إنقاذ كرسي

إنقاذ كرسي

20 يونيو 2023
+ الخط -

هذا خيال شخص "يُصدّق"، لا شيء لديه، لكنه لا يكفّ عن إدهاشنا. يتحدّث الرئيس عبد الفتاح السيسي، في المؤتمر الوطني للشباب، عن أن وجود الآلاف من سجناء الرأي في السجون المصرية هو عملية "إنقاذ وطني"، ويشير للمرة الـ "لا أعرف كم" إلى حربٍ أهليةٍ كانت على وشك الوقوع، لولا تدخّله، بقوة، لإنقاذ المصريين من التشرّد في بلاد أخرى. فهل كنا، نحن المصريين، حقّا على وشك حربٍ أهليةٍ حتى أنقذنا السيسي؟
في كتابها: "كيف تبدأ الحرب الأهلية" تتحدّث الباحثة باربرا والتر عن الحرب الأهلية .. أسبابها، ومؤشّراتها، وطرق التعامل معها وإيقافها. وتستند الباحثة إلى خبرات دراسة الحرب الأهلية في إفريقيا والشرق الأوسط 30 عاما، ومن هنا تأتي أهمية كتابها. وتقرّ والتر بأن عوامل عدّة تقود إلى الحرب الأهلية، وفق العلوم السياسية، لكنها وجدت، من خلال دراستها، أن عاملين رئيسين هما الأبرز في غالبية النماذج: الأول: ازدياد احتمالات وقوع الحرب الأهلية في فترات التحوّل من النظم السلطوية إلى الديمقراطية، أي حين نمنح المجتمع ديموقراطيةً جزئية، تتمثل في قدرته على التصويت، من دون التحرّر من السلطوية في مؤسّسات المجتمع ونظمه. والثاني: قيام جماعات وتنظيمات سياسية على أساس الهوية، وصعودها وإدارتها الصراع السياسي على أسس دينية أو عرقية أو إثنية. وتفيد الباحثة هنا، وكأنها تنقل عن التجربة المصرية، أن الجماعات التي تبدأ الحرب الأهلية هي التي يعتقد أفرادُها أنهم "أبناء الأرض" والورثة الشرعيون للحكم والسلطة، من دون غيرهم من الدخلاء.
قد يختلف الفرقاء السياسيون في مصر في إجابة السؤال: هل كنّا في 2013 على وشك حرب أهلية؟ لكن أحدًا لا يختلف، في ظنّي، على توفّر المؤشّرين الرئيسين لاشتعالها. من هنا، يمكننا أن نفهم لماذا يصدّق السيسي أنه المنقذ؟ ولولاه لتشرّد المصريون، ولولا شروعه، من دون خوف، في قتل الآلاف وسجنهم، ولو ظلما كما اعترف سابقا، لضاع الوطن، هذه هي الرؤية التي يستند إليها السيسي، والتي تعزّزها دراسات والتر، والتي لا تخلو، نظريا، من وجاهة، إلا أن والتر، وغيرها من الباحثين، لم يتوقفوا عند أسباب الحروب الأهلية، بل تجاوزوا إلى سبل الحلّ، والتي تدلّ إليها النماذج الناجحة، (جنوب إفريقيا مثلا). ويكاد يجمع الباحثون في تواريخ الحروب الأهلية وتجاربها المختلفة أن مرحلة ما بعد الحرب (حال وقوعها)، أو ما بعد استعادة السلطة، وتجاوز مرحلة التأرجح بين السلطوية والديمقراطية الجزئية، أن تعافي المجتمعات، بل والنظم السياسية، مرهونٌ بالحلول الوسط، بالتفاهم، بالمصالحة المجتمعية، وتضميد جراح المجتمع، وإنقاذه من خطر أكبر من الحروب الأهلية، وهو استمرار العداوات والثارات والانقسامات، ولا يتحقّق ذلك، وفق والتر، سوى بتوفر عاملين: الأول: (والأهم): إنصاف الضحايا، والآخر: محاسبة الجناة. فهل فعلها السيسي طوال عقد؟ 
ما يراه كل مراقبٍ "منصف" للشأن المصري، أيًا كان موقعه من السلطة الحاكمة، أن خطاب الحاكم لم يتجاوز يوما الإشارة إلى "أهل الشرّ"، وهي إشارة تشمل كل معارضي النظام، أو خصومه، يستخدمها الرئيس تارّة للإشارة إلى الإخوان المسلمين خصوصا، وأخرى إلى الإسلاميين عموما، وثالثة إلى المعارضين، أيًا كانت توجهاتهم، ورابعة وخامسة وعاشرة، وإلى ما لا نهاية. دائما هناك مصريون أشرار، ضد سياسات الرئيس، وآخرون وطنيون معه، هكذا يتحدّث الرئيس، وهكذا تتحدّث أذرعه الإعلامية مع المصريين، وتشحنهم، ليل نهار، ضد أعداء، يعيشون بينهم، حتى بات الإبلاغ عن جارٍ في البيت، أو زميلٍ في العمل، بوصفه "إخوان" أو "ضد الدولة" أحد وسائل تصفية الحسابات لدى كثيرين، هكذا استمرّت المرارات، وتضاعفت، بل وتولّدت مرارات جديدة، وازداد المجتمع انقساما وكراهية وعنفا، وهكذا تجدّدت شرعية استمرار النظام. لا منجز، بسبب كورونا والحرب الروسية الأوكرانية، لكنني هنا لأحميكم من الأشرار، أنا أو الحرب الأهلية، يجيب ذلك عن سؤال هل كان سجن آلافٍ إنقاذا للوطن أم للكرسي؟ وربما يجيب، أيضا، عن سؤال أهم من سابقيه: من صنع الحرب الأهلية؟