أغنيات لمصر:حبّ حقيقي أو سباق على كعكة الجمهور والمال؟

أغنيات لمصر:حبّ حقيقي أو سباق على كعكة الجمهور والمال؟

02 مارس 2015
من فيديو كليب "المصري مان" (عن اليوتيوب)
+ الخط -

شهدت الأشهر الأخيرة موجة من الأغنيات المصرية الهوى، التي تمجّد مصر وتبالغ في محبّتها وفي حبّ "شعبها" و"رجالها" و"نيلها" وحاراتها الشعبية. لم يترك المغنون باباً إلا وطرقوه ليقولوا لمائة مليون مصري إنّهم هم، وليس غيرهم، من يجب أن يستمع إليهم ويحبّهم.

هذه المحبّة "الفائضة" لمصر "صادف" أنّها انتشرت بعد تأكّد الفنانين، ومديري أعمالهم، من أنّ مصر مقبلة على فترة استقرار أمني واقتصادي نسبيّ، بعد نحو خمس سنوات من الاحتجاجات الثورية والانقلابات، ما عطّل الإنتاج السينمائي والفني الغنائي بشكل شبه تام.

وإذ كانت تأشيرة الدخول إلى قلوب المصريين أغنيات الدلع والإبهار، من الذكور والإناث، قبل الثورة، فإنّ هذه التأشيرة بعد الثورة باتت مرتبطة بالسياسة، أو قل بـ"الهوية المصرية". وبات لمن يريد "قلوب المصريين" أن يضرب على "وترهم الحسّاس" الجديد.

هكذا فاضت المحبّة، بدءا من أغنية "بشرة خير"، للفنان الإماراتي حسين الجسمي في مايو/أيّار 2014، التي دعت المصريين إلى المشاركة بكثافة في الانتخابات الرئاسية، وكانت دعما للرئيس عبد الفتاح السيسي. وهي من ألحان عمرو مصطفى (تبيّن لاحقاً أنّ لحنها هنديّ ومسروق)، ومن كلمات أيمن بهجت قمر، يقول مطلعها: "قوم نادي ع الصعيدي وابن أخوك البورسعيدي والشباب الاسكندراني اللمة دي لمّة رجال، وأنا هاجي مع السوهاجي والقناوي والسيناوي، والمحلاوي اللي ميه ميه والنوبة الجُمال، ماتوصيش السوايسة الدنيا هايصة كده كده، والاسماعلاوية ياما كادوا العدا، كلمني ع الشراقوه وتحنا ويّا بعض أقوى وإحنا ويا بعض أقوى وأملنا كبير...". وتكمل في تعداد المناطق المصرية ذات الكثافة السكانية التي كانت تدعوها إلى المشاركة في الانتخابات.

لحقت بالموضة فوراً الفنانة اللبنانية ديانا حداد التي غنّت "حبيبي مصري" في أكتوبر/تشرين الأول 2014، وأهدتها بالطبع إلى الشعب المصري كي تكون "أغنية العودة Come Back" إلى الشارع المصري بعد غيابها عنه. كتبها الشاعر مصطفى مرسي، ولحّنها أشرف سالم، ويقول مطلعها: "اللي بحبه أصلي وشاغلني ياني، اللي بحبه أصلي، عارف نفسه أصلي وتعابني، أيواه حبيبي مصري، شقي وحلانجي ومكلمانجي وغالي عندي، آه والله عندي ومعاكس وكتير مشاكس ورغم ده كله أنا حبّاه، يا مصري بحبك لله في لله".

لكن هل فعلا هو حبّ "لله بالله"؟ كما تقول أغنية ديانا حدّاد؟

هذا ما يمتلىء بالشكّ من كثرة الأغنيات التي جهدت في تبرير لماذا حبّ "المصري"، رجلاً أو شعباً أو وطناً، يختلف عن حبّ غيره من الرجال أو الجنسيات الأخرى، من دون كثير نجاح في إقناع المستمع والمشاهد.


