الأردن: قضية الجفر تلهب الشارع ضد أميركا

الأردن: قضية الجفر تلهب الشارع ضد أميركا

19 يونيو 2017
+ الخط -

ليس غريبًا، أن تعمد السلطات الأردنية في "تسريب" مجريات محاكمة الجندي الأردني، معارك أبو تايه، المتهم بقتل ثلاثة عسكريين أميركيين، في حادثة الجفر الشهيرة، بهدوء ومن دون جلبة، في ظل صمت الشارع بالتعاطي مع هذه القضية، التي أشعلت الأردنيين قبل نحو سبعة أشهر.

مراقبون وخبراء، بينوا لـ"جيل"، أن ذلك عائد لحساسية القضية من ناحية، ومن ناحية أخرى، يبدو أن المحكمة العسكرية، المختصة بمحاكمة الجندي أبو تايه، تعمل على إنتاج رواية جديدة كليًا، وتسوقها للإعلام بشكل هادئ، تفند الرواية القديمة المتداولة عما حصل، أمام بوابة قاعدة الملك فيصل العسكرية في الجفر (جنوبي الأردن).

تتحدث رواية المحكمة العسكرية الجديدة، عن "إطلاق نار كان خارج القاعدة الجوية العسكرية في الجفر، لم يستطع الجندي تحديد مصدره، خلال قيامه بوظيفته الرسمية على الباب الرئيس للقاعدة الجوية، بالاشتراك مع عدد من زملائه، حيث تزامن ذلك مع دخول عدد من المركبات التابعة للقوات الأميركية الصديقة الملحقة بالقاعدة الجوية، حينها وقع إطلاق نار من قبل الجندي، ما أدى إلى وفاة ثلاثة عسكريين أميركيين"، وذلك وفق ما صرحت به النيابة العسكرية لوكالة الأنباء الأردنية الرسمية (بترا).

وهذا يعني بالضرورة، أن "الرواية الحديثة، مكنت المحكمة من إسناد تهمة (القتل القصد)، وبالتالي، عدم الاقتراب من تهمة (الإرهاب)، التي حاولت بعض الأطراف إلصاقها بالرقيب أبو تايه، حين زعمت وجود كتاب أذكار دينية داخل جيب الجندي، ما يعطي دليلًا دامغًا في حينه، تورطه بالإرهاب"، بحسب عدد من الخبراء والمتابعين.

وكانت الرواية القديمة تتحدث عن أن إطلاق النار من قبل الجندي الأردني، أمام بوابة قاعدة الملك فيصل العسكرية في الجفر، وتحديدًا صبيحة الجمعة، 04 نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، نجم عن "عدم الامتثال لأوامر الدخول للقاعدة من قبل حراسها، حين همت مركبة عسكرية، تأخرت عن اللحاق بموكب سابق لها دخل القاعدة الجوية، كانت تقل مدربين أميركيين بالدخول، إلا أن الحارس العسكري على البوابة، وأمام تقدم المركبة الأخيرة بسرعة، ورفضها التوقف للتفتيش، بادر بإطلاق النار، ليرد عليه من في المركبة بالمثل، ما أسفر عن مقتل المدربين الأميركيين، وإصابة العسكري الأردني، فيما أصيب مطلق النار برصاصة في رقبته".

وما كان لافتًا للأنظار وللمراقبين في حينه، هو تجمع أبناء العشائر في المنطقة المحيطة بالمعسكر بأسلحتهم، ظناً منهم، أن العملية ذات طابع إرهابي، وتخللها هجوم منظم، وهو ما لا توجد أي قرينة عليه حسب البيان الرسمي الأردني، الذي تم تداوله عقب الحادث.

هذا الحادث، أعاد إلى الأذهان مشهد إطلاق نار مماثل، شهده معسكر للتدريب المهني، نهار الـ09 من نوفمبر 2015، وفي منطقة الموقر الأردنية، عندما أطلق عسكري أردني النار على مدربين أجانب، فقتل ثلاثة منهم ومترجمين أردنيين اثنين، قبل أن يقتل برصاص الحرس، فيما كشفت التحقيقات في تلك العملية، أن منفذ الهجوم متأثر بالفكر الإرهابي، واتباع أسلوب "الذئاب المنفردة" في تنفيذ عمليته.

في سياق آخر، تحدثت معلومات، حصل عليها "جيل"، من مصادر شبه رسمية، أن "إطلاق نار كثيف حصل في الميدان قرب القاعدة، خلال البرنامج التدريبي السري، الذي كانت تنفذه المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) في الجفر"، نافية هذه المصادر، التي رفضت الإفصاح عن هويتها، "وجود أي طرف أردني، سواء من الجنود أو المدربين مع بدء إطلاق النار".

