامد
حسام أبو حامد
كاتب وصحافي فلسطيني. من أسرة العربي الجديد.