اختبار كورونا السريع...مخالفات لضوابط الاستخدام تنقل المرض للأردنيين

فوضى اختبار كورونا السريع... مخالفات لضوابط الاستخدام تنقل المرض للأردنيين

14 نوفمبر 2021
إخلال بضوابط استخدام اختبار كورونا السريع في الأردن (Getty)
+ الخط -

تخالف مشاف حكومية وخاصة في الأردن تعليمات وزارة الصحة ومنظمة الصحة العالمية، المتعلقة بضوابط استخدام اختبار كورونا السريع، ما تسبب في إصابة كوادر طبية ومخالطين بالمرض وتفاقم حالة آخرين بسبب النتائج غير الدقيقة.

- جاءت نتيجة اختبار كورونا السريع "Rapid Test" الذي أجرته الخمسينية الأردنية ماجدة محمد في فبراير/شباط 2021 لدى مراجعتها مشفى خاصا في عمان، سالبة، رغم أنها ذهبت فور شعورها بتعب وآلام في المفاصل للاطمئنان على صحتها، علما أنها مريضة بالتصلب اللويحي، وتحاول تجنب التقاط أي عدوى.

بعد أيام تفاقمت حالتها وارتفعت حرارة جسدها وجف حلقها وزاد الرشح وضيق التنفس، ما دفعها إلى مراجعة طبيبها الخاص، والذي طلب منها إجراء فحص الكشف عن كورونا PCR، وهذه المرة كانت النتيجة موجبة.

في المرة الأولى، لم تعزل ماجدة المرتكنة إلى نتيجة الاختبار السريع نفسها، لتنقل العدوى إلى والدتها الثمانينية و3 من شقيقاتها اللواتي نقلن العدوى لأسرهن أيضا، أما هي فتفاقم وضعها الصحي بسبب انخفاض مستوى الأوكسجين في الدم، لكن أبناءها رفضوا إدخالها للمشفى وأبقوها تحت رعاية طبية في المنزل، وأمنوا لها جهاز أوكسجين.

تتطابق حال ماجدة مع 20 شخصا آخرين يوثق التحقيق تبعات اعتمادهم على نتيجة اختبار كورونا السريع منذ البدء باستخدامه في المشافي الأردنية في يناير/كانون الثاني 2021، حين أعلن وزير الصحة السابق نذير عبيدات عن توفر كميات كبيرة منه للتمييز بين فيروس كورونا المستجد والإنفلونزا الموسمية، مؤكدا في تصريحات صحافية أن "الاختبار السريع" سوف يستخدم وفق ضوابط معينة من قبل أطباء الطوارئ في المستشفيات".

لكن الإخلال بهذه الضوابط ