المسكوت عنه في رسالة زعيم مغربي

المسكوت عنه في رسالة زعيم مغربي

19 اغسطس 2021

محمد بن سعيد أيت إيدر .. أسف من انشقاق في حزبه

+ الخط -

وجّه رئيس الحزب الاشتراكي الموحد، في المغرب، محمد بن سعيد آيت يدّر، رسالة إلى المجلس الوطني للحزب، الذي انعقد يوم السبت المنصرم. ولعل ما يستدعي الوقوف عندها توقيتها الدال، إذ جاءت بعد قرارِ الحزب، مطلع الشهر الماضي (يوليو/ تموز)، عدم الترشّح للانتخابات التشريعية المقبلة تحت يافطة تحالف ''فيدرالية اليسار الديمقراطي''، الذي يضُم كذلك المؤتمرَ الوطني الاتحادي والطليعةَ الديمقراطي الاشتراكي، وإخفاقِ الفيدرالية في تحقيق اندماج مكوناتها الثلاثة في حزب يساري وازنٍ وقوي، يمكن أن يشكّل خيارا ثالثا بديلا عن "العدالة والتنمية" والأحزاب القريبة من السلطة، هذا إضافة إلى صدورها عن أحد رموز اليسار المغربي، ما يجعلها تكتسي أهميةً بالغة ضمن التقاطبات الحادّة التي يشهدها تحالف الفيدرالية. ويمكن القول إن الرسالة تضمّنت ''مسكوتا عنه''، لا يعني فقط "الاشتراكي الموحد" و"الفيدرالية"، بقدر ما يعني، كذلك، فاعلين آخرين داخل الحقلين، الحزبي والسياسي.

قال آيت يدّر إنه يتأسّف على الانشقاق الذي شهده الحزب أخيرا، بعد استقالة قياديين بارزين في صفوفه، ضمن ما بات يعرف بتيار ''اليسار الوحدوي''، لكنه في الوقت ذاته أكد على ضرورة حماية الحزب وتحصينه، بالتوازي مع تحصين مشروع توحيد اليسار على قاعدة الوضوح والاحترام. وإذا استُحضِر ما صرّح به، قبل فترة، حين اعتبر أن ''بروز هذا التيار في هذه الظروف أمر غير إيجابي''، فالمرجّح أنه يلمّح إلى ما حدث سنة 1996، حين تعرّضت منظمة العمل الديمقراطي الشعبي، التي كان أمينا عاما لها، لهزّة تنظيمية كبرى، على خلفية التعديلات الدستورية التي طرحها الملك الراحل الحسن الثاني، إذ في الوقت الذي رفض التيارُ الذي كان يتزّعمه هذه التعديلات، بسبب تكريسها هيمنة الملكية على الحقل السياسي، وافق عليها تيارٌ آخر سرعان ما انشقّ عن المنظمة ليؤسّس حزبا جديدا. وقد كان لذلك الانشقاق أثره العميق على منظمة العمل، التي ستتحول فيما بعد إلى أحد مكونات اليسار الاشتراكي الموحد (2002)، قبل أن يتحوّل بدوره، إلى الاشتراكي الموحد (2005).

هل استشعر آيت يدّر، بخبرته السياسية الطويلة، أن هناك ''مخطّطا ما'' لاستدراج الحزب، من خلال تحالف الفيدرالية، إلى التطبيع الكامل مع قواعد اللعبة الموضوعة من السلطة، وبالتالي إلى مصير أحزابٍ مغربية كانت عتيدةً قبل أن ينتهي بها المطاف في سلة واحدة مع أحزاب السلطة؟ هل استشعر أن هناك حاجة لتوظيف الفيدرالية واستثمار رصيد مكوناتها بعد إزاحة "العدالة والتنمية" في الانتخابات التشريعية المقبلة؟ هل يسعى إلى تجنّب مصير منظمة العمل التي انتهت بحلّ نفسها على مذبح مشروع الحزب اليساري المغربي الكبير الذي لم ير النور؟ هل يريد النأي بالحزب عن تحمّل مسؤولية انتكاسةٍ انتخابيةٍ يبدو تحالفُ الفيدرالية قريبا منها؟

يبقى ذلك كله واردا جدا، في ظل الترسيم الكامل للحقل الحزبي الذي أصبح مجرّد مشتل لصناعة نخب ضعيفة وغير مستقلة وعاجزة عن تحريك مياه السياسة المغربية الراكدة. ومن هنا، إن تأكيدَ آيت يدر على ضرورة أن ينطلق مشروع توحيد اليسار من أحزاب قوية ومتماسكة لا يبدو فقط دعما لمواقف الأمينة العامة للاشتراكي الموحد، نبيلة منيب، بل يعكس، أيضا، حرصه على أخذ مسافةٍ من الفيدرالية وخطابها بشأن إدارة هذا المشروع.

من المرجّح أن رسالة آيت يدّر تُربك معسكر المنشقين عن الاشتراكي الموحد والمعارضين توجهاته، إلا أنها، في الوقت نفسه، تعكس انشغاله بأهمية ترك الباب مفتوحا في وجه الجميع، سواء بالنسبة للتيار الوحدوي أو حزبي المؤتمر الوطني الاتحادي والطليعة الديمقراطي الاشتراكي، في أفق حصر تداعيات الانشقاق على المدى البعيد، حتى لا يتحوّل إلى عائد سياسي يُستخلص في استثمار أخطاء اليسار المغربي وإعادة إنتاج أزمته المعلومة.