سيارات المصالح الحكومية... ثقب في خزينة المملكة المغربية

29 مايو 2022
سيارات الدولة تحولت إلى امتياز اجتماعي وريع سياسي (Getty)
+ الخط -

يتابع رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام (غير حكومية)، محمد الغلوسي، عن كثب مجريات طلب عروض برقم 2022/13/ج. م أطلقه مجلس مدينة مراكش، من أجل إيجار 10 سيارات بتكلفة تصل إلى 208.800 درهم (ما يوازي21.467 دولارا أميركيا) في مقابل السيارة الواحدة خلال 3 سنوات في حين ستكلف في حال شرائها 270.000 درهم (27.756 دولارا) وهو ما يثير أكثر من علامة استفهام حول دواعي الأمر في ظل امتلاك المجلس لأسطول مهم من السيارات مازال قيد الخدمة، كما يقول لـ"العربي الجديد".

ويبدي المحامي الغلوسي امتعاضه من الصفقة التي ستخصص لفائدة نواب عمدة مدينة مراكش ورؤساء لجان وموظفين لاسيما أن قيمة إيجار السيارات لمدة ثلاث سنوات تقارب قيمة شرائها، قائلا: "في وقت تعيش المدينة ركودا اقتصاديا، وتعاني فئات اجتماعية كثيرة من تداعيات جائحة كورونا، لا يتردد المسؤولون عن هدر وتبديد المال العام في شراء سيارات أو كرائها بأثمان مرتفعة في وقت يفترض فيه أن يوجه ذلك المال إلى مشاريع تعود بالنفع على المواطن".

ثقب في خزينة المملكة

يستفيد المسؤولون الحكوميون والمحليون والموظفون في المغرب من مجموعة من الامتيازات والتعويضات من أبرزها "سيارات الدولة" أو "المصلحة" والتي توضع تحت تصرفهم لتسهيل مهامهم وضمان الظروف الملائمة لقيامهم بها، على أن تتحمل الدولة نفقاتها من تأمين وصيانة ووقود وأحيانا حتى أجرة سائقيها، وفق المرسوم رقم 2.97.1051 الصادر بتاريخ 2 فبراير/شباط 1998 والمتعلق بمجموعة السيارات التابعة للإدارات العامة، والمنشور رقم 98/ 4 الصادر في 20 فبراير 1998 الخاص بتدبير وتسيير حظيرة سيارات الإدارات العمومية، والمنشور رقم 98/ 31 الصادر في 28 يوليو 1998 المتعلق بترشيد تدبير حظيرة سيارات المؤسسات العمومية، غير أن استعمالات تلك السيارات وعملية اقتنائها وإيجارها من قبل المسؤولين ورؤساء المجالس الترابية (بلديات، مجالس جهوية) تثير انتقادات حادة في المغرب في ظل اتهامات بتبذير المال العام، بحسب إفادة أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة ابن طفيل بمدينة القنيطرة، رشيد لزرق.

ويتوفر المغرب على 115 ألف سيارة في ملكية الدولة والجماعات الترابية، تستهلك سنويا 54 مليون درهم (نحو 5 ملايين و576 ألف دولار) من المحروقات والزيوت، و30 مليون درهم (3 ملايين دولار) للصيانة، بالإضافة إلى 11 مليون درهم (1 مليون و130 ألف دولار) للتأمين، وفق ما وثقه معد التحقيق عبر إجابة سؤال كتابي وجهه رئيس الكتلة النيابية لحزب التقدم والاشتراكية المعارض، رشيد حموني، في 16 يناير/كانون الثاني الماضي، إلى وزيرة الاقتصاد والمالية، بالاستناد إلى معطيات صادرة عن" الشركة الوطنية للنقل واللوجيستيك" (شركة حكومية تتولى مهمة تدبير حظيرة سيارات الدولة)، معتبرا في إفادة لـ"العربي الجديد"، أن تلك "الأرقام الصادمة تميط اللثام عن ثقب كبير في خزينة المملكة يتم عبره استنزاف مالية الدولة تحت مسمى سيارات المصلحة أو سيارات الدولة".

115 ألف سيارة في ملكية الدولة والجماعات الترابية المغربية

وتخصص الحكومة المغربية 1.2 مليار درهم (نحو 123 مليون دولار) سنويا لحظيرة تلك السيارات تشمل نفقات التسيير والصيانة والمحروقات والشراء والاستئجار، 80 في المائة منها لقطاعات الأمن والصحة، بحسب ما كشف عنه الوزير المنتدب المكلف بالميزانية فوزي لقجع، أثناء مناقشة مشروع موازنة 2022 في 29 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي بمجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان المغربي).

