رسوم الغرافيتي من الشارع إلى جدران بيتي

رسوم الغرافيتي من الشارع إلى جدران بيتي

05 نوفمبر 2014
تلوين على الجدران (Getty)
+ الخط -
لقد بدأتْ ابنتي (غزل يافا) تتحكّم بالفضاء من حولها، بعدما اختارتها مدرّستها التونسية. راحت غزل تلوّن، ومن خلال التلوين تضيف إلى الفضاء حياة جديدة. يلفظ التوانسة حرف الضاد بصوت محبّب ما بين الظاء والذال. غزل تتابع التلوين، وأنا أستلذّ لفظ كلمة الفضاء حسب الطريقة التونسية العذبة. لقد مرّت سنون طويلة كدتُ أنسى فيها شؤون وشجون رياض الأطفال. يبلغ الفارق بين عمرَي حازم وغزل يافا 16 سنة، وبين الأخيرة وفرح 11 سنة. لكن "المشكلة"، التي طرأت الآن، هي أنّ جدران بيتي الجديد أيضاً تحولت إلى فضاء تتحكم فيه غزل بالألوان.
بيت مدهون باللون الأبيض، وكان ممكناً أن يظل أبيض، بواحدة من درجات الأبيض، التي بلا حدود، والتي تتحول بفعل عوامل التعرية والاحتكاك ومرور الزمان، وما يتوقع أن يحدث من دون موعد مسبق، كأن تلاحق صرصاراً فيهرب إلى الأبد، بينما تبقى طبعات الشبشب ماثلة على الجدار الأبيض، تذكّرني وتلفت زوّار البيت إلى قلة الحيلة وغباء الروح.
أخيراً اقتحمَت غزل يافا المشهد: خرابيش على مدخل البيت، وخرابيش أخرى في الصالون، وغيرها في غرفة حازم التي تحتلها، لأن شقيقها يكمل دراسته في (بلاد برّة)، وأخيراً على منحوتة فخارية جلبتُها معي من نيكاراغوا.

تقريباً لم تترك غزل شيئاً إلا ولونته، غير أنني لا أصرخ ولا أحتجّ. أما زوجتي فتبدو صارمة، وهي تلقي التعليمات على غزل: هذه آخر مرة تخربشين فيها على الحيطان وإلا.
قلت: دعينا نتفاهم معها، ونوجد لها فضاءات للرسم، خصوصاً أنّ غزل لا تكتفي بالحيطان، بل تلوّن ذراعها أيضاً، ثمّ تأتي إليّ مسرعة فرحة كي أبدي رأيي في ما رسمَته. فكرتُ، ربما ترسم أحلامها أو مخاوفها أم ملكياتها الصغيرة.. لأنني أعتقد أنّ من يرسم شيئاً يمتلكه. ربما تحتجّ غزل، مثلما يحتج الشباب، فيرسمون على فضاءات ظلت تحت سيطرة الدولة وحدها، ويعجبنا "انتهاكهم" وجرأتهم على اقتحام الحيّز العام.
قلت: هذا غرافيتي حلو. صاحت فرح: هذا قرف يأتي مش غرافيتي. وأشارت إلى أنّ غزل قليلة تربية، وأنني المسؤول عن ذلك.

المساهمون

The website encountered an unexpected error. Please try again later.