المغرب: المُغتصَبة بين الانتحار والوصم الاجتماعي

12 يناير 2017
(Getty)
+ الخط -

في مجتمعات ذكورية بامتياز، يكون الاغتصاب قدرًا للمرأة أحيانًا، فحتّى لو ركضت حتى آخر الأرض سيجدها، كوحش خارق يتعقّب رائحة ضحيّته. هكذا كانت قصّة حسناء الشابة المغربية البالغة 18 عامًا، التي وُجدث جثّتها في بئر، وكشفت قضيّة اغتصابها جمعية تُدعى "الاتّحاد النسائي الحر".

بدأت قصّة حسناء من لحظة هروبها بسبب محاولات التّحرش والاغتصاب من الرّجل الذي تقيم مع أسرته، مرورًا بالخطر الذي كانت معرّضة له خلال تشرّدها في محطّة القطار لأيّام، ومساعدتها من طرف جمعية متخصّصة في إيواء مثيلاتها، إلى اغتصابها واحتجازها من مغتصبها، وعودتها إلى بيت الأسرة، ثم خبر انتحارها بالارتماء في بئر.


وحكت "حسناء" في إفادتها الثانية للشّرطة، أنّها تعرّفت على المُغتصِب في الشّارع، حيث أعطاها رقمه. ولأنّها رأت فيه المنقذ من الوضعية التي عاشتها، اشترت هاتفًا نقّالًا خصيصًا لتتصل به. وحين التقت به، أخبرته عن وضعها، الذي جعل منها ضحيّة مثالية. فوعدها بأخذها إلى منزله، ومساعدتها على إيجاد عمل جيّد.

لكنه بدلًا من ذلك أخذها برفقة صديق له إلى دكّان واحتجزها فيه ليومين، مع اغتصابها بشكل متكرّر. وبعد أن أطلق سراحها تقدّمت بشكاية إلى الشرطة، التي ألقت القبض عليهما.

وتقول الجهات المتضامنة مع حسناء إنّها حتى لو انتحرت فهذا لا يعني أنّها لم تُقتل، أولًا باغتصابها، وثانيًا بموقف المجتمع الذي يحمّل المرأة مسؤولية اغتصابها. مع الإشارة إلى أنّ حسناء ادّعت أن المُتّهمين اختطفاها تحت تهديد السّلاح في إفادتها الأولى للشّرطة، خوفًا من تحميلها مسؤولية ما حدث، بما أنها ذهبت معهما بملء إرادتها. عدا عن الآثار النفسية للاغتصاب التي جعلتها تقع مغمىً عليها خلال عمليّة التّعرف على الجناة، وفق المحامية المترافعة عن ملفّها، ورئيسة رابطة "إنجاد" فتيحة شتاتو.

أمينة التي ماتت من أجلنا
الذي يصدم في حالات الاغتصاب، أنّ كثيرًا منها لا يُعرف إلّا بعد انتحار الضّحايا، ومن أشهرهنّ خديجة السويدي التي تبنّى الرأي العام قضيّتها، بعد انتحارها حرقًا مؤخرًا، لأنّ مغتصبيها الثمانية كانوا يبتزّونها. وأمينة الفيلالي التي أُجبرت على الزّواج من مغتصبها -قبل إلغاء الفصل 475-، وانتحرت من أجل أن تنبّه الآخرين ليس فقط لآثار الاغتصاب الذي يتكرّر في ذهنها، خلال معاشرتها الزّوجية للمُغتصِب، فذلك بعيد عن بال القانون، بل لأنّه فوق هذا كلّه، كان يضربها.

وبالرّغم من شكواها للسّلطات الأمنية، إلاّ أنها لم تجد لا أذنًا صاغية ولا يدًا حانية. فاختارت الانتحار الذي كان سببًا في إثارة الرأي العام، وتقوية موقف الجمعيات الحقوقية التي كانت تناضل من أجل إلغاء الفصل 475، الذي يجيز تزويج المغتصَبة من الجاني. والذي كان مَخرجًا قانونيًا من جريمة تستحقّ أقصى عقوبة. مخرج كانت النّيابة العامة تشجعه، مثلما حدث في قضيّة أمينة، التي انتحرت بعد أن عاشت مجبرة كزوجة لمغتصبها ستّة أشهر. وكان آخر ما قالته أمينة قبل أن تموت، أنّها لم تكن تنوي الانتحار، بل أرادت أن تنبّه إلى ما تتعرّض له من إساءة جسدية على يد زوجها.

تجدر الإشارة إلى أن هناك مشتركاً هاماً بين حالات الانتحار، أنّه لم يكن خيارًا أولًا لهن، بل جرّبن التشكّي للأسرة، أو للجهات الأمنية دون فائدة، مثل خديجة الذي رفعت دعوى ضد مغتصبيها، دون أن ينجح ذلك في إدانتهم. وأمينة التي حين لم تجد آذانًا صاغية من محيطها لما تتعرّض له، ذهبت لتقديم شكوى ضد زوجها الذي يضربها، غير أن السّلطات لم تأخذ شكواها على محمل الجدّ. وحسناء أيضًا اشتكت للشّرطة التي اعتقلت الجناة، من دون أن يحميها ذلك من ردّ فعل المحيط الاجتماعي.

