المغرب والمونديال وحقوق الإنسان

المغرب والمونديال وحقوق الإنسان

28 يونيو 2023
+ الخط -

أصبح ترشّح المغرب لتنظيم مونديال 2030 مؤكداً، بعد أن أعلن العاهل المغربي محمد السادس تقديم بلاده ترشيحاً مشتركاً مع إسبانيا والبرتغال، وأعلن أخيراً عن تعيين رئيس لجنة ترشيح المغرب لتنظيم هذه التظاهرة العالمية الكبيرة. وهذه ليست المرّة الأولى التي يتقدّم فيها المغرب بالترشيح لنيل شرف تنظيم أهم منافسة كروية عالمية، لكن الحظ لم يحالفه في المرّات السابقة لأسباب عديدة، لعل أبرزها ضعف التجهيزات المغربية والبنية التحتية التي لم تكن تساعد المنظّمين على الثقة بقدرة المغرب على تنظيم مثل هذا اللقاء الرياضي الكبير، بالإضافة إلى أسباب أخرى سياسية وحقوقية. ومع الترشيح الثلاثي الحالي، بشراكة مع إسبانيا والبرتغال، تبدو حظوظ المغرب كبيرة في الحصول على شرف استضافة جزء من المقابلات الكروية برسم مونديال 2030، في حال وقع اختيار الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) على هذا الثلاثي لتنظيم هذه التظاهرة.

ومع اقتراب موعد القرعة التي غالباً ما تجرى سنةً قبل تنظيم المونديال المقبل، المقرّر عام 2026، مشتركاً بين الولايات المتحدة وكندا والمكسيك، يبدو أن حظ الثلاثي المغربي الإسباني البرتغالي هو الأوفر في الفوز بتنظيم المونديال ما بعد المقبل، على الرغم من وجود ترشيحات قوية تقدّمت بها دول مشتركة في أميركا الجنوبية وفي القارّة السمراء، بالإضافة إلى الترشّح السعودي الذي يعدّ، حتى اللحظة، الأكثر تنافسية من بين باقي الترشيحات الأخرى. لكن، بموجب قواعد "فيفا"، يصعب أن يذهب تنظيم مونديال إلى القارّة الآسيوية، لأن آخر مونديال برسم عام 2022 شهدته قطر في القارّة الآسيوية، وسيكون المونديال المقبل مشتركاً بين دول تنتمي إلى القارّتين الأميركيتين؛ الولايات المتحدة والمكسيك، بالإضافة إلى كندا، والترشيح الأكثر تنافسية من حيث الأحقية هو الذي تنوي دول أفريقية تنظيمه مشتركاً بينها. ومع ذلك، تبقى كل المفاجآت ممكنة، كما عوّدنا "فيفا"، وكما هو شأن كرة القدم التي، رغم كل القواعد الصارمة التي تنظمّها، تخضع لضربات الحظ في آخر دقيقة!

على المغرب والسعودية أن يستعدا لمواجهة منتقديهما في مجال حقوق الإنسان، بسبب سجلّهما في هذا المجال

ومن نافلة القول إن للترشيح الثلاثي المغربي الإسباني البرتغالي من الحظوظ ما تجعله الأقوى بين الترشيحات التي ظهرت، لعدة أسباب، لعل أهمها إمكانات الدول الثلاث، من حيث عدد الملاعب الرياضية المتطوّرة التي تضمّها، والبنية التحتية القوية والمتطوّرة فيها، سواء تعلق الأمر بالطرق أو المطارات أو الموانئ والفنادق والإقامات، بالإضافة إلى عامل القرب بين الدول الثلاث، والذي سيسهّل عملية تنقل الفرق والجمهور بين الملاعب التي ستشهد استضافة منافسات هذا المونديال. يضاف إلى ذلك أن لهذا الترشيح فرادته، بما أنه الأول من نوعه الذي قد ينظّم مشتركاً بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط وبين القارّتين الأوروبية والأفريقية. من دون أن ننسى شغف شعوب الدول الثلاث بكرة القدم ووجود أندية قوية فيها ذات صيت عالمي تضم نجوماً عالميين كباراً، تتهافت كبرى أندية العالم عليهم، لهم ملايين من المعجبين عبر العالم. وآخر شيء وليس الأخير، المهم في ترجيح كفّة ترشيح الملفات، قدرة الدول على التنظيم المحكم لتظاهرة عالمية يقبل عليها الملايين من جميع أنحاء العالم. وفي هذا الصدد، تطمئن إسبانيا التي سبق لها أن نظّمت كأس العالم عام 1982 المنظّمين إلى أن النسخة المقبلة من هذه التظاهرة لو أُسند إليها تنظيمها مشتركاً مع المغرب والبرتغال سوف تستفيد من تجربة الإسبان في التنظيم، بالإضافة إلى ما راكمه اتحادا الكرة في المغرب والبرتغال من تجارب خلال السنوات الماضية في تنظيم مباريات كروية كبيرة شهد الجميع بنجاح تنظيمها.

