الدفاع الأوروبي بين جيليْن

04 مارس 2022

جنود فرنسيون خلال تدريب في مطار روان في فرنسا (30/10/2019/Getty)

+ الخط -

قام الرئيس الفرنسي الأسبق، جاك شيراك، بآخر تجربة نووية فرنسية في يناير/ كانون الثاني 1996، بعد ستة أشهر من وصوله إلى الرئاسة، وواجه ردود فعل محلية ودولية واسعة ضد المسألة، من منطلق أن دور الأسلحة النووية انتهى بعد انهيار الاتحاد السوفييتي. وردّ شيراك على منتقديه أن الاتحاد السوفييتي انتهى لكن سلاحه النووي لا يزال موجودا، ولا نستطيع أن نجزم أنه لن يدخل الكرملين حاكمٌ روسيٌّ، يلوح بهذه الورقة من جديد. وصدقت رؤيا شيراك بعد أكثر من ربع قرن، وها هو الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، يضع أوروبا أمام هذا الكابوس الكارثي، الذي حسبت أنها طوت صفحته بنهاية الحرب العالمية الثانية. وصرّح وزير خارجيته، سيرغي لافروف، بأن الحرب العالمية الثالثة ستكون نووية.

يختلف جيل القادة الأوروبيين الذي عاش الحرب العالمية الثانية، في النظر إلى المخاطر عن الأجيال اللاحقة. شيراك وأسلافه، فرانسوا ميتران، فاليري جيسكار ديستان، وجورج بومبيدو، رفضوا الخضوع للضغوط الداخلية والخارجية لوقف تطوير الأسلحة النووية التي يقف وراءها الجنرال شارل ديغول، الذي أنتج أول قنبلة ذرية في عام 1960، بعد نهاية الحرب العالمية الثانية بـ 15 عاما. وكان الهدف في ذلك الحين امتلاك سلاح ردعٍ يحمي فرنسا من تجربة الوقوع تحت الاحتلال، ولم يكن الخوف من ألمانيا التي واجهت فرنسا في الحربين، الأولى والثانية، واحتلت عاصمتها باريس في الثانية، وإنما من القوى التي تمتلك السلاح النووي، مثل الاتحاد السوفييتي، وحتى بريطانيا التي سبقت فرنسا إلى القنبلة بسبعة أعوام.

الرؤساء الفرنسيون، نيكولا ساركوزي، فرانسوا هولاند، وإيمانويل ماكرون، امتلكوا نظرة مختلفة عن جيل الرؤساء السابقين في التعاطي مع سياسات الدفاع. وفي حين أن الجيل القديم كان يتعامل مع الولايات المتحدة وروسيا بوصفهما مصدري تهديد دائم، غرق الجيل الجديد في بحر نظرية الحرب على الإرهاب، واعتبرها المصدر الأساسي للخطر، وبنى استراتيجيات وسياسات دفاعية على هذا الأساس. ولذا جرى إهمال الجيوش التقليدية لصالح قوات لمكافحة الإرهاب وأجهزتها. وأطلق ماكرون عام 2019 نظرية تقول إن الخطر على أوروبا يأتي من "الإرهاب الجهادي" القادم من الجنوب، وليس من روسيا، رغم أن فلاديمير بوتين كان قد خاض حربا في جورجيا عام 2008، واقتطع جزءا من أراضيها، وضمّ شبه جزيرة القرم التي تعود إلى سيادة أوكرانيا في عام 2014. وحتى أيام معدودة من مغامرة بوتين الجديدة بغزو أوكرانيا في الرابع والعشرين من الشهر الماضي (فبراير/ شباط)، لم يكن ماكرون والمستشار الألماني أولاف شولتز وغالبية قادة أوروبا يعتقدون أن الرئيس الروسي يمكن أن يحاول إخضاع أوكرانيا بالقوة، ويجتاحها بجيوشه، وهي دولة جارة ذات سيادة تحكمُها سلطةٌ منتخبةٌ في عام 2019، وحين تم فرض عقوبات ضد روسيا وتحرّكت أوروبا لمساندة أوكرانيا، هدّدها بوتين بالصواريخ البالستية الحاملة رؤوسا نووية.

وضع جديد في أوروبا يتمثل بسقوط سياسة الحوار مع روسيا بدلا من الردع، وبدأت النخب الأوروبية الحاكمة تحسّ بالرياح الباردة القادمة من روسيا، في حين أن النظام الدفاعي الأوروبي الحالي غير قادر على مواجهة المخاطر الآتية من روسيا. وهناك قناعةٌ لا يرقى إليها شك في أوساط البلدان المحيطة بأوكرانيا، بأن الحرب لن تقف عند حدود هذا البلد وسوف تتعدّاها. وهذا ما يفسّر التحرّك الأوروبي السريع لمساعدة أوكرانيا عسكريا، وفرض عقوباتٍ غير مسبوقة على روسيا، هدفها إلحاق أضرار بالاقتصاد الذي يموّل حروب بوتين. وبالتالي، فإن أوكرانيا هي معركة أوروبا، سواء قبلت عضويتها في الاتحاد الأوروبي أم لم تقبل. وسيتعيّن على أوروبا قبل الولايات المتحدة أن تضع ثقلها في هذه الحرب، من أجل منع الغزو الروسي من تحقيق أهدافه القريبة والبعيدة المدى.

1260BCD6-2D38-492A-AE27-67D63C5FC081
بشير البكر
شاعر وكاتب سوري من أسرة العربي الجديد