مجاذيب شكسبير: يوسف شاهين وكوراساوا وآخرون

22 ديسمبر 2015
يوسف شاهين (فيسبوك)
+ الخط -
منذ عدة عقود لم تقتبس هوليوود مسرحية "ماكبث" في فيلم جديد بميزانية عالية، قبل أن يقرر المخرج، جاستين كارزل، خوض تجربة استحضار وليام شكسبير على شاشة السينما، موفراً لعمله كل عناصر النجاح، خصوصاً في جمعه لإثنين من أفضل ممثلي العالم حالياً مايكل فاسبندر وماريون كوتيارد للقيام بدور السيد والسيدة "ماكبث"، ولكنه مع ذلك؛ وبسبب تشتت رؤيته الإخراجية في الأساس، قدم أحد أضعف اقتباسات المسرحية. نعود إلى الفليم في المقال أدناه، لكن هنا استعادة لأبرز 4 مخرجين استلهموا أعمالهم من شكسبير.

قد يكون وليام شكسبير هو من أهم كتاب المسرح في تاريخ الأدب العالمي. أعماله، وتحديداً مآسيه الأربع الأهم عن "هاملت" و"ماكبث"، و"عطيل"، والملك لير"، أثرت لاحقاً في كل الفنون الأخرى، ومع ظهور فن حديث مثل السينما في مطلع القرن العشرين، فإن الأمر تجاوز أحياناً مرحلة التأثر وأصبح لـ"شكسبير" مجاذيب من المخرجين الذين يستلهمون عالمه وأدبه ومسرحياته بشكل متكرر في أعمالهم، سواء كاقتباسات مباشرة أو بتأثير واضح.


إقرأ أيضاً: عرض لإحدى مسرحيات شكسبير يتصدّر شباك التذاكر في بريطانيا


يوسف شاهين
هاملت الذي ظل معه حتى النهاية

مثلما كان "هاملت" ملاحقا بشبح والده الذي يظهر له في بداية المسرحية، فإن المخرج المصري يوسف شاهين نفسه كان ملاحقا بشبح "هاملت"، منذ تجسيده للدور على المسرح أثناء دارسته للسينما في الولايات المتحدة الأميركية، وصولاً إلى آخر يوم في حياته.
حلم "شاهين" الحقيقي الذي لم يتحقق هو فيلم بعنوان "هاملت الإسكندراني"، أفرغ له مساحة كبرى للحديث عنه في فيلمه "إسكندرية كمان وكمان". خلاف إظهار ولعه بشكسبير في أفلام سيرته الذاتية الأخرى: في "إسكندرية ليه" يمثل "يحيى" ــ شخصية "شاهين" السينمائية ــ مشهد الأم أمام زملائه في الفصل. وفي "حدوتة مصرية" يتحدث بمونولوغ "هاملت" عن الموت، وفي "إسكندرية نيويورك" ينقل مرحلة إعداده للمسرحية أثناء دراسته.


وخلاف الاقتباس أو التأثر المباشر بلحظات شكسبيرية، فإن روح "هاملت" حاضرة في أغلب أفلامه، وبطريقة غير مباشرة، مثل (شبح الأب) في أول أفلامه "بابا أمين"، أو علاقة رؤوف بطل فيلم "العصفور" بأمه وزوجها، أو النموذج النسائي الإيجابي المتكرر في محاكاة لأوفيليا، عوضاً عن جمل عابرة كثيرة في أفلام "الاختيار" أو "عودة الابن الضال" شديدة التأثر بمأساة الأمير هاملت.

لورانس أوليفييه
لسان شكسبيري

"لورانس أوليفييه يمكنه الحديث بجمل شكسبير كأنه فكر فيها للتو أثناء الحديث معك" ــ الكاتب تشارلز بينيت.
الممثل والمخرج لورانس أوليفييه، الذي حصل على لقب "سير" في وقت لاحق بسبب قيمته، يعتبر واحدا من أهم (مجاذيب) ومحبي شكسبير السينمائيين، جسد شخصياته على المسرح لمرحلة كبيرة من حياته، ومع سطوع نجمه السينمائي، قرر التحول للإخراج فقط من أجل اقتباس شكسبير في السينما، فأخرج "هنري الخامس" عام 1944، و"ريتشارد الثالث" عام 1955، وبينهما جاء عمله الأهم "هاملت" 1948 كواحد من أخلص وأعظم اقتباسات السينما لهذا النص المسرحي.
لاحقاً، وفي عام 1965، شارك كممثل فقط في فيلم "عطيل"، وتقديراً لشكسبير –"ملهمه الأول والأخير" كما كان يقول- شارك بصوته فقط في فيلم "روميو وجولييت" عام 1968.


أكيرا كوراساوا
زراعة شكسبير في أرض آسيوية

ضمن جوانب كثيرة من قيمة "أكيرا كوراساوا" كمخرج عظيم كانت قدرته على تقديم الإرث والثقافة اليابانية في أفلام يحبها الناس، وفي هذا السياق فإن تجربة اقتباساته لمسرحيات "شكسبير" هي أمر هام فعلاً. "كوراساوا" اقتبس "شكسبير" 3 مرات، أولها في Throne of Blood عن مسرحية "ماكبث" عام 1957، ثم The Bad Sleep Well عن مسرحية "هاملت" عام 1960، وأخيراً هناك Ran عن مسرحية "الملك لير" عام 1985.. حيث كشف "كوراساوا" عن كل ما يعرفه ويخافه من الشيخوخة داخل فيلم. ومشاهدة الأعمال الثلاثة هي تتبع لدمج فريد بين لغة وثقافات وأزمنة ووسائط مختلفة من "شكسبير" إلى "كوراساوا".. والنتاج كان رائعاً في كل مرة.


كينيث براناه
المجذوب الأخير

في العقود الأخيرة لم يعد هناك "مجاذيب" بمعنى الكلمة، ربما تغيّر الزمن، أو اختلفت وتعددت الإلهامات، والجذور الثقافية –في عصور مفتوحة أكثر منذ الستينيات- أصبحت أكثر اتساعاً.
لذلك، يمكن اعتبار المخرج والممثل البريطاني كينيث براناه هو "المجذوب الأخير"، الرجل الذي يتنفس وليام شكسبير، وأكبر محب له في السينما البريطانية منذ "لورانس أوليفييه"، بل وبتشابهات كثيرة بينهما."براناه" بدأ ممثلاً مثل "أوليفييه"، ومثله أيضاً اتجه للإخراج من أجل اقتباس "شكسبير"، وهو –في مصادفة ثالثة متطابقة- اقتبس "هنري الخامس" كأول فيلم يخرجه عام 1989.

لاحقاً قدم "براناه" اقتباساً عن مسرحية Much Ado About Nothing عام 1993، قبل أن يحقق حلمه عام 1996 ويخرج ملحمة مكتملة وخالصة في 4 ساعات كاملة عن "هاملت"، كأطول نسخة عن النص الشكسبيري، وأكثرهم إخلاصاً، وبالنسبة لكثيرين هو العمل الأجمل أيضاً. لم يقتبس "براناه" بعد ذلك شيئاً لشكسبير بشكل مباشر، وإن ظل يؤثر في أعماله دائماً، لأنه هو نفسه ظل مجذوباً.

إقرأ أيضاً: في عيدها: ماجدة الرومي.. نجمة بمقاييس الزمن الجميل
المساهمون