لم تتأخّر الفنانة اللبنانية نانسي عجرم عن هذا السباق المحموم، فأطلقت في بداية يناير/كانون الثاني من العام الجاري، أغنية "المصري مان"، التي تسوق الغزل المبالغ به في "المصري". و"المصري مان" ترجمتها: "الرجل المصري".

لم تكن تلك المرّة الأولى التي تُغني عجرم لمصر فسبق أن أطلقت في عام 2006 أغنية "لو سألتك إنت مصري تقول لي إيه؟"، خلال تنظيم القاهرة بطولة كأس الأمم الأفريقية لكرة القدم، ثم قدّمت في عام 2013 أغنية أخرى خلال احتفالات البلاد بنصر أكتوبر 1973، تحت عنوان: "خدوا بالكو دي مصر"، من كلمات الشاعر جمال بخيت.

الأغنية الجديدة كتب كلماتها الشاعر أيمن بهجت قمر، ولحّنها عمرو مصطفى، ويقول مطلعها: "المصري مان ولا أي مان (الترجمة: المصري رجل ولا أيّ رجل)، جدع ودمه خفيف كمان، سبع تلاف سنة ده مش موضوع يمرّ، تثبيت بحرفنة ووقت الجد مرّ، لو تسألوني أنا هقول المصري حرّ".

غزل يبدو مجّانياً وبلا مناسبة. يلتقط كليشيهات معروفة لطلاب صفوف الروضة في مصر والعالم العربي، عن حضارة سبعة آلاف سنة وخفّة الدم المصري المعروفة. والهدف هو التقاط نبض الشارع المصري للفوز بانتباهه وإعجابه، طمعا بالمردود الكبير الذي تؤمّنه السوق المصرية على الصعد كلّها.

وقبل أيّام قليلة أطلق أوبريت "مصر قريبة" في إطار حملة ترويجية وتسويقية لزيادة السياحة العربية في مصر، الخليجية تحديداً، ولجعل صورة "الخليجي" محبوبة في الشارع المصري، عبر فنانين خليجيين يغنّون لحبّ مصر، مع فنانين مصريين يغنّون لحبّ الخليج وممثلين يساندونهم، أبرزهم محمد منير وأنغام وبندر سعد وفايز السعيد وبلقيس ونوال الكويتية وعزّت أبو عوف وغيرهم الكثير الكثير.


الأوبريت من كلمات نصر الدين ناجي ومن ألحان وتوزيع أحمد فرحات. وتقول كلماته: "في مصر الحضن اللي عاش، يكسر بيننا الحدود، مصير الغايب يعود، وتلمس إيده الحيطان، مصر قريبة وأوام، يدوب جواها الغريب، ما بالك وانت القريب أخويا وصاحبي، وانت ماشي في مصر شايف الف ضحكة بتناديك، وانت ماشي في مصر عارف انها فرحانة بيك، قولي فين الغربة وانت وسط أهلك مش بعيد، دا الفرح لو زار ديارك يلقى جوا ديارنا عيد، يلقى ساعة الشدة إيد".

هو موسم حبّ مصر. مصر التي نعرف أنّها السوق الأكبر في الشرق الأوسط والعالم العربي، بمائة مليون مستهلك، بأعراسهم والحفلات التي يحضرونها والأفلام التي يشاهدونها والأغنيات التي يستمعون إليها والأقراص المدمجة التي يشترونها والبرامج التي يشاهدونها والإعلانات التي تؤثّر فيهم والمهرجانات التي يتعلّقون بها...

وبالتالي من يفوز بقلوب المصريين يفوز بأموال كثيرة وشهرة مديدة، خصوصا أنّ دولا عربية كثيرة وكبيرة مالت صوب الإسلام السياسي، والجانب الفني فيها بات ضعيفاً أو متراجعاً.
هو موسم حبّ "الكعكة المصرية"، وليس المصريين أو مصر، بالتأكيد.

المساهمون