"الأصالة والمعاصرة" المغربي... كأنها بداية النهاية

"الأصالة والمعاصرة" المغربي... الترويكا كأنها بداية النهاية

16 فبراير 2024
+ الخط -

استطاع حزب الأصالة والمعاصرة، المغربي، الخروج من عنق الزجاجة، نهاية الأسبوع الماضي، بعد تتويج فعاليات مؤتمره الوطني الخامس، بانتخاب قيادة جماعية للحزب، في بدعة اعتُبرت سابقة في التاريخ الحزبي في المغرب. وانقلبت معركة حزب صديق الملك، على اعتبار أن تأسيسه، صيف 2008، كان على يدي المستشار قي الديوان الملكي حاليا، فؤاد عالي الهمّة، من إنقاذ الدولة من زحف الإسلاميين إلى البحث عن إنقاذ الذات، عقب الضربة الموجعة التي تلقاها على خلفية متابعات قياداتٍ منه بتهم تتعلق بالاتّجار الدولي في المخدّرات.

يخوض حزب الجرار (رمز الأصالة والمعاصرة) أول تجربة حكومية، إلى جانب حزبي التجمّع الوطني للأحرار والاستقلال، باعتباره ثاني قوة سياسية في البلاد (86 مقعدا)، يتولى فيها حقائب وزارية وازنة (العدل والإسكان والطاقة والثقافة ...)، بقيادة أمين عام ذي تاريخ نضالي وحقوقي. وهذه معطيات توقَّع الكثيرون أن يشكل امتزاجها سببا للقطيعة مع لعنة النشأة الأولى للحزب، في رحم السلطة (راجع مقال الكاتب "عن الولادة الثانية للأصالة والمعاصرة المغربي" في "العربي الجديد" 2020/2/13). لكن مجريات الواقع كانت خلاف ذلك تماما، بعدما وجد الحزب نفسه في مفترق الطرق، بسبب أزمة تنظيمية تهدد بانفجاره.

كانت صفوف المعارضة طوال 13 عاما مريحة للحزب، وزاده وجود حزب العدالة والتنمية؛ غريمه التقليدي في الحكومة، أريحية، حيث اكتفى بتوجيه مدفعية النقد تجاه حكومة الإسلاميين، وإنْ تراجع رهان السلطة عليه كثيرا في الولاية الثانية، بعد نجاح زعيم حزب التجمّع الوطني للأحرار، عزيز أخنوش، في مهمة ترويض الإسلاميين؛ بإرغامهم على إبعاد عبد الإله بنكيران من رئاسة الحكومة عام 2016. عكس المشاركة في الحكومة الذي أدخلت الحزب في دوامة من الصراعات، مع الفرقاء في الائتلاف الحكومي من ناحية، وبين التيارات المختلفة؛ ذات الولاء الشخصي/ المناطقي (تيار سوس، تيار مراكش ...)، داخل الحزب من ناحية أخرى.

 "الأصالة والمعاصرة"  الذي أخذ على عاتقه، عند خروجه إلى المشهد السياسي، مهمّة الدفاع عن "المشروع الديمقراطي الحداثي"، بات بلا خطاب سياسي مقنع

رغبة في تجاوز مأزق الانشطار، اهتدى المشاركون في المؤتمر أخيراً إلى تعديل الوثائق السياسية للحزب، قصد اعتماد "قيادة عامة جماعية" ضمن الهياكل التنفيذية، بدل جهاز الأمانة العامة الذي تعاقب عليه ستة أمناء عامين، من دون أن يتجاوز الواحد منهم أربع سنوات في الولاية، فجاءت فكرة الترويكا التي أفرزت قيادة ثلاثية (فاطمة الزهراء المنصوري ومحمد المهدي بنسعيد وصلاح الدين أبو الغالي) لتحافظ على وحدة الحزب؛ بضمان تمثيلية التيارات الوازنة في المجلس الوطني (مراكش والرباط والدار البيضاء). وتقطع بالموازاة مع ذلك الطريق أمام الأمين العام، عبد اللطيف وهبي، في سعيه نحو ولاية ثانية؛ سيما وأن إعلان تخليه عن الترشّح تأخر حتى الكلمة الافتتاحية للمؤتمر.

رفضت قيادة "الجرار" الإقرار بوجود أي أزمة في الحزب، معتبرة أن القيادة الجماعية إبداع جديد في أسلوب الإدارة والتدبير بدل الاستمرار في النمط الكلاسيكي، بانتخاب أمين عام على غرار ما يجري العمل به في الأحزاب السياسية. فيما الحقيقة أن "الترويكا" ليست اختيارا بل خيار فرضته "الصدمة التي عاشها الحزب في الأسابيع الأخيرة"، نتيجة اعتقال قياديين في المكتب السياسي، في ملف "إسكوبار الصحراء"؛ القضية التي أوشكت على تفجير أكثر من جلسة في المؤتمر، بسبب الجدال مع قيادة الحزب بشأن المسؤولية عن اختيار الأعضاء ومنح التزكيات.

