القمع الأكاديمي بأميركا وكندا... استهداف معارضي الرواية الإسرائيلية

القمع الأكاديمي في أميركا وكندا... استهداف معارضي الرواية الإسرائيلية

21 سبتمبر 2021
يخسر أكاديميون فرص عمل بتدخل من ممولي الجامعات (Getty)
+ الخط -

لم تكن الأكاديمية الحاصلة على شهادة الدكتوراه في القانون الدولي من جامعة إيرلندا الوطنية فالينتينا نازاروفا، تعلم بأنّ سعيها إلى لمّ الشمل مع زوجها المقيم في كندا عبر التقديم للعمل مديرةً للبرنامج الدولي لحقوق الإنسان في جامعة تورنتو، سيتسبب بأزمة كبيرة بين مجتمع الأكاديميين والحقوقيين من جهة، والجامعة والقضاء الكندي من جهة أخرى.

تلقّت نازاروفا والمعروفة بأبحاثها في الصراع العربي الإسرائيلي، عرضاً للعمل في المركز بتاريخ 19 أغسطس/آب 2020، لكنها فوجئت بأن الجامعة سحبت العرض متذرعةً بنقص أوراق الهجرة وعدم توفر تصريح للعمل في كندا.

تبين لاحقًا أنّ السبب الحقيقي لسحب العرض المقدم لنازاروفا يرجع إلى اعتراض متبرع كبير لجامعة تورنتو، ويعمل قاضياً في محكمة الضرائب بولاية تورنتو، إذ أبدى تحفظه على تعيينها معللاً ذلك بأبحاثها في القانون الدولي عن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، بحسب ما تكشفه مراسلات بين الدكتور سامر موسكاتي، المدير السابق للبرنامج الدولي لحقوق الإنسان والدكتور إدوارد لاكوبيتشي عميد كلية القانون، جرت بتاريخ 12 سبتمبر/أيلول عام 2020.

لكن العميد لاكوبيتشي أنكر في 17 سبتمبر 2020 هذا التدخل، وأوقف البحث عمّن يشغل هذه الوظيفة، وأكّد أنّه لن يسمح بتأثير الضغط الخارجي على قرار التعيين.

وبالفعل، تحركت جمعيات حقوقية وشبكات من الأكاديميين للاعتراض على قرار الجامعة الذي جاء متماشياً مع رغبة المتبرع، ووقع 1452 أكاديمياً على عريضة مناصرة، بالإضافة إلى بيانات ومراسلات من جمعيات مثل "المحامين الكنديين العرب"، ومن شبكة خريجي برنامج حقوق الإنسان والقانون الدولي، ومن جمعية طلاب القانون، ومنظمة العفو الدولية، ومن "ميسا" جمعية دراسات الشرق الأوسط في أميركا الشمالية، ومن جمعية "كنديون لأجل العدالة والسلام في الشرق الأوسط"، والجمعية الدولية لأساتذة حقوق الإنسان ونشطائه.

عقب ذلك أفصحت الدكتورة ليزلي غرين، الأكاديمية المتخصصة في فلسفة القضاء بجامعة كوينز في كينغستون عن اسم القاضي الذي اعترض على تعيين نازاروفا في مراسلة بتاريخ 29 سبتمبر 2020 إلى رئيس القضاة ورئيس مجلس القضاء الكندي وتبين بأنّه ديفيد سبايرو، المناصر للصهيونية ولإسرائيل.

وصُعّدت الأزمة نتيجة لهذا، ليعين ميريك غيرتلر رئيس جامعة تورنتو،  توماس كرومويل القاضي السابق في المحكمة الدستورية العليا، وكلفه بإجراء مراجعة مستقلّة وغير متحيزة لحالة الدكتورة نازاروفا في 7 ديسمبر/كانون الأول عام 2020، وانتهى تقريره المكون من 78 صفحة وصدر في 15 سبتمبر 2021، إلى أنّه "لم يصل إلى استنتاج بأنّ تدخلاً خارجياً غير لائق لعب دوراً في قرار ترشح الدكتورة نازاروفا لإدارة البرنامج الدولي في حقوق الإنسان".

حالة استثنائية

انتهت أزمة نازاروفا "ولم تنته أزمة حرية التعبير والتضامن مع القضية الفلسطينية في المؤسسات التعليمية بشمال أميركا، إذ يمكن وصف ما يجري لمن يعملون بمناصرة فلسطين بالحالة الاستثنائية في الجامعات الأميركية التي تكثر فيها قضايا المناصرة السياسية عموماً" بحسب إفادة الدكتور محمد فاضل، أستاذ القانون في جامعة تورنتو لـ "العربي الجديد".