الاكتئاب وفقدان الثقة من أفدح الآثار النّفسية
الاغتصاب يسبّب صدمة نفسية قوّية للمغتصَبة، يقول الدكتور عبد الله أبو إياد المختص في السيكولوجية الجنائية لـ"جيل"، هذه الصّدمة تسبب آثارًا نفسية يصعب التّخلص منها بمتابعة المُغتَصِب فقط. بل تخلّف أيضًا اضطرابات نفسية حادة مثل جلد الذّات وإحداث أذى جسدي لها. بالإضافة إلى انعدام الثّقة في الغير، ما يجعلها غير قادرة على لقاء أشخاص جدد، كما تعاني المُغتصَبة من الوصم الذي يلاحقها، في نظرة المجتمع، مضيفًا أنّ المُغتصَبة في لقاءاتها الجنسية داخل الزّواج إذا ما تزوّجت، ستتذكر دائمًا لحظة الاغتصاب وستحمل معها آثاره، في تعاملها مع الزّوج، ومع أولادها حيث تصبح مازوشية، عبر التّعامل بسادية معهم. لذا فمن يُقدمن من ضحايا الاغتصاب على الانتحار، فبسبب وصولهنّ إلى درجة قصوى من الاكتئاب، الذي يعتبر من أكبر الآثار النّفسية المرافقة للاغتصاب.

معاقبة الضّحية بدلًا من المجرم
ما مصير المُغتصَبة في مجتمع ينظر إليها باحتقار؟ صحيح أن القانون الذي كان يسمح بتزويجها من مغتصبها ويسمح له بالإفلات من العقاب، قد ألغي. لكن على أرض الواقع، بين أيدي الأسرة، المجتمع، مازال خيار التّزويج قائمًا حين يُعرف الجاني. حيث يلجأ القضّاة إلى إيقاف العقوبة الحبسية نظرًا لتوافر ظروف التّخفيف، في حالة قبول أسرة الضّحية للتّسوية، التي تجرّد المرأة من ملكية جسدها، الذي يصبح ملك المجتمع "القبيلة سابقًا"، حتّى لا يجلب العار، والباقي لا يهمّ.

لذا تجد النّاشطات الحقوقيات أن قانون محاربة العنف ضد المرأة رغم جدِّيته، لا يحمي المرأة بشكل كاف من العنف المعنوي، والجسدي، والجنسي. وفي تصريحها لـ"جيل"، تقول فتيحة شتاتو رئيسة شبكة رابطة "إنجاد"، التي تستقبل وتدعم النّساء المعنّفات وتدافع عنهن، والتي تدخّلت في قضية حسناء بعد انتحارها، إنّ للاغتصاب آثارًا مدمّرة على نفسية المغتصبة.

فكيف يمكنها أن تواصل حياتها بشكل طبيعي، وتتعرّف على رجال دون أن تشعر بالخوف منهم؟ وكيف يمكنها أن تتزوّج، وتُكمل حياتها مع رجل تمارس معه الجنس بشكل طبيعي، وهي التي تكبر في مجتمع يعتبر الجنس "تابو"، وحين تتعرّض للاغتصاب، يحمّلها المسؤولية، فممارستها للجنس خارج نطاق الزّواج، سواء كان ذلك طوعًا أو كرهًا، وحدها من تُسأل عنه؟

وتضيف فتيحة أنّ القانون يفرض عليها عبء إثبات واقعة الاغتصاب، والإسراع بعد وقوعه إلى إجراء فحص طبّي يثبت ذلك في شهادة طبّية، ولكنه لا ينصّ على شهادة مماثلة بالأضرار النّفسية التي تكون فادحة. كما أنّه لا يحمي النّساء، ويكتفي بالتّدخل بعد وقوع الضّرر. وفي ظلّ فراغ قانوني يوفّر آليات حمائية وقائية، وغياب عدالة اجتماعية، تعيش المرأة وضعية هشّة، تحوّلها إلى ضحيّة في أي لحظة.

كم امرأة يجب أن تموت بسبب الاغتصاب؟
بعد حادثة حسناء، تخوض الجمعيات الحقوقية حسب بلاغ لرابطة "إنجاد"، حملة تحت عنوان "يكفي من التّردد، الاغتصاب جريمة" من أجل تجريم جميع أنواع الاغتصاب بما فيه الاغتصاب الزوجي، لكونه انتهاكا لكرامة النّساء، وحرمة أجسادهن، وحميميتها، ويمسّ في حالات كثيرة الحق في الحياة للنّساء الضحايا.

فكم امرأة يجب أن تموت بسبب الاغتصاب؟ إذ لم يعد –حسب البلاغ- مقبولًا في هذا العصر، أن تموت النّساء والضّحايا من جرّاء الاغتصاب مباشرة، أو تحت تأثير عواقبه الصّحية والنّفسية المدمّرة؛ في ظلّ محاولات التّطبيع مع ظاهرة الاغتصاب، وانتشارها. ومع عدم الوضوح السّياسي في تجريمها بالإبقاء على الاستثناء، والأحكام المتناقضة والمخفّفة، بل متابعة المجرمين في حالات سراح، في عدد من الحالات.

المساهمون