أعداء الأمس حلفاء اليوم في لبنان

أعداء الأمس حلفاء اليوم في لبنان

07 اغسطس 2021
+ الخط -

"يا محلا أيام الوصاية السورية، زعما الطوايف كان في مين يخوفهم ويوقفهم عند حدودهم"... كانت هذه الجملة من بعض ما دوّنه اللبنانيون على صفحات العالم الأزرق في الذكرى الأولى لانفجار مرفأ بيروت 4 أغسطس/ آب، الذكرى التي أكملها قبل يومين مشهد مهول، حيث نزل مئات آلاف اللبنانيين إلى شوارع العاصمة، يحملون صور ضحايا الانفجار الرهيب، مندّدين بالطبقة السياسية التي تسببت به، وتواطأت على طي الحدث، كما لو أنه مجرّد ألعاب نارية، لا انفجار يشبه الزلزال، أعادت تداعياته ذاكرة اللبنانيين إلى مشهد العاصمة إبّان الحرب الأهلية، مع فرق مهم، أن من كانوا أعداء أيام تلك الحرب، وزعماء للمليشيات والطوائف المتصارعة، هم اليوم أنفسهم من يحكمون لبنان ويتحالفون ضد شعبه، بعد أن حوّل فسادهم، على مدى عقود، "لبنان الأخضر" إلى مجرّد ذكرى وأطلال.

ليس اكتشافاً القول إن من ملأوا شوارع بيروت قبل أيام لم يكونوا هناك لمجرّد إحياء الذكرى الأولى للانفجار، بل كانوا في الشوارع إكمالاً، غير مقصودٍ ربما، لانتفاضة 17 تشرين، والتي لم تكتمل للأسف، كحال كل الانتفاضات العربية في العقد الحالي، تلك الانتفاضة التي لا سابقة لها في لبنان الحديث، وجمعت ألدّ الأعداء فترة الحرب الأهلية في شارع واحد ضد المنظومة الحاكمة منذ اتفاق الطائف (أكتوبر/ تشرين الأول 1989) الذي أنهى مظاهر الحرب، ووضع لبنان تحت الوصاية السورية العسكرية والأمنية، لتصبح منظومة الفساد الأمنية والسياسية واحدة في كلا البلدين، وليصبح حافظ الأسد الحاكم الفعلي للبنان وسورية، معيداً وضع لبنان إلى ما كان عليه أيام "الاحتلال العثماني"، جزءاً من سورية الكبرى، لولا أنه لم تعد هناك سورية كبرى، ولولا أن الطبقة السياسية الحاكمة ظلت محتفظة بشعار "عشتم وعاش لبنان حرّاً مستقلاً" كنوع من الديماغوجيا أو البروباغندا عن بلدٍ يعاني من احتلال حقيقي، ليس فقط الوصاية السورية، بل احتلال ذهني، (الزعيم والأتباع والطوائف)، واحتلال مليشياوي مخفي، واحتلال فرنسي ثقافي/ مجتمعي، واحتلال إيراني بمحاولة تجيير فئة كبيرة من اللبنانيين لصالح ولاية الفقيه التي يتحدّث حزب الله عنها بدون مواربة، وهو الدولة الموجودة في قلب الدولة اللبنانية، التي تُرهب باقي اللبنانيين.

قد يكون حدث اغتيال رئيس الوزراء الأسبق، رفيق الحريري، ثم انفجار مرفأ بيروت بعده بـ 15 عاماً، (الحدثان اللبنانيان الأبرزان بعد الحرب الأهلية في التاريخ الحديث)، نتيجة طبيعية للوصاية الأمنية السورية، وللارتباط المافياوي بين الأجهزة الأمنية والعسكرية والسياسية في البلدين، وللإجرام الذي يميّز عقليتي المنظومتين الحاكمتين في سورية ولبنان، فقد بات ذائعاً أن شحنات نيترات الأمونيوم التي فجّرت مرفأ بيروت كانت مخزنة هناك لصالح النظام السوري، وأن ما انفجر جزء صغير من الكمية الأساسية التي ذهبت إلى سورية واستخدمت ضد السوريين، فإذا كان ضحايا الانفجار في لبنان هم ضحايا الخطأ والفساد اللبناني والسوري، فإن ضحايا النترات في سورية هم ضحايا الإجرام المشترك بين البلدين، ضحايا مع سبق الإصرار والمعرفة، ضحايا صمت منظومة الإجرام في العالم كله، ضحايا انعدام العدالة الدولية التي تتغاضى عن معاقبة المسؤولين عن اغتيال الحريري، الذين ارتكبوا جرائم أكثر فظاعة، وهم يدركون، على ما يبدو، أن الكلام عن العدالة الدولية مجرّد إنشاء لا واقع له، وأن المحكمة الدولية مجرّد مقر وموظفين يمنحون الشرعية للنظام العالمي الفاشل والفاسد.

لم يملأ اللبنانيون شوارع العاصمة، الأربعاء الماضي، إحياء لذكرى الانفجار فقط، كانت الذكرى مجرّد يوم لاحتلال الشارع، والتعبير عن الغضب والقهر العام، حيث يعيش اللبنانيون، منذ عام، في وضعٍ معيشيٍّ لا يختلف عن وضع السوريين داخل سورية، فقدان تام لمواد العيش الأولية، انهيار اقتصادي كامل، لا كهرباء لا ماء لا محروقات لا دواء، لا شيء، سوى غلاء فاحش وقهر يكاد يودي بالشعب، وتحالف نذل بين زعماء الطبقة الحاكمة تجلى في توقيع عريضةٍ تمنع رفع الحصانة عن المسؤولين والنواب لمحاولة كشف حقيقة الانفجار ومحاكمة المسؤولين، (الحقيقة) التي لم ينه المطالبة بكشفها سوى الخوف من خسارة الحصة من الكعكة اللبنانية التي يهبش منها أعداء الأمس/ حلفاء اليوم، من دون أن يكبح شهوتهم للنهش أحد.

BF005AFF-4225-4575-9176-194535668DAC
رشا عمران

شاعرة وكاتبة سورية، أصدرت 5 مجموعات شعرية ومجموعة مترجمة إلى اللغة السويدية، وأصدرت أنطولوجيا الشعر السوري من 1980 إلى عام 2008. تكتب مقالات رأي في الصحافة العربية.