وبلغت كلفة سيارات الدولة في عام 2019 مليارين و72 مليون درهم وهو رقم لا يختلف كثيرا، عما تم تسجيله في 2018 بمليارين و77 مليون درهم، بحسب معطيات "الشركة الوطنية للنقل واللوجيستيك". وفيما عرفت الاعتمادات الإجمالية المخصصة لحظيرة السيارات على مستوى الموازنة العامة انخفاضا ناهز 4.21 في المائة خلال الفترة الممتدة ما بين 2019 و2021، والتي تزامنت مع انتشار وباء كورونا، سجل الغلاف المالي المخصص لاقتناء السيارات على مستوى الموازنة العامة انخفاضا بنسبة 16.25 في المائة، خلال الفترة نفسها، بحسب ما جاء في رد كتابي لوزيرة الاقتصاد والمالية، نادية فتاح، توصل به رئيس الكتلة النيابية لـ"التقدم والاشتراكية" في 22 مارس/آذار الماضي جوابا عن مساءلته الحكومة حول تدبيرها للمرآب العمومي لسيارات الدولة.

كيف يتم توزيع سيارات الدولة؟

تتوزع حظيرة تلك السيارات بين الاستعمال الداخلي والاستعمالات النفعية والآلات المتنوعة والدراجات النارية، 90 بالمائة منها وسائل أمنية (الشرطة، القوات المساعدة، الدرك، المياه والغابات، النقل)، حسب ما قاله المدير العام السابق للشركة الوطنية للنقل واللوجيستيك، عزيز العلمي الكرفطي، أمام لجنة مراقبة المالية العامة بمجلس النواب في 12 فبراير 2020.

وتصنف السيارات الحكومية وفق الرتب والمسؤوليات، ويحدد لها سقف مالي أقصى لكل صنف على الشكل التالي، بالنسبة لسيارات الوزراء لا يمكن أن يتجاوز ثمن شرائها الأقصى 450 ألف درهم (45 ألف دولار)، في حين يحدد مبلغ 350 ألف درهم (35 الف دولار) كثمن أقصى لسيارات الكتاب العامين ومدراء المؤسسات العمومية، ومبلغ 300 ألف درهم (30 ألف دولار) لسيارات رؤساء الدواوين الوزارية و120 ألف درهم (12 ألف دولار) بالنسبة لسيارات المأموريات من حضور الاجتماعات وما شابهه، وفق منشور رئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران الصادر في مارس/آذار 2014. 

لكن تحديد سقف مالي لسيارات الدولة وفق الرتب والمسؤوليات، لا يمنع من تسجيل مخالفات في ما يخص اقتناءها، حسب ما يقول الغلوسي، مضيفا: "في الوقت الذي تتم فيه مطالبة الإدارات والجماعات الترابية باقتناء سيارات من نوع "داسيا" التي تنتجها شركة "رونو" بالمغرب بسعر لا يتجاوز 90 ألف درهم (9 آلاف دولار)، نصدم بنشر صور سيارات فارهة من طراز "مرسيدس 200" و"أودي" و" فولكس فاغن"، يتم اقتناؤها من المال العام بمبالغ خيالية تزيد عن 450 ألف درهم.

وتكشف وثيقة مسربة حصلت "العربي الجديد" على نسخة منها، جانبا من طريقة تدبير سيارات الدولة، إذ أمرت المفتشية العامة لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، ناظر أوقاف باسترداد مبلغ 388.240.00 درهم (40 ألف دولار)، بعدما أثبت التحقيق الذي جرى في 7 فبراير/شباط الماضي، أن المبلغ تم تخصيصه لنفقات النقل بغير استحقاق، إذ تم صرف مبلغ 232.690.00 ألف درهم (24 ألف دولار) لموظفي النظارة لقاء استئجارهم لسيارات خاصة بمناسبة قيامهم بمهام إدارية عادية، وهو ما اعتبر "تصرفا مخالفا للمقرر في هذا الباب ولا سند له". 

وجرى صرف مبلغ 155.550.00 درهم (16 ألف دولار) والذي "إن تعلق موضوعه بأحد الاستثناءات التي ورد الترخيص بشأنها باستئجار سيارات خاصة، وفق مذكرة الوزارة رقم 2015/21، إلا أن الناظر لم يلتزم بالقيود المضمنة بالمذكرة، والتي ربطت الترخيص باستئجار السيارات الخاصة لأغراض محددة، وبأن تكون السيارة المستأجرة رباعية الدفع لاستعمالها عند الضرورة القصوى، وبشكل حصري في المناطق ذات التضاريس والمسالك الوعرة".

