بانتظار 6 مارس

بانتظار 6 مارس

24 فبراير 2024
+ الخط -

ليس سراً أن الردود العربية الرسمية على حرب الإبادة الجماعية في غزّة كانت عالية وواضحة من حيث الخطاب، كما تجلى هذا في بيان القمّة العربية الإسلامية في الرياض، غير أن الإجراءات التي جرى اتخاذها في إطار فردي أو جماعي (من خلال ملتقى جامعة الدول العربية) محدودة وضئيلة، مقارنه بجسامة الحدث الكارثي، ومقارنة أيضاً بعنفوان و"زخم" الخطاب الرسمي نفسه. وقد لوحظ، كما يحدث عادة في ظروف حرجة، أن أصابع الاتهام بالتقصير تتوجّه عادةً إلى الجامعة التي يسعها تقديم المقترحات والتوصيات المستلهمة من مواقف تضم مندوبين دائمين معتمدين على الوزراء العرب المعنيين. ويتوق الرأي العام العربي، قبل فوات الأوان، لأن تنبري الدول العربية، منفردة أو مجتمعة، لاتخاذ إجراءات فعّالة محدّدة في إطار مقتضيات السيادة لكل دولة، وبما يتماشى مع ميثاق الجامعة وقرارات القمم العربية، ومما قد توصف بأنها إجراءات قوية وملموسة، ليست راديكالية أبدا، بل هي أقرب، في مضمونها، إلى الواقعية السياسية الفعّالة والمنتجة.

شهدت الدوحة قبل أيام أعمال الدورة العادية الـ53 للجنة العربية الدائمة لحقوق الإنسان، المنبثقة عن الجامعة، وهو حدثٌ لا يستثير اهتماماً، كون الجميع يعرفون حال حقوق الإنسان في عالمنا العربي، ولا يتوقّعون من لجنة رسمية أن تفعل الكثير أو القليل للانتصار لهذه الحقوق، غير أن الاجتماع، ونظراً إلى سطوة الحدث الأشدّ خطورة وأهمية، حرب الإبادة ضد غزّة وأهلها، قد وجّه اهتمامه إلى أبعاد هذه الحرب وآثارها ومخاطرها الجمّة الماثلة، فهذه الحرب تُنكر ببساطة على سائر الناس في غزّة الحق في الحياة، وهو حقٌّ يتقدّم على الحقوق الإنسانية كافة. وقد خرجت اللجنة بتوصيات جرى توزيعها على وزراء الخارجية العرب، استعدادا لانعقاد الدورة الـ161 لاجتماع مجلس وزراء الخارجية العرب، ومجلس الجامعة في 6 مارس/ آذار المقبل.

من الأهمية بمكان أن يطّلع الجمهور العربي على هذه التوصيات المرفوعة إلى وزراء الخارجية قبل انعقاد اجتماعهم. كشف عنها المندوب الفلسطيني لدى الجامعة مهند العكلوك، في مقابلةٍ مع "القدس العربي"، وهي ترمي إلى تدعيم الموقف العربي الرسمي من خلال الجامعة بإجراءاتٍ عملية، قال "أنهينا عمل لجنة منبثقة عن مجلس الجامعة، سُميت لجنة المندوبين الدائمين المؤقتة، برئاسة المندوب الدائم لدولة الكويت، تبنّت هذه اللجنة 19 إجراء في المجالات السياسية والاقتصادية والقانونية والدبلوماسية". ومغزى ذلك أن التوصيات جاءت ثمرة لجهد عربي مشترك ولتوافق عام بشأنها، وتحتاج لاعتمادها من وزراء الخارجية كي يُصار إلى تطبيقها من الدول الأعضاء، في مواجهة الاندفاع المتوحش لحرب الإبادة.

ما مدى توافر إرادة سياسية لمواجهة حرب الإبادة بإجراءات ملموسة؟

من أبرز التوصيات التي تنتظر اعتمادها من وزراء الخارجية ثلاث: اعتماد قائمة من 60 منظمة يهودية متطرّفة، ووضعها كمنظمات إرهابية على القوائم الوطنية العربية للإرهاب. تواظب هذه المنظمات "الإرهابية الإسرائيلية المتطرّفة" على اقتحام المسجد الأقصى، وبعضها يسعى إلى هدم المسجد المبارك، وبعضها تحرق ممتلكات المواطنين الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، وتقتل المواطنين بدم بارد. اعتماد قائمة من 97 شركة من الشركات ومؤسّسات الأعمال الدولية والإسرائيلية، التي تعمل في المستوطنات الاستعمارية الإسرائيلية غير القانونية. وقد أوصت اللجنة العربية الدائمة لحقوق الإنسان برفع هذه القائمة جملة واحدة، ومقاطعتها من الدول العربية كاملة. ولديها شركات فرعية، ومقرّات في دول أوروبية وفي دول غير عربية. توصية بقائمة تضمّ 22 شخصية إسرائيلية تبنّت خطاب الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني، منها رئيس حكومة الاحتلال نتنياهو، والوزيريْن سموتريتش وبن غفير، وأيضاً أركان حكومة الحرب العدوانية، ووزير التراث الإسرائيلي عميحاي إلياهو الذي طالب بإلقاء قنبلة نووية على غزّة. وذلك تمهيداً لاتخاذ إجراءات قانونية برفع قضايا على هذه الشخصيات، سواء في المحاكم الدولية أو في المحاكم المحلية ذات الاختصاص العالمي.

وبإنعام النظر في هذه التوصيات، فإنها تبدو أقلّ بكثير من قرارات قطع العلاقات مع تل أبيب التي تبنّتها دولٌ صديقةٌ في أميركا اللاتينية. وتتساوق مع عقوبات وقرارات غربية أخذت تصدر تباعا ضد عتاة المستوطنين الغزاة، كما تنسجم مع التوجّهات العامة للاتحاد الأوروبي ضد الاستيطان وقادته، وضد الحرب "التي تنتهك كل القواعد". والمقصود بها توجيه رسالة واضحة وحازمة إلى سلطات الاحتلال بأن التنكيل الجماعي بالشعب الرازح تحت الاحتلال يجب أن يتوقف، وذلك بعد سنوات طويلة من دعوة حكومات الاحتلال إلى الكفّ عن هذه الممارسات الشائنة، وهي دعوات انطلقت من دول عربية ومن دول أخرى في الشرق والغرب، كما من هيئات ومنظمّات حقوقية ودولية بعضها منبثقة عن الأمم المتحدة.

وباعتماد هذه التوصيات، فإنه يتم، وبصورة عملية، الرد على مقولة بائسة تحدّد خيارين أمام صانعي القرارات: نخوض حربا مع إسرائيل أو نقف موقف المتفرّجين، ولا نفعل شيئا ألبتّة، علماً أن قرارات تصدر بموجب هذه التوصيات تنسجم تماما مع مقتضيات السيادة لكل دولة، ولا تمُس من قريب أو بعيد بخيار السلام، ولا حتى باتفاقيات السلام المبرمة. وعليه، فإن اجتماع وزراء الخارجية العرب في إطار الجامعة يوم 6 مارس، والذي سينظر في هذه التوصيات، بعد أن يكون الوزراء قد اطّلعوا عليها مسبقا سيكون في غاية الأهمية، وسوف يكشف عن مدى توافر إرادة سياسية لمواجهة حرب الإبادة بإجراءاتٍ ملموسةٍ ليست راديكالية ولا حربية.