الجامعات الأهلية .. لماذا؟

الجامعات الأهلية .. لماذا؟

29 اغسطس 2022

(وسام الجزائري)

+ الخط -

عطفاً على الحديث عن التعليم الجامعي في مصر، انتشر أخيرا نوع من الجامعات جديد على الساحة المصرية، هو الجامعات "الأهلية". ويبدو أن الحكومة المصرية متلهفة إلى نشر تلك الجامعات في ربوع مصر، فقد وصل عددها إلى حوالي 30 جامعة، بدأ بعضها يستقبل الطلاب بالفعل. 
تختلف الجامعات الأهلية عن الجامعات الحكومية والخاصة في شيء واحد، أنها لا تهدف إلى الربح. بينما يمكن أن تمتلكها الدولة أو أفراد أو شركات أو أي كيان اعتباري. وبالفعل، تتبع بعض الجامعات الأهلية الجديدة إلى مصر الدولة، وبعضها الآخر يملكه رجال أعمال أو جمعيات أهلية. ولا حاجة بالطبع إلى التساؤل عن سبب لجوء الدولة إلى التخلي عن تأسيس جامعات حكومية، فالتعليم الحكومي، سواء الجامعي أو قبل الجامعي، يفترض أنه مجاني، حتى وإن زادت، اخيرا، رسوم كل منهما عدة أضعاف، وهي بالفعل أقل كثيراً من مصروفات التعليم الجامعي الخاص. لذا، تسعى الحكومة المصرية إلى استيعاب مئات آلاف من الطلبة التي تضخّها الثانوية العامة سنوياً، من دون الالتزام بالأعباء المالية المترتبة على دخول تلك الأعداد الضخمة إلى الجامعات الحكومية. وكانت الدولة قد حاولت من قبل إيجاد حل لتلك المعضلة بطريقتين:
الأولى، استحداث أقسام جديدة بالإنكليزية ثم الفرنسية، في الجامعات الحكومية التقليدية نفسها. وبعد ما يقرب من عقدين، فقدت تلك الأقسام بريقها بعد أن صار خرّيجوها في طوابير البطالة نفسها إلى جانب خرّيجي أقسام اللغة العربية من الكليات نفسها، فصار من الصعب فرض زياداتٍ جديدة في رسوم تلك الأقسام، بعد أن زيدت بالفعل خلال السنوات الماضية، لكنها تظل زيادات غير كافية في نظر حكوماتٍ لا هم لها سوى تعظيم إيراداتها.
الثانية، استحداث برامج تعليم جامعي ذات طبيعة خاصة، طبقت فيها الدولة المصرية نظم تعليم مطبقة في الخارج (الساعات المعتمدة)، وفرضت عليه رسوماً باهظة، صارت حالياً تضاهي رسوم الجامعات الخاصة، بل وتفوقها. ولأن هذه البرامج الخاصة تتضمّن تخصصات جديدة، وتستلزم توافر مقومات خاصة وكوادر تدريس مؤهلة لها، فإن التوسّع فيها سيكون على حساب تميزها، وبالتالي سيقل الطلب عليها لاحقاً. 
على التوازي، كانت الجامعات الخاصة تنتشر وتتزايد خلال العقدين الماضيين، وهو ما وضعها تحت نظر الحكومة الحالية، فراحت تفكّر في كيفية انتزاع حصة القطاع الخاص من مستهلكي التعليم الجامعي (الطلاب) والاستيلاء على ما كانوا سيدفعونه من أموالٍ لأصحاب الجامعات الخاصة. مع عدم تكبّد أية أعباء جديدة أو تقديم مستوى تعليمي مختلف أو متميز عن ذلك الذي يحصل عليه الطلبة في الجماعات الخاصة، أو حتى في الجامعات الحكومية ذات المصروفات الأقل كثيراً.
بالتالي، يصبح المجتمع المصري أمام تأسيس جامعاتٍ جديدةٍ لا تختلف عن الجامعات الحكومية في شيء، سوى أنها بمصروفات باهظة تضاهي الجامعات الخاصة، أو ربما أقلّ قليلاً بسبب المنافسة، ولو مؤقتاً. ومن ناحية المضمون، أي المحتوى التعليمي والتخصصات والمجالات التي يؤهل الخرّيجون للعمل بها، لا جديد بالمطلق. فكل الجامعات الأهلية الجديدة تضم التخصصات نفسها، النظرية التقليدية غير المطلوبة في سوق العمل. ما يعني بوضوح إصرار الدولة المصرية على الاستفادة القصوى من تلك "السبّوبة" الجامعية. ولا مشكلة لديها بالمرّة في عدم إدخال أي تغيير على منظومة التعليم، أو تحديث العملية التعليمية، أو ربط التعليم بسوق العمل. ولذا تمضي في التماهي مع قناعاتٍ مجتمعيةٍ تُعمق مشكلة البطالة وتزيد سطحية الثقافة وضحالة الفكر لدى خرّيجين، مجرّد الحصول على شهادة جامعية يكفيهم وزيادة. ولا حاجة لهم، ولا للدولة بالطبع، في تعليم راقٍ أو تأهيل حقيقي للحياة العملية.

58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.