وتشير تلك الواقعة إلى "تجاوزات في استخدام سيارات الدولة وتبذير المال العام عوض تسهيل عمل الإدارة"، بحسب ما يقوله رئيس العصبة المغربية لحقوق الإنسان (أقدم تنظيم حقوقي مستقل) عادل تشيكيطو، وهو ما يتفق معه رئيس الجمعية الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان (مستقلة) محمد رشيد الشريعي، والذي يلفت، في إفادة لـ"العربي الجديد"، إلى أن"استعمال سيارات الدولة يعرف فوضى عارمة من خلال استغلالها من طرف مسؤولين، خارج أوقات العمل ولأغراض شخصية بل والسفر بها نحو مناطق بعيدة على حساب ميزانية الدولة، التي تؤدي مصاريف الوقود والصيانة".

الصورة
ثقب في خزينة المملكة

امتياز اجتماعي وريع سياسي

ينص مرسوم 2014 على أنه لا ينبغي نقل أفراد غير عاملين بالإدارة عبر السيارات الوظيفية وأن سائق السيارة عليه التوفر على وثائق تهم الوجهة وطبيعة الراكبين معه وعددهم ووظيفتهم، وهو نفس الأمر بالنسبة لأي تزود بالبنزين أو الصيانة أو غير ذلك، إلا أن "سيارات الدولة وسيارات المصلحة يمكن أن تصادفها في الشواطئ والأسواق وأمام أبواب المدارس والملاهي، وخارج المهام العمومية، ويحدث ذلك على مرأى جهات مكلفة بإنفاذ القانون دون أن تحرك ساكنا"، بحسب تأكيد الغلوسي، والذي يقول إن تلك السيارات "تحولت إلى امتياز اجتماعي وريع سياسي يجعلان البعض لا يتورع عن استعمال المال العام لشراء سيارات فارهة".

و"يلجأ بعض رؤساء المجالس الترابية أثناء إعداد الموازنة إلى برمجة شراء سيارات فخمة في تحد صارخ للتدبير المعقلن للموازنة، في وقت تفتقر فيه بعض تلك المجالس للمداخيل بغية توظيفها في تنمية الجماعات من حيث إصلاح الطرق والإنارة وبناء مدارس ومراكز صحية"، بحسب ما يقول الشريعي.

وفيما يبدي تشيكيطو أسفه على "تنامي الاستخدام السيئ لتلك السيارات خلال السنوات الأخيرة، وتهافت وزراء ورؤساء مصالح وموظفين ورؤساء جماعات حضرية وقروية على استعمال أفخمها وأجودها لقضاء حاجاتهم وحاجات عائلاتهم، في تحد صارخ للقانون"، فإن باباً آخر من أبواب تبذير المال العام يثيره رئيس الكتلة النيابية لـ"التقدم والاشتراكية"، من خلال الإشارة إلى لجوء عدد من الوزارات والمجالس الترابية إلى كراء سيارات الخدمة لمدة 3 سنوات أو أكثر عوض شرائها في وقت بالإمكان تسديد ثمن اقتنائها في سنتين فقط.

هدر المال العام عبر صفقات كراء وشراء سنوية لسيارات فخمة

ويقول تشيكيطو إن إعلان صفقات عمومية لفائدة وكالات كراء السيارات، "أصبح نقمة على الإدارة، في ظل لجوء عدد من الجماعات المحلية، التي لم يمر على تعزيز أسطول سياراتها سوى سنتين أو ثلاث بميزانية تقدر بملايين الدراهم، إلى الإعلان عن صفقات جديدة مع شركات كراء السيارات، ما يتسبب في هدر المال العام".

ويوضح الغلوسي أن لجوء بعض المسؤولين إلى كراء سيارات الخدمة عوض شرائها، يجعل مستغليها، في إطار المهام الموكلة إليهم، أو حتى للأغراض الشخصية، بعيدين عن المراقبة بسبب أرقام لوحات هذه السيارات التي لا تحمل أية علامة تشير الى أنها سيارة تابعة للدولة، والتي تبقى مميزة بحملها لوحات معدنية بترقيم تسلسلي، مع علامة “المغرب” أو "M"، باللون الأحمر، بينما تحمل سيارات المصلحة الخاصة بالجماعات الترابية، وبمجالس الجهة، والمجالس الإقليمية لوحات معدنية، بترقيم تسلسلي، علامة "ج" باللون الأحمر، أي الحرف الذي يرمز إلى الجماعة الترابية، حضرية كانت أم قروية.