ويشير فاضل إلى أنّ القضية الفلسطينية هي القضية الوحيدة التي تتدخل إدارات الجامعات في الأنشطة المناصرة لها بالحرم الجامعي، وبالتالي يذهب إلى أنّ الجامعات في الحقيقة مستعدة لقمع الأنشطة المؤيدة لفلسطين، ثمّ يأتي تأثير الممولين ليدعم اتجاهها.

ويدل على ذلك أنّ منظمة "فلسطين القانونية" (مستقلة تدافع عن الحريات والحقوق المدنية لمناصري فلسطين في الولايات المتحدة الأميركية)، رصدت 1494 حادثة تستهدف حرية التعبير بشأن فلسطين في الولايات المتحدة بين أعوام 2014 و2019، وكان 74% منها متعلقا بطلاب وأكاديميين في الجامعات الأميركية.

وتُعدّ مناصرة فلسطين داخل الجامعات الأميركية ظاهرة حديثة نسبياً، إذ بدأ الوعي بعدالة القضية الفلسطينية وتزايدت بشكل خاص أنشطة الدعم والمناصرة بعد الاعتداء الإسرائيلي على غزة في 2009 بحسب الدكتور ويليام روبنسون، أستاذ علم الاجتماع في جامعة كاليفورنيا، والذي كتب شهادته في كتاب "نحن لن نصمت: القمع الأكاديمي لنقّاد إسرائيل" الصادر عام 2017 مؤكدا أنّ "اللوبي الصهيوني زاد نشاطه في أروقة الجامعات لإسكات وقمع من يناصرون القضية الفلسطينية".

الصورة
كندا وأميركا 2

ولا يقلّ عدد المنظمات المؤيدة والمناصرة لإسرائيل في المؤسسات الجامعية الأميركية عن 33 منظمة، بحسب شهادة الدكتور سري مقدسي، أستاذ الأدب المقارن في جامعة كاليفورنيا، في الكتاب السابق (نحن لن نصمت..)، ومنها منظمة "كامبس ووتش" Campus Watch، التي بدأت نشاطها في عام 2002 لتخلق أجندة مؤيدة لإسرائيل.

وتستهدف هذه المنظمات، عبر حملات موجهة، الأساتذة والطلاب المناصرين للقضية الفلسطينية داخل الجامعات، من خلال أساليب مثل: الاغتيال المعنوي، الاقتباس الانتقائي لأقوالهم، واختلاق أكاذيب. ويضيف مقدسي لهذه الأساليب: التهديد بسحب دعم الجامعات، وتهديد مسارهم المهني ووظائفهم.

إقصاء المناصرين

يعدّ الدكتور نورمان فنكلستين والذي عمل أستاذا للعلوم السياسية في جامعة دي بول الأميركية DePaul University في التسعينيات، أحد ضحايا تهديد المسار المهني بسبب مناصرته الحقوق الفلسطينية ومهاجمة الصهيونية.

ويوضح الدكتور فاضل قصة فنكلستين قائلا إنّ :"القسم الذي يعمل به وافق على ترقيته، ولكنّ جامعة دي بول لم توافق بدعوى أنّ أسلوبه "غير متحضر".

ويشير فاضل كذلك إلى قصة الدكتور ستيفن سلايطة، أستاذ الدراسات الهندو-أميركية، والذي كان من ضحايا التهديد الوظيفي كذلك، إذ كان يعمل أستاذاً في جامعة فيرجينيا، ثمّ قَبِل بوظيفة في جامعة إلينوي، وبينما كان في انتظار موافقة مجلس وكلاء الجامعة، وهي خطوة رسمية لا معنى لها بحسب الدكتور فاضل اندلعت حرب غزة عام 2014، وحين بلغت تغريداته أحد المتبرعين الكبار لجامعة إلينوي من مناصري الصهيونية، تدخل وأبدى رفضه لتعيينه، وهو ما بدا في إعلان جامعة إلينوي توقيف تعيينه في قسم الدراسات الأميركيّة للسكان الأصليين (الهنود الحمر).

وتتكرر قصص اضطهاد مناصري فلسطين في الجامعات الأميركية، حيث تسرد تيري جنسبرغ الأستاذ المساعد لدراسات السينما في الجامعة الأميركية بالقاهرة قصتها في كتاب "نحن لن نصمت..."، قائلة بأنها اختارت أن تكتب رسالتها للدكتوراه في موضوع سنيمائي متعلق بفلسطين تبنت فيه رؤية معاكسة للرؤية الصهيونية ومناصرة للحق الفلسطيني، علما بأنها أميركية يهودية، ما جر عليها رفضا في الوظائف التي تقدمت لها على مدار أربع سنوات بشكل تكرر لدرجة أنها رُفضت في ما يزيد على 150 وظيفة وانتهى بها المطاف إلى الجامعة الأميركية في القاهرة.