ليلى سليماني تُحلّق في سماء "الغونكور" بأغنيةٍ هادئة

05 نوفمبر 2016
(ليلى سليماني، تصوير: جويل ساجيت/ وكالة الأنباء الفرنسية)
+ الخط -
ليلى سليماني، شابة مغربية تبلغ من العمر 35 سنة، من عائلة مهتمّة بالثّقافة والأدب الفرنسيين، من أم جزائرية تعمل طبيبة، وأب مغربي يعمل مصرفيًا بالمغرب حيث ولدت، درست في المعهد الثّانوي الفرنسي في الرباط، وانتقلت إلى باريس لمتابعة دراستها عام 1999، فتخرّجت في معهد الدراسات السّياسية، وتخصّصت بعدها في الإعلام، في المدرسة العليا للتجارة بالعاصمة الفرنسية.

تعتبر ليلى من أصغر الفائزين بجائزة "الغونكور" التي أعلن عنها يوم الخميس الماضي، وهي أرفع جائزة للأدب المكتوب باللغة الفرنسية، عن روايتها الثّانية "أغنية هادئة".

جرّبت ليلى مهنة التّمثيل بـ"كور فلوران"، قبل أن تختار العمل الصّحافي حين انضمت إلى أسرة تحرير مجلة "جون أفريك "في عام 2008، لتغادرها بعد 5 سنوات للتّفرغ  للكتابة.

وتحكي رواية "أغنية هادئة"، قصّة جريمة قتل لطفلين على يد مربّيتهما، وتتطرّق إلى العلاقات الاجتماعية القائمة على السّيطرة، منطلقة من أحداث واقعية، لنسج خيوط حبكة روائية تروي قصّة أم شابّة لطفلين اسمها "مريم"، تفضّل الهدوء الذي حملته لها الأمومة، وتتفرّغ لرعاية طفليها. لكن شعورها يختلف مع مرور الوقت، فتشعر بالاختناق من حياة ربّة البيت التي علقت فيها، وتفتقد طموحها المهني، والخروج وحدها دون عبء الطّفلين، مما يضطرّها لتوظيف مربيّة لهما.

كانت مريم حريصة في اختيارها لمن يعوّضها في رعايتهما، لتستطيع الشّروع في مهنتها كمحامية، إلا أنّ الحرص لم يؤد إلى حمايتهما من مربيتهما "لويز" التي قتلتهما في يوم دامٍ، أثّثت مشاهده الصفحات الأولى للرّواية، وتعود بعدها الكاتبة إلى الطّريق الطويلة التي قطعتها مريم، منذ إنجابها لطفلتها الأولى "ميلا" إلى لحظة الجريمة التي ارتكبتها المربيّة التي نالت ثقتها بسرعة.

أحداث الرّواية مستلهمة من قصّة واقعية حدثت في نيويورك، حيث قامت مربّية أطفال من الدومنيكان بقتل رضيعين كانا في رعايتها عام 2012.

 تعتبر هذه الرواية الثّانية في مشوار ليلى الأدبي، الذي يضمّ رواية أخرى بعنوان "في حديقة الغول" أو "مدمنة جنس"، والفائزة سنة 5201 بجائزة "المأمونية" للأدب المكتوب باللّغة الفرنسية في المغرب في نسختها السادسة، وهي أوّل امرأة تفوز بهذه الجائزة.

تناولت هذه الرّواية، قصّة زوجين سعيدين مقيمين في باريس، ولهما طفل واحد. لكن الزوجة "أديل" أقامت علاقات خارج بيت الزّوجية، وحين يكتشف زوجها المخدوع الحقيقة يغضب بشكل عنيف ويرغب في الانفصال عنها، لكنه يتجاوز غضبه لاحقًا، ليحاول إرجاع زوجته وإقناعها بالاستقامة داخل علاقتهما.

وهذه القصّة وفق ليلى مستوحاة من قضية المدير العام لصندوق النّقد الدولي السّابق دومينيك ستروس، الذي دخل في أزمة سنة 2011، بسبب قصّة جنسية أدت به إلى خسارة صورته أمام العالم.

وتلقى كتابات ليلى تقديرًا كبيرًا في المغرب وفرنسا، لجرأتها غير المعتادة لدى امرأة مغربية ومسلمة، لكنها لا تقدّم نفسها كذلك وتفضّل القول إنها باريسية وغير متديّنة، لكنها ولدت وكبرت في الرباط، وتعترف أنها تبقى في المغرب "امرأة" و"مسلمة" شاءت أم أبت، لذلك "أتحمّل مسؤوليتي عندما أكتب عن الحياة الجنسية، في بلاد تحرّم فيها المثلية والعلاقات الخارجة عن الزّواج، ففي ذلك نوع من المجازفة"، ولذلك اختارت أيضًا لشخوص رواياتها أن تكون فرنسية وليست مغربية، لتفادي الانتقاد في المغرب.

واعتبرت لجنة جائزة "المأمونية" أنها تطرقت إلى موضوع حساس نادرًا ما تم التّطرق له في الأدب المغربي والعربي والإسلامي، واعتبرت الرواية عملًا متكاملًا، غير أن ليلى تنفر من مسائل الهوّية التي تُستدرج دائما للحديث عنها، فتقول إنه عندما تنشر امرأة مغاربية شابّة روايتها الأولى، يُذكر الإسلام والهوية والمغرب العربي والهجرة، لذلك أرادت أن تُظهر أن مغربية تعيش في فرنسا، تحيط أيضًا بثقافة عالمية جامعة، وليس مجبرة على ذكر كثبان الرّمل والجمال والمساجد.

في جعبة ليلى كتابٌ عن مدينة الداخلة المغربية، كان باكورة أعمالها، إذ صدر عام 2013، بعنوان "خليج الداخلة"، ومن شأن هذا التتويج الأخير أن يلفت النّظر إلى مسارها الأدبي، بالإضافة إلى رواج روايتها الفائزة، إذ تعطي جائزة "غونكور" دفعًا تجاريًا كبيرًا لدور النّشر، فالكتاب الفائز بهذا التكريم يباع بمعدل أكثر من 345 ألف نسخة، ما يعوّض القيمة المادية الرمزية للجائزة، التي تتمثّل في 10 يورو.

وتعدّ ليلى رابع امرأة تفوز بالجائزة في العشرين سنة الماضية، والثانية عشرة في تاريخ الجائزة العريق.
المساهمون