ويكشف الغلوسي، عن لجوء بعض المسؤولين في الجماعات الترابية إلى التحايل على القانون من خلال استعمال لوحات ترقيم تحمل حرف "W" (قبل منعها كان يستعملها المحافظون وبعض الموظفين السامين)، خلافا لما ينص عليه القانون ومراسلات وزارة الداخلية في هذا الشأن، والتي تلزم رؤساء مجالس الجماعات المحلية والإقليمية بوضع علامة  "ج J" على لوحات ترقيم سيارات الجماعة.

ويقر مسؤول حكومي، طلب عدم كشف هويته لكونه غير مخول له الحديث إلى الصحافة، بوجود "الاستعمال غير الصحيح لسيارات الدولة"، و"هذا يحدث في كل الدول" كما يقول، لكنه يلفت، في إفادته لـ "العربي الجديد"، إلى أن المسؤولية تقع على مسؤولي الجماعات الترابية بشأن مراقبة ذلك الاستعمال، وقرار اقتناء سيارات المصلحة.

ويقول المسؤول الحكومي إن وزارة الداخلية تؤكد في دورياتها السنوية المواكبة لإعداد موازنات الجماعات الترابية، على ضرورة ترشيد النفقات بشكل يتماشى مع وتيرة نمو المداخيل، كما تطالب الحكومة المسؤولين بالتقيد بربط العمليات التي تطاول اقتناء وكراء السيارات بالترخيص المسبق من لدن رئيس الحكومة والذي يتم إصداره أو حجبه بناء على رأي لجنة مكونة من ممثلين عن رئاسة الحكومة ووزارة الاقتصاد والمالية والقطاع الوزاري المعني أو المؤسسة المعنية.

توجيهات السلطات.. " حبر على ورق"

لتجاوز الاختلالات المسجلة، وجهت وزارة الداخلية الجماعات الترابية، من خلال دورية أصدرتها في يوليو/تموز الماضي، باحترام للمقتضيات القانونية والتنظيمية ولا سيما المرسوم رقم 2.97.1051 ومنشور الوزير الأول رقم 98.4 المتعلق بتحسين وتدبير حظيرة سيارات الإدارات العمومية، من خلال جرد لائحة السيارات المتوفرة لدى الجماعات المحلية وتوزيعها على الأقسام والمصالح بما يلائم احتياجات كل مصلحة وطبيعة عملها، ووضع شعار الجماعة والمصلحة المستغلة في كل سيارة من أجل ضبط مهامها وضمان عدم استغلالها في أمور خارجة عن العمل، وإصلاح الآليات المعطلة واستغلالها في خدمة مصالح الجماعة مع الحرص على الاستهلاك المعقلن للمحروقات.

كما طالب رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، في منشور أصدره في 23 مارس/آذار الماضي، من القائمين على القطاعات الوزارية والمؤسسات العمومية، بضرورة، "إخضاع اقتناء السيارات والمقرات الإدارية وبنائها وتهيئتها وتجهيزها للترخيص المسبق لرئيس الحكومة، والتقليص من النفقات المتعلقة بها، مع ربطها بضرورة المصلحة".

وتلقت دوريات الأمن الوطني والدرك الملكي تعليمات بحجز أي مركبة في ملكية الدولة أو الجماعات المحلية تتحرك خارج اختصاصها الترابي من دون إذن خاص من الجهة المخول لها ذلك، غير أن رئيس الكتلة النيابية لـ" التقدم والاشتراكية" يقول إن "حجز تلك المركبات لا يتم تطبيقه غالبا".

وبحسب ما جاء في رد مكتوب لوزيرة الاقتصاد والمالية حصل عليه البرلماني حموني، ونُشر على موقع مجلس النواب المغربي، عملت اللجنة الوزارية المكلفة بتدبير حظيرة السيارات التابعة للإدارات العمومية على إعداد خطة شاملة تقوم على ترشيد اقتناء تلك السيارات في إطار برنامج محدد تقرره الحاجة إلى استعمال السيارة لأغراض ملحة وضرورية مع الأخذ بعين الاعتبار التوجهات الحكومية، واللجوء عند الاقتضاء إلى كراء السيارات إذا ما تبين تقنيا وماليا أن هذا الاختيار أكثر نجاعة من الاقتناء والتقيد بالأسس المحددة في ما يتعلق بقيمة السيارات المكتراة، إلى جانب الامتناع عن اقتناء سيارات نفعية بغرض استعمالها كسيارات المأمورية.