تُعد فكرة القيادة الجماعية، في حد ذاتها، أكبر دليل على ما يعيشه حزب الأصالة والمعاصرة من اضطراب وتشظٍّ، فهذا التكتيك السياسي الذي يُسوًّق، من قادة الحزب، باعتباره ابتكارا وتحديثا في العرض السياسي، محاولة لإنقاذ سفينة الحزب من العاصفة التي تهدّدها بالغرق. فهذا الإبداع الجديد أو بتعبير أدقّ البدعة، تُحوّل الحزب إلى شركة ذات مجلس إداري، وتصبح الممارسة السياسية بمقتضاها مجرّد تدبير. فضلا عن تغييب شخصيّة الزعيم السياسي، التي تبقى عُرفا في الممارسة السياسية، فلمسألة الزعامة (القدوة) تأثير كبير على الهيكل التنظيمي للحزب. ليبقى السؤال الأكبر: هل عجز حزب الأصالة والمعاصرة، بعد عقد ونصف من الوجود في الساحة السياسية، عن إنتاج أو حتى استقطاب شخصٍ يمتلك مواصفات قائد سياسي، يتولى قيادة الحزب في هذه الظرفية الحرجة؟

معطيات تجعل طموح قادة "الأصالة والمعاصرة" برئاسة الحكومة المقبلة أمراً صعباً، إن لم يكن مستحيلاً

تتجاوز مشكلة "الأصالة والمعاصرة" الزعامة نحو سؤال شرعية الوجود؛ فالحزب الذي أخذ على عاتقه، عند خروجه إلى المشهد السياسي، مهمّة الدفاع عن "المشروع الديمقراطي الحداثي" الذي تخلت الدولة (السلطوية) بنفسها عن كثير من عناصره، بعد أحداث الربيع العربي عام 2011، بات بلا خطاب سياسي مقنع. ويكفي شعار المؤتمر أخيراً "تجديد الذات الحزبية لضمان الاستمرارية" دليلا على ذلك، فرهان قيادة حزب الجرار اليوم بات محصورا في البحث عن سبل البقاء في مشهد سياسي يفتقر لمعالم الإثارة والإغراء؛ لدى المناضلين والمواطنين على حد سواء.

وزاد تواري حزب العدالة والتنمية عن المشهد السياسي، عقب الهزيمة النكراء التي تعرّض لها في انتخابات عام 2021، في تأزيم وضع حزب الأصالة والمعاصرة الذي كان مشروعه قائما على "محاربة الإسلاميين"، كما صرّح بذلك مؤسّسه فؤاد عالي الهمة في أول خروج إعلامي له. قبل أن يبلغ الأمر ذروته، مع تزايد المتابعات القضائية في حقّ أعضاء حزب؛ كان مجرد الانتماء إليه، امتيازا على المستويين السياسي والاجتماعي، بتهم تتراوح ما بين التزوير وتبديد أموال عمومية والاتجار الدولي في المخدّرات، لتسقط بذلك فكرة رائجة، في أوساط الكائنات الانتخابية (الأعيان)، مفادها "من ركب الجرار فهو آمن"!

معطيات تجعل طموح قادة "الأصالة والمعاصرة" برئاسة الحكومة المقبلة أمرا صعبا، إن لم يكن مستحيلا؛ سيما بعد تفجّر قضية "إسكوبار الصحراء" التي خلطت الأوراق داخل الحزب، الذي احتضن مكتبه السياسي اثنين من المتورّطين فيها، وأساءت لصورة المملكة على الصعيد العالمي. كما أنها تقلّل من رهان السلطة على الحزب مستقبلا، قصد إعادة ترتيب المشهد السياسي في البلد، ما يُنذر بتحوّل حزب الجرار إلى حزب عادي ينضاف إلى قائمة أحزاب المخزن التي أفرزتها سياقات معيّنة.

E5D36E63-7686-438C-8E11-321C2217A9C8
E5D36E63-7686-438C-8E11-321C2217A9C8
محمد طيفوري

كاتب وباحث مغربي في كلية الحقوق في جامعة محمد الخامس في الرباط. عضو مؤسس ومشارك في مراكز بحثية عربية. مؤلف كتاب "عبد الوهاب المسيري وتفكيك الصهيونية" و "أعلام في الذاكرة: ديوان الحرية وإيوان الكرامة". نشر دراسات في مجلات عربية محكمة.

محمد طيفوري