من مصلحة المغرب، ومن الحكمة إن كانت إرادة قيادته صادقةً بالفوز بتنظيم مونديال 2030، إحداث انفراج سياسي عام

لكن، هل تكفي فقط الإمكانات المادية وعامل القرب والتجربة في التنظيم للحسم في ترجيح كفّة ملف الترشيح للمونديال المتنافس عليه؟ لو كان الأمر كذلك، فإن منافسة دولة مثل السعودية ستكون قوية بالنظر إلى الإمكانات التي رصدتها القيادة السعودية، في نوع من التحدّي، للفوز بهذه الفرصة التي يريدها السعوديون تتويجاً لرؤية ولي العهد محمد بن سلمان المعروفة برؤية 30، نسبة إلى عام 2030، وهو موعد تنظيم المونديال ما بعد المقبل. لقد أثبتت التجارب السابقة أنه، مع اقتراب كل تشريح لتنظيم منافسة رياضية عالمية، تبرز إلى السطح ورقة حقوق الإنسان التي تستعملها الدول في مواجهة منافسيها، وترفعها منظّمات حقوق الإنسان للضغط على الدول المرشّحة لتحسين أوضاع حقوق مواطنيها أو حقوق الأشخاص فوق أراضيها، ولتعديل قوانينها التي لا تستجيب للمعايير الدولية لهذه الحقوق، كما رأينا في النسخة السابقة التي شهدتها قطر. وفي هذا السياق، على المغرب والسعودية أن يستعدا لمواجهة منتقديهما في مجال حقوق الإنسان، بسبب السجل السيئ لهما في هذا المجال، كما تشهد على ذلك تقارير منظمات حقوقية محلية ودولية. وإذا كان السجل السعودي أسوأ مقارنة مع نظيره المغربي، فهذا لن يعفي المغرب من مواجهة المشكل، ومعالجة الأمر قبل الوقوع تحت ضغوط المنظمات الحقوقية المحلية والدولية، وضغوط الدول المنافسة، بل وحتى تلك التي سيشترك معها المغرب في التنظيم، لأنها ستعتبر هذه الورقة من بين أوراق الضغط القوية لإسقاط ملفّ ترشّحها المشترك. لذلك من مصلحة المغرب، ومن الحكمة إن كانت إرادة قيادته صادقةً بالفوز بهذا التنظيم، إحداث انفراج سياسي عام في البلد، يبدأ بإطلاق جميع المعتقلين السياسيين، وفي مقدّمتهم معتقلو أحداث منطقة الريف، والصحافيون الثلاثة المعتقلون، والمدونون والنشطاء السياسيون، وأن يفتح هامش الحرية لإعلام مستقل وتعدّدي يسمح لتعبيرات كثيرة داخل المجتمع بالتعبير عن آرائها ومواقفها واختياراتها السياسية، والتقدّم خطوة إلى الأمام على طريق حلحلة قضية الصحراء، على الأقل من خلال فتح مجالها للإعلام والنشطاء الحاملين رؤى مختلفة عن الرؤية الرسمية المغربية للتعبير عنها بطرقٍ سلمية، والتخفيف من القبضة الأمنية التي تعتقد منظماتٌ حقوقيةٌ كثيرةٌ بأنها حولت البلد في السنوات العشر الأخيرة إلى دولة بوليسية. الوقت مناسب حالياً للتحرّك في كل هذه الاتجاهات بحكمة وروية، بعيداً عن كل ضغط خارجي، لوضع ملفّ الترشيح المغربي الثلاثي على سكّة النجاح، والقرار اليوم بيد صانع القرار المغربي.

D6ADA755-48E0-4859-B360-83AB4BBB3FDC
علي أنوزلا

صحافي وكاتب مغربي، مدير ورئيس تحرير موقع "لكم. كوم"، أسس وأدار تحرير عدة صحف مغربية، وحاصل على جائزة (قادة من أجل الديمقراطية) لعام 2014، والتي تمنحها منظمة (مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط POMED).