المناضل الاستعراضي

المناضل الاستعراضي

01 ديسمبر 2023
+ الخط -

أنت لا تحبّ حركة حماس. وكنتَ تدرك أنها ستفشل، ولن تحقّق أي إنجاز عسكري أو سياسي من عملية 7 أكتوبر/ تشرين الأول. وتزيد على ذلك أنك لا تطيق الإسلام السياسي، وتعتبر أن انخراطه في الربيع العربي أدّى إلى كوارث في مصر وسورية وتونس. وقد كنتَ متنبها إلى ذلك منذ البداية، ولذلك وقفتَ ضدّه. وكي تؤكّد على أن الأحداث برهنت على صحّة وجهة نظرك، ترجع إلى التذكير بموقفك من الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003. يومها، أيّدت إسقاط الرئيس العراقي صدّام حسين، ووافقت مع الرئيس الأميركي جورج بوش على أن يوم سقوط بغداد هو محطة البداية على طريق الديمقراطية العراقية. ولذلك احتفلت بدخول "المارينز" عاصمة الرشيد، وشربت نخب الشكر لواشنطن، بدعوى أنها كلفت نفسها عناء جلب الديمقراطية للعراقيين.

هذه هي بعض نقاط مرافعتك التي تعدها مفحمة. تكتفي بهذا القدر من مديح الذات، ولا تريد أن تسترسل في سرد سيرتك النضالية. لا داعي لتذكير الآخرين بأنك قضيت قسطا غير يسير من شبابك في سجون الطاغية، الذي حبَسك وقسا عليك. ولم يأخذ في الاعتبار أنك كنت معاديا لخصومه الإسلاميين، على المسافة نفسها، ولم يفرج عنك إلا بعد أن أحسّ بأنه كسب الجولة، ولم يعد خائفا على نظامه. وللأمانة، أنتَ لم تتنازل عن الهدف، رغم الهدنة من طرفك. وحينما دقّت ساعة الصفر عام 2011، وهبّت رياح الربيع العربي، لم تتخلف. وكنت بين الذين هتفوا "الشعب يريد إسقاط النظام"، ولكن صوتك خفت تدريجيا، ولم يعد يسمعه أحد، إلا في بعض المناسبات، وأنت تصرّح من مكان إقامتك الجديد لاجئا في أميركا أو أوروبا أو كندا، لتدين حركة حماس، أو تسخر من بعض جماعاتٍ، ترفع الراية الإسلامية، بعد أن استولت على الثورة السورية، وحوّلتها إلى وسيلة للتكسب.

قد تكون نسيتَ بأنك صمتت، حينما تركت أميركا العراق، لتحكمه محاصصة الطوائف والفساد والمليشيات الموالية لإيران. وغضضت النظر عن الانقلاب ضد نتائج الانتخابات في مصر، لأنها جاءت بالإخوان المسلمين إلى الحكم. وغسلت يديك من الثورة التونسية، لأنها سمحت للإسلاميين بالمشاركة في الحكم. ورقصت طربا حين أقصاهم قيس سعيّد، ولم تتحرّج من منظر المصفّحات وهي تغلق البرلمان التونسي الذي كان أول مؤسّسة ديمقراطية عربية تولد من زخم احتجاجات الشارع، الذي أسقط حكم الدكتاتور زين العابدين بن علي. كما أنك لم يسبق لك أن سجّلت موقفا يستحقّ الاعتداد به من قضية الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، وهو بتوصيف كل الخبراء استعمار استيطاني، وآخر نظام أبارتهايد في العالم. ويبدو أنك اكتفيت براحة البال، لأن رؤيتك كانت صائبة في تشخيص كل هذا الخراب منذ زمن بعيد، وأن دخولك السجن عدّة سنوات يعفيك من قراءة مآلات الأحداث. وعلى هذا، لستَ معنيا بالنتائج التي استقرّت عليها الأوضاع في العراق ومصر وتونس وسورية وفلسطين. ومع أنك أصبحت صاحب تجربة غنية، وبوسعك أن تقرأ ما بين سطور الأحداث، فإنك تصرّ على تكرار الأخطاء القاتلة. ولذا تتعاطى مع الحرب على غزّة أنها من أجل القضاء على "حماس"، ولا تتحرّج أبدا من أن تلتقي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو على الهدف نفسه، وتصمت عن معاناة الأطفال، الذين يصبّ عليهم قنابل الفوسفور، ويقطع عنهم الحليب والماء والدواء والضوء.

ومهما يكن من أمر، تشكّل المنعطفات الكبيرة كشّافا، ليس لمعادن الأفراد فحسب، بل الأحزب والحركات السياسية. كما أنها تمتلك وحدها حق إصدار الحكم الصحيح، وتميّز بين الخطأ والصواب. ولهذا تنطوي صفحة، وتنفتح أخرى جديدة، ويمكثُ ما ينفع الناس، ويذهب الزبد بلا أسف.