غير أن هذه التوجيهات "تبقى حبرا على ورق"، وفق إفادة لزرق، في "ظل الإقبال على سيارات باهظة من قبل بعض المسؤولين كوسيلة للتباهي الاجتماعي وإظهار الوجاهة الاجتماعية، في وقت يتطلب الوضع ترشيد نفقات الإدارة المغربية"، مدللا على ذلك برصد بلدية آسفي في 18 فبراير الماضي، لمبلغ 450 ألف درهم (نحو 45 ألف دولار) لاقتناء سيارة جديدة لرئيس المجلس رغم الظرفية الاقتصادية التي تمر منها البلاد هذه السنة بسبب الجفاف والتي تتطلب ترشيد النفقات. ويتابع:" التنزيل الفعلي لتلك التوجيهات يقتضي الضرب بقوة على أيدي تجار الريع، والبداية بعدم التأشير على جميع النفقات التي تخالف منشور رئيس الحكومة".

ويطرح ما سبق إشكالا حقيقيا عن كيفية فرض رقابة صارمة لحماية المال العام في وقت يعمد فيه رؤساء جماعات فقيرة إلى شراء سيارات بمبالغ ضخمة لا تتناسب والميزانيات المرصودة لجماعاتهم أو كراء سيارات بمبالغ ضخمة، كما يقول القيادي في حزب "العدالة والتنمية " المعارض وعضو بلدية الحسيمة (شمال شرقي) نبيل الأندلسي في إفادة لـ"العربي الجديد".

وبينما يسجل الشريعي "عدم الحرص على أدنى شروط المصلحة العامة من قبل الوزارة الوصية ممثلة في شخص العامل أو الوالي (المحافظ) خاصة أثناء المصادقة على موازنات المجالس التي تشوبها عدة اختلالات وإبان إعدادها"، يقول المسؤول الحكومي، الذي تحدث لـ"العربي الجديد"، إن وزارة الداخلية تتدخل عن طريق الولاة والعمال (المحافظين) في العديد من الأحيان من أجل إيقاف اقتناء سيارات برفضها الموافقة على تخصيص أموال عمومية للعملية. ويتابع قائلا: "إذا كان القانون التنظيمي رقم 112.4 المتعلق بالعمالات والأقاليم، والقانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات، قد نصا على مبدأ التدبير الحر لشؤون الجماعات الترابية، فإنهما ربطا هذا التدبير بضرورة احترام قواعد الحكامة، كما هو منصوص عليه في نفس القوانين".

غير أن الشريعي يشدد على ضرورة تشديد المراقبة عبر لجان تفتيش مركزية لضبط عملية استغلال سيارات الدولة ومراقبة حظيرتها واتخاذ الإجراءات القانونية في حق المخالفين، ليكونوا عبرة لكل من تسول له نفسه العبث بممتلكات الدولة والمؤسسات المنتخبة وإهدار المال العام، مشيرا إلى أن المادة 64 من القانون التنظيمي للجماعات تمنح للعمال والولاة سلطة وقف الأفعال المخالفة للقوانين التي يرتكبها الرؤساء ومسطرة إحالتهم على القضاء.

وفي الوقت الذي يؤكد فيه الأندلسي ضرورة تفعيل آليات ضبط وملاءمة الصفقات مع موازنة الجماعات أو الوزارات المعنية، وقيام المجلس الأعلى للحسابات بأدواره وجهازه من خلال إحالة تقاريره حول اختلالات تكاليف سيارات الدولة على مستوى كمية الوقود المستعمل وقطع الغيار والصيانة والتأمين، خاصة بالنسبة للجماعات المحلية على النيابة العامة، يلقي الشريعي بالمسؤولية عن تفعيل المقتضيات القانونية الخاصة بالسيارات المملوكة للمجالس الترابية على عاتق وزارة الداخلية في شخص الولاة والعمال الذين وضع القانون التنظيمي للجماعات بين أيديهم سيفا قاطعا للفساد من خلال الفصل 64.

ومع وجود مقتضيات قانونية تخص استعمال سيارات الدولة، إلا أن "تفعيلها يبقى في الغالب مفقودا بسبب غياب إرادة حقيقية لدى الجهات المركزية الموكول إليها المراقبة والتصدي للخروقات وتنزيل تلك المقتضيات على أرض الواقع، وكذلك ازدواجية الخطاب بين التطبيق الفعلي للتوجيهات الوزارية والممارسة الميدانية"، كما يؤكد الشريعي.