الحرب الأوكرانية ... سنة الأخطاء الروسية

21 فبراير 2023
+ الخط -

بعد يومين، تُكمل الحرب الروسية على أوكرانيا سنتها الأولى، وسط توقّعات غربية تقول إن هذه الحرب التي كان مُقدّراً لها أن تنتهي في غضون 96 ساعة، قد تمتد زمناً يتراوح بين ثمانية أعوام إلى 20 عاماً مليئة بالدماء والخراب، أي إلى فترة تكون كافية لاستنزاف المقدرات العسكرية والاقتصادية للدولة التي كانت تجابه أميركا زمن الحرب، ويحدُث للاتحاد الروسي ما حدث للاتحاد السوفييتي من ضعف وتفكّك وانهيار.
 وعلى طول الطريق الطويل بين موسكو وكييف، لم يترك الرئيس فلاديمير بوتين خطأً يعتب عليه، من سوء تقدير قوة جيش بلاده، الذي تعثّر منذ الخطوة الأولى على الدروب الموحلة إلى جارته الأوروبية، وإلى سوء تقدير أكثر فداحة بشأن حُسن استقبال ينتظر قوات الغزو المحمولة على ظهور الدبابات، ناهيك عن ضمّ أربع مقاطعات أوكرانية عبر استفتاءات صورية. 
 لا يتّسع المقام لتعداد سلسلة طويلة من الأخطاء التي وقع فيها الصياد، بعد أن وقع في المصيدة التي أعدّتها الولايات المتحدة له بإحكام، خصوصاً بعد أن أعلن القيصر الجديد مجموعة من الأهداف غير القابلة للتحقّق، مثل القبض على ما أسماها القيادة النازية في كييف، وتسريح الجيش الأوكراني، وإبعاد قوات حلف الناتو ألف كيلومتر من حدود الفضاء السوفييتي، ومن ثمّة إنهاء وضعية القطب الواحد في النظام الدولي.
لم تتوقّف هذه الأخطاء عند حدودها الأولى، بل أنتجت عكس ما كان مخطّطاً لها، ومن ذلك، على سبيل المثال لا الحصر، ظهور حلف الناتو أكثر تماسكاً من أي وقتٍ مضى، فضلاً عن اتساع نطاق عضويته بانضمام كل من السويد وفنلندا، وارتفاع عدد القوات الأميركية في أوروبا إلى نحو 125 ألف جندي بكامل أسلحتهم الاستراتيجية، وزيادة مركزية واشنطن في النظام الدولي أكثر من قبل، وفوق ذلك استنهاض الروح العسكرية الألمانية.
على أن أخطر النتائج المترتبة على هذه الحرب الطاحنة كان ميلاد عدو جديد لروسيا، وسط معمودية الدم والنار، حيث يجري تسليح أوكرانيا بأحدث ما لدى الغرب من تكنولوجيات حربية فائقة التطوّر، لتكون شوكة دائمة في الخاصرة الروسية، وتعزيز قوام شعب وإعادة تكوينه من أمة ذات عصبية قومية رخوة إلى دولة قد تشكّل البوابة الشرقية لأوروبا، أو على الأقل رأس حربة غربية مسنونة جيداً في وجه أي توسّع روسي مستقبلي، وهو ما دعا له الرئيس الأوكراني علناً، عندما تحدّث، في وقت مبكّر من الحرب، عن ضرورة قيام إسرائيل أوروبية، أكبر حجماً وأكثر عدداً وأشدّ عدوانية. 
وهكذا، وبعد انقضاء السنة الأولى من أخطر حرب تشهدها القارّة العجوز منذ الحرب العالمية الثانية، تبدو هذه الأهداف أبعد ما تكون عن التحقّق، ليس فقط بفعل الأخطاء الكارثية التي حصدها بوتين بالجملة، وإنما أيضاً نتيجة المتغيرات غير المحسوبة من بوتين، بما في ذلك الحرب بالوكالة، عبر الدعم بالسلاح والمال اللا محدودين المقدّمين من أميركا وحلفائها الغربيين، من دون أن نغفل بالطبع عن خطأ الاستهانة بصلابة الأوكرانيين ودفاعهم العنيد ضد غزو خارجي بالغ الوحشية، راح يرتكب جرائم الحرب، ومن ثمّة خسارة الحرب، سياسياً وأخلاقياً، قبل أن تضع أوزارها.
ومع أن المكابرة الروسية لا تزال في أوجها، والإنكار هو هو منذ اليوم الأول، سواء عن الانتصارات الحربية أو إنجازات مرتزقة فاغنر، إلا أن الحقائق عندما يجري الكشف عنها في يوم قد لا يكون بعيداً، سوف يعرف الروس المتحمسّون للحرب واستعادة الأمجاد القيصرية، أن الرئيس بوتين قد ألحق ببلاده خسائر أشد ضرراً مما كان سيلحقه بهم أعدى أعداء أكبر بلد من حيث المساحة والموارد الطبيعية، ناهيك عن امتلاكه نحو ستة آلاف قنبلة نووية.
لعل أعقد ما يتجلى في المشهد الحربي في أوكرانيا، بعد انقضاء السنة الأولى، أن بوتين، وهو صاحب قرار الحرب بصورة قطعية، بات اليوم في وضعٍ لا يستطيع معه التراجع إلى الخلف، حتى لا يظهر بمظهر يخالف الانطباع الذي تشكّل حول مروّض الدببة، صاحب الشخصية القيادية المتحدّية، ولا يستطيع، في المقابل، مواصلة حرب باهظة الكلفة مادياً وبشرياً، من دون أن تلوح في الأفق بارقة نصر حاسم، لا سيما بعد أن أدّت "العملية الخاصة" إلى تهميش مكانة روسيا دولياً، والإضرار بسمعة ثاني أقوى جيش في العالم، وتكبّده خسائر بشرية يقدرها البنتاغون بنحو مائتي ألف قتيل وجريح، ناهيك عن نحو ستة آلاف عقوبة غربية، وعن تجميد ذهبه ومئات المليارات من أرصدته في الخارج، لصالح إعمار أوكرانيا.

45AB6A9D-38F9-4C2C-B413-9E5293E46C8D
45AB6A9D-38F9-4C2C-B413-9E5293E46C8D
عيسى الشعيبي

كاتب وصحافي من الأردن

عيسى الشعيبي