آل مبارك وأشجار قصر الاتحادية

آل مبارك وأشجار قصر الاتحادية

26 مايو 2022

حسني مبارك بين جمال (يسار) وعلاء مبارك (يمين) في محكمة في القاهرة (26/12/2018/فرانس برس)

+ الخط -

بالطبع، يصعب على أولاد حسني مبارك نسيان ظلال أشجار قصر الاتحادية بعد عِشرة عمر طويل امتدت ثلاثين سنة، أشجار وارفة صاحبتهما ثلاثون سنة، من أيام المراهقة حتى قيام ثورة يناير، ظلال أشجار وارفة مع ازدياد أرصدتهما في بنوك الخارج من خلال "فلوس الجدّ والجدّة بالطبع في الأعياد وأعياد عيد الميلاد والطهور". كيف يتحمل شابٌّ نسيان أشجار قصرٍ عاش فيه مراهقا، حتى وجد ثروة طائلة من خلال "هدايا الجدّ والجدّة". وبالطبع، للهدايا في بنوك الغرب حسنات، وتضاعف الحسنات في البنوك حتى عشرات الأضعاف. وفي روايةٍ بنكيّةٍ أخرى، إلى ألف ضعف ومليون ضعف أيضاً، ويضاعف الله لمن يشاء في بنك حسناته ومدّخراته، فكيف ينسى آل مبارك بركات كلّ هذه الحسنات التي جرت في بنوك الغرب من هدايا الجدّين حتى صارت ملياراتٍ يشار إليها بالبنان في بنوك سويسرا، ولا تثير أي خجلٍ للحفيدين؟

مرّة يمسك جمال بالمصحف في المحاكمات، وعلاء معه المصحف أيضاً، حتى يخرجا بالسلامة، وتظهر الكاميرا في يد جمال بالشيء الفلاني على نجيل الأوبرا المصرية، وبعدها يلعب علاء الطاولة في إمبابة، ويتّضح من خلال شهادة الموسيقار، هاني مهنا، أنه كان يلعب الرياضات، مرتفعة التكلفة والتجهيزات، مع علاء وجمال في السجن. واضحٌ جدّا أن السجون المصرية انتقلت، في خلال فترة جمال وعلاء، إلى سجون حضارية جدا، فكيف يعيش سكّان الاتحادية ثلاثين سنة في سجن ببولاق الدكرور أو إمبابة. ممكن أن يلعب علاء الطاولة في مقهى بامبابة فقط على سبيل كسر المألوف، وأن يتذوق ابن الاتحادية الكشري مثلا. واضح أن مباراة الاتحادية ما بين الخصوم ما زلت مشتعلة، مع أن القصور عددها تعدّى الثلاثين في مصر الفقيرة جدا، وما زالت يبنى المزيد منها في مطروح.

ما زالت أفلام علاء وجمال صالحةً لإثارة الدهشة والتأويل والتحليل، فما الذي دفع جمال إلى هذه الخطبة العصماء من الإمارات؟ وهل بدأ أبناء زايد في اللعب؟ وهل جمال هو الواجهة المدنية القادمة للعسكر، بعدما حصّنوا مكتسباتهم تماما، وهل سيكون قصر الاتحادية من بين التركات التي لن تذهب خمسين سنة مقبلة إلا إلى ذرّية مبارك، وستكون القصور المحصّنة في مطروح والثغور والحدود الوعرة بجوار الرافال والطاقة النووية وغيرها على الحدود الليبية من نصيب العسكر وحدهم وأولادهم وأحفادهم، وخصوصا أولاد عبد الفتاح السيسي وأحفاده؟

نحن أمام لعبة "تقسيم منافع" جديدة، قابلة لكل تأويل ما بين آل مبارك وآل السيسي، فآل السيسي لهم الثغور والرافال والحدود والمخابرات، وآل مبارك لهم الاتحادية والبنوك ومظلات سويسرا والأرقام. وهل هناك توافق في ذلك مع أبناء زايد، وخصوصا أن وصلات المديح العذري وغير العذري للخليج قد باتت، خلال الأسبوعين الماضيين، شبه أغنية ولحنا ثابتا على لساني رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء "صوتا وصورة"، فماذا يعدّ في الخليج لتلك الصفقة؟ وهل هي مجرّد فتح مائدة كلام وتأويل في هذه الأيام التي باتت فيها الحرب الأوكرانية خرّابة أنظمة وبنوك وبيوت أيضا، وهل لذلك كله علاقة "بالحوار الوطني المطروح". نحن أمام بالونات اختبار مطروحة، وما زال وجه مبارك وحاشيته من أصحاب الأموال يمثلون حقيقة ملموسة على الطاولة وتحتها أيضاً.

الغريب لي أن عبد الحليم قنديل، الناصري حتي آخر عرق، وعدو مبارك وآل مبارك حتى آخر نبض في عروقه، في حالة غياب تماما عن ذلك الحوار، في الفطور الرمضاني وما بعده؟ رغم حضور كل أطياف الناصرية في كلّ المؤسسات الصحافية، بعدما صاروا "خبراء سيساوية في الشأن السيساسي الجديد، ورؤساء تحرير يُشار لهم بالبنان في الشأن السيساوي"، ابتداء من أكرم القصاص في "اليوم السابع" حتى عماد الدين حسين في صحيفة الشروق ومجلس الشورى، وليس انتهاء بمحمود مسلم في "الشورى" و"الوطن" ورئيسا للجنة الإعلام في الشورى "زهد مدهش ولا وجود فيه لمثل تكويش الإخوان أبدا"، ولا حرم الله عبد الحليم قنديل، الناصري إلى النخاع، من أي ألوان طيفٍ للصفقة، فلماذا جرى إبعاد عبد الحليم قنديل عن سجن هاني مهنّا، وهل كان عبد الحليم سيلعب الطاولة أو الإسكواش مع علاء مبارك أو جمال أو هاني مهنّا مثلاً؟

نحن أمام أسئلة وغيابات ومائدة للحوار، لا أحد يعرف من سيحاور من، ولا حتى عبد الحليم قنديل نفسه، فهل سيخرُج عبد الحليم قنديل، كي يردّ على خطبة جمال مبارك من جبال الإمارات؟ أم سوف يكتفي عبد الحليم قنديل بذكر أغنيته المفضلة "رأسمالية المحاسيب"، وخصوصا بعد ما اقترب الجمل من النخلة، وقد يطلبها بمطلع عبد الحليم قنديل نفسه، سواء أحضر أم غاب عن المشهد، واكتفي بكتابة مذكّراته عن آلام السجن.

720CD981-79E7-4B4F-BF12-57B05DEFBBB6
عبد الحكيم حيدر

كاتب وروائي مصري