بروكسل وموسكو أمام صعود ترامب الهولندي
يكشف الانتصار الانتخابي الذي حقّقه اليميني المتطرّف، خيرت فيلدرز، في هولندا، الكثير عن الحالة التي تعيشها أوروبا. والهجرة هي القضية الكبرى في يومنا هذا، خصوصا "غير النظامية" التي توفر تربة خصبة لأي حزب يميني متطرّف، ولعل الهجوم الروسي على أوكرانيا ساعد أيضاً في دفع الرأي العام في دول الشمال، بشكل خاص، نحو اليمين ذي التوجّهات الأمنية.
سارت أوروبا في الأشهر الأخيرة في اتجاهين، ففي أكتوبر/ تشرين الأول، منحت سلوفاكيا، وهي دولة صغيرة (5.5 ملايين نسمة) حزب "سمير- إس دي" الذي يتزعمه رئيس الوزراء السابق روبرت فيكو، القومي الشعبوي، على غرار فيكتور أوربان في المجر، المركز الأول بـ23% من الأصوات. ويطالب الحزب بوقف المساعدات العسكرية لأوكرانيا وينتقد الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، ويدعو إلى تحسين العلاقات مع روسيا.
وبعد بضعة أسابيع فقط، منحت بولندا، 38 مليون نسمة، النصر لحزب الائتلاف المدني الذي يتزّعمه رئيس الوزراء السابق ورئيس الاتحاد الأوروبي، الوسطي المؤيد للاتحاد، دونالد تاسك، ما أزاح حزب القانون والعدالة القومي المحافظ، من دون الاتفاق، حتى اللحظة، على تشكيل أي حكومة ائتلافية، المرجّح أن يرأسها تاسك. ويمكن القول إن بولندا خالفت الاتجاه الأكبر، فإذا نظرنا إلى الماضي القريب نجد أن أحزاب اليمين المتطرّف حققت مكاسب، لكن جيورجيا ميلوني كانت استثناءً في اكتساح صناديق الاقتراع بنسبة مشاركة منخفضة، لتصبح أول رئيسة وزراء لإيطاليا. وحتى لو تصدّرت أحزاب اليمين المتطرّف، فقد لا ترأس الحكومة الجديدة أو حتى تدخل الحكومة على الإطلاق، وهو ما قد يحدُث في هولندا، وتجتمع الأحزاب الأخرى لعرقلة طريقها إلى السلطة، أو يضمّها ائتلاف حكومي. وحتى عندما يكون لها نصيب في السلطة، تكون هذه السلطة مقيّدة.
كان فيلدرز عنصراً أساسياً في السياسة الهولندية فترة طويلة، ودخل البرلمان منذ ربع قرن، وأسّس حزب الحرية في 2006، ورغم أنه خفّف بعض الشيء لهجته المناهضة للمسلمين هذه المرّة، لكنه وقف على برنامجه المألوف المتمثل في عدائه الهجرة، ومقاومة ما يعتبره "تمييع" الهوية الوطنية الهولندية، وقوبل فوزُه الساحق بتهنئة من قادة اليمين المتطرّف في فرنسا والمجر، لكن ذلك سيثير على الأرجح مخاوف في بروكسل، ففيلدرز مناهضٌ لمؤسسات الاتحاد الأوروبي، ويريد استفتاء على خروج هولندا من الكتلة.
فيلدرز مناهضٌ لمؤسسات الاتحاد الأوروبي، ويريد استفتاء على خروج هولندا من الكتلة
وفيلدرز الذي وُصف في الماضي بأنه النسخة الهولندية من دونالد ترامب سيتعيّن عليه، أولاً، تشكيل حكومة ائتلافية قبل أن يتمكّن من تولي مقاليد السلطة، لكن إيجاد شركاء ليس عملية سهلة بالنسبة للحزب اليميني المتطرّف.
وهناك وسائل إعلام أميركية لم تقارن خيرت فيلدرز بترامب، مع وجود أوجه تشابه واضحة، سيما أن ترامب الهولندي كان قد غازل في الماضي الرئيس الأميركي السابق، وعلاقاته وثيقة منذ فترة طويلة مع الحزب الجمهوري، وأعرب عن دعمه ترامب عندما كان الأخير مرشّحا للرئاسة قبل انتخابه. ومع أنه في هولندا، لا تذهب المقارنة بينهما، في أحيانٍ كثيرة، إلى أبعد من تسريحات شعرهما، "كما لو أنهما يذهبان إلى مصفّف الشعر نفسه". وتحدّثت وسائل الإعلام الأجنبية أيضًا عن هذا التشابه، ولكن الأمر يتعلق، في أحيانٍ كثيرة، بالأفكار التي تُظهر أوجه التشابه.
وجاء في مقال لقناة فوكس نيوز الأميركية أن "دونالد ترامب الهولندي"، اليميني خيرت فيلدرز يفوز بالانتخابات، ولطالما قورن فيلدرز بترامب بسبب سياساته الشعبوية. ولكن، على عكس الأخير، بدا أنه مقدّر له أن يعيش حياته في المعارضة، فهما، وفقا لمجلة بوليتيكو الأميركية، يمتلكان الموهبة نفسها في استغلال حالة الجدل المُثارة حولهما للهيمنة على وسائل الإعلام وجذب الأنظار، بما يصُب في صالح الأجندة الخاصة بكليهما.
كلاهما يقولان: نحن نضع أميركا وهولندا في المقام الأول، وكلاهما ينتقد الهجرة ومساعدات التنمية وخطط المناخ، وكلاهما لا يرى شيئًا بالاستمرار في دعم أوكرانيا ماليًا وعسكريًا. ومن حيث المحتوى، لا تذهب معظم المقارنات إلى أبعد من "الأفكار المتطرفة نفسها في مجال الهجرة"، وإحدى خطط ترامب الأكثر إثارة للجدل، وهي بناء جدار على الحدود مع المكسيك لوقف الهجرة، يمكن مقارنتها بنيّة فيلدرز لوقف الهجرة. وقد ذكرت وكالة بلومبيرغ أن فيلدرز تحوّل عمدا من ربطات العنق الزرقاء إلى الحمراء في نهاية الحملة الانتخابية للتأكيد على تشابهه مع ترامب.
يبقى القول، تضع وسائل الإعلام الأميركية بشكل رئيسي التطوّرات الهولندية في منظور أوروبي، وعندما يتعلق الأمر بفوز فيلدرز في الانتخابات، فإنهم يذكرون، بشكل أساسي، أنه ينتقد دعم أوكرانيا، ويشار أيضًا إلى أنهم في بروكسل غير راضين عن ترامب الهولندي.