أنا مع سليمان الأسد

16 اغسطس 2015

سليمان الأسد محروساً (إنترنت)

+ الخط -

الثوارُ السوريون، وأهالي الثوار المقيمون في البلاد التي تهطلُ عليها القذائف والبراميل، وتتفقدها طائرات الميج والسوخوي ببضع حُمُولات كلَّ أسبوع؛.. أقاموا الدنيا، ولم يقعدوها، لأن الإعلام خصص مساحة صغيرة للحديث عن العمل البطولي الذي قام به الرفيق سليمان هلال الأسد، حينما أطلق النار على العقيد الركن حسان الشيخ، فأرداه قتيلاً.

في معرض تسويغ غضبهم، قالوا: إن أسلحة جيش النظام الثقيلة تقتلُ، في كل يوم، المزيدَ من المواطنين الأبرياء في مناطقهم، وتهدم البيوت فوق رؤوس أصحابها، وتُجبر الأحياء الباقين على الرحيل إلى الحدود التركية أو اللبنانية أو الأردنية، أو الإقامة في القرى الحدودية التي يقل فيها القصف، مقتنعين بالمثل الشعبي المُسْتَحْدَث (السكن في قرية لا يطالها القصف أحسن من السكن في باريس!).. ومع ذلك، لا يسلط الإعلامُ عليهم ما يستحقون من أضواء، بينما يتابع تفاصيل جريمة قتل عادية وقعت عند إشارة للمرور في اللاذقية.

هذا التفكير، ومع احترامي الشديد للأهالي الذين يتعرضون للإبادة والتشريد؛ لا ينتمي إلى جنس التفكير السديد، فالرجل، أعني الرفيق سليمان الأسد، لم يقتل ذلك الضابط الأرعن من دون أسباب، أو بلا مقدمات، أو، كما يقول أهل إدلب (من الباب للطاقة)، فقد ثبت، بالدليل القاطع، أنه، أي الضابط القتيل، أقدم على تجاوز سيارة الرفيق سليمان، وهذه العملية تسمى في الأعراف الشعبية السورية (الدَوْبَلة)، وهي، لعلمكم، عمل استفزازي بغيض، نادراً ما يمر مرور الكرام، وفي أحيانٍ كثيرة، يروح بمحصلته قتيل.. وهذا ما حدث بالفعل!

لا يجوز النظرُ إلى هذه الحادثة، برأيي المتواضع، على نحو مادي مجرد، وإنما يجب الالتفات إلى قيمتها المعنوية، بدليل حكايتين معبّرتين، أرويهما لحضراتكم الآن.

الأولى: كان عندنا في إدلب سيدة اسمها فلانة، اشتهرتْ بمساعدة الناس وحل مشكلاتهم المستعصية من خلال علاقاتها الوطيدة بالمسؤولين في الحزب والمخابرات. كانت، منذ باكورة صباها، تقدّم للمسؤولين خدمات لا يستطيع غيرُها من النساء تقديم مثلها لهم، ولا سيما أن معظم المسؤولين ينحدرون من طبقات فلاحية محافظة، وزوجةُ الواحد منهم لا تهتم بالريجيم، ولا تجيد انتقاء الملابس، ولا تعرف ماذا يعني الـ ميك أب والـ نيو لوك، وإذا تكلمت تقول (بُعْ جَمَل)، وعلى الدوام تفوح منها روائح الطبيخ!.. وكانت فلانة قد تزوجت رجلاً من عامة الناس، وأنجبت منه ثلاث بناتٍ جميلات، وصبياً وسيماً أسمته فلاناً. شَبَّ فلان، وكبر، وصارت له صداقات مع أبناء المسؤولين، فتوسطوا له عند آبائهم، وأرسلوه في بعثة إلى روسيا، ليدرس الهندسة العسكرية، وما هي إلا خمس سنوات حتى عاد بشهادة أكبر من الشرشف السبعاوي. وعندما اندلعت الثورة أصبح الشغل الشاغل لـ فلان زيارة الحواجز الأمنية المنتشرة حول المدينة، وشرب البيرة والقهوة والمتّة معهم، وتناول سندويتشات كان يُحضرها لهم من المدينة، نوعاً من التحية لنضالهم ودفاعهم عن القائد الكبير، ومحور الممانعة العظيم. وفي ذات سهر، ارتكب أحد المسؤولين عن الحاجز خطأ أدى إلى انفجار قُتل فيه فلان، وعناصر الحاجز كلهم. وقفت أم فلان في صدر مجلس العزاء، وقالت وهي تنظر إلى جثة وحيدها: فداك يا بشار.

الثانية: غضب أقرباءُ العقيد الركن حسان الشيخ، والمتعاطفون معه، والذين يرون أن الـ (دوبلة) لا تستوجب القتل، وخرجوا عن أطوارهم، وذهبوا من توهم إلى أقرب مطبعة، واستنسخوا عشرات الصور للرئيس الأسد وهو مبتسم، وحملوها وخرجوا في مظاهرة احتجاج قوية، رددوا فيها عبارة: بالروح بالدم نفديك يا بشار، وطالبوا بالقبض على سليمان ومحاكمته! أما والدة القتيل فلم تتوجه بخطابها للقائد مباشرة، بل قالت لمحافظ اللاذقية: قل للسيد الرئيس بشار الأسد نحن معه.

وأما أنا، فمن باب النكاية بهؤلاء، أقول للرفيق سليمان الأسد: أنا معك.      

   

 

 

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...