"أثناء البرنامج التدريبي، والذي يساهم فيه الأردن بشكل أو بآخر، لم يكن موجهاً للعناصر الأردنية، بل كان يستهدف جنسيات عربية أخرى، من ضمنها السورية، قاد عدد من هذه العناصر تمرداً في الميدان ضد المدربين الأميركيين، ليقرر الجنود الأردنيون حماية الذخائر والأسلحة، من خلال التطبيق الصارم لكل قواعد الاشتباك".

فكانت الحصيلة، 7 قتلى، وليس 3 فقط، إلا أن 4 الآخرين كانوا من جنسية عربية أخرى (سورية على الأرجح)، إلى جانب الشاب أبو تايه، الذي اختلفت الروايات بكونه تلقّى رصاصة أو 3 رصاصات، بحسب هذه المصادر.

من جانبها، بدأت عشيرة الجندي، معارك أبو تايه، حملة ضد محاكمة ابنهم بتهمة "القتل القصد"، مشددة، على أن "الجندي في القوات المسلحة الباسلة، أدى واجبه الوطني ولم يخالف أوامر الجيش العربي الباسل".

كما هاجمت العشيرة، ومن خلال بيان تلقى "جيل" نسخة منه، "محاولة مسؤولين أردنيين وأميركيين، في اتهام الشاب، وفي محاولة قتله"، مشددة على توجيه رسالة، إلى من وصفتهم بـ"مجموعه من الفاسدين"، الذين، ووفق البيان، "يتربصون بهذه القضية من أجل حفنه من الدولارات، يتقاسمونها بينهم وبين مجموعات خارجية، متناسين سمعة الوطن وجيشنا العربي الباسل لإرضاء مطامعهم".

الجدير ذكره، أن الأردن عمل على تغيير قواعد الاشتباك، حيث ينتقل أداؤه من ردود الفعل إلى المبادرة الاستباقية، بعد استهداف نقطة عسكرية عند منفذ "الركبان" المخصص لعبور اللاجئين السوريين، وأن الإجراءات الجديدة لقواعد الاشتباك، تتعامل مع أي تهديد قبل وصوله، أي أنه بات يتم التعامل مع أي تحركات للآليات والأفراد، دون تنسيق مسبق، باعتبارها أهدافاً معادية، وسيتم تدميرها فوراً، وفق ما يبينه لـ"جيل"، المحلل العسكري والاستراتيجي جلال العبادي.

ويوضح العبادي، أن "كل الجيوش تتوافق على حق استعمال الجندي القوة للدفاع عن النفس في حالة التعرض للخطر، بغض النظر عن اختلاف التقديرات لماهية الخطر الموجب لاستعمال القوة من جندي لآخر".

بموازاة ذلك، سادت أجواء من الغضب في الشارع الأردني، خاصة على منصات التواصل الاجتماعي، ضد مجريات محاكمة الجندي أبو تايه، واصفة ما يحدث بأنه "إهانة للجندي الأردني، الذي لم يفعل شيئاً، سوى تأدية واجبه فقط".

حتى أن مظاهر العداء للولايات المتحدة الأميركية في الشارع الأردني، بدت واضحة من خلال كم كبير من المنشورات، التي علقت وتعلق على مجريات محاكمة أبو تايه، على الرغم، من أن بعضهم يحاول ترويج "تراجع هذا العداء بشكل كبير في السنوات الأخيرة، في حين ازداد فيه دعم الولايات المتحدة للأردن، في الوقت الذي تخلى عنه كثير من الأشقاء والأصدقاء".

وتتقاطع هذه المشاعر المعادية عند الأردنيين للأميركيين، ليس فقط على خلفية محاكمة الجندي أبو تايه، وما رافقها من اتهام رجال الـ((CIA)، بمحاولة إلصاق تهمة "الإرهاب" بالجندي، بل يشعر الجمهور الأردني الآن، أن الإدارة الأميركية الجديدة بقيادة ترامب، تحاول الضغط على الأردن، وتوريطه أكثر، في الصراع السوري، بحجة مقاتلة الجماعات الإرهابية.

وهذا الموضوع، "يثير حساسية ملتهبة في أوصال جميع الأردنيين، وهم قلقون من مشاريع لها علاقة بالقضية الفلسطينية، وأخرى من الزج بهم في معادلات داخل سورية والعراق، تحت يافطة "محاربة الإرهاب"، وفق الكاتب بسام بدارين.

عمومًا، الجندي معارك أبو تايه، نفى، وخلال جلسة علنية أمام المحكمة العسكرية المختصة بالمحاكمة، الأربعاء 14 يونيو/حزيران، تهمة "القتل القصد" الواقع على أكثر من شخص، والإساءة لكرامة وسمعة القوات المسلحة الأردنية، ومخالفة الأوامر والتعليمات العسكرية، كما وأجاب الجندي المتهم، في رده على سؤال المحكمة، عما إذا كان مذنباً أم لا، بأنه "غير مذنب".


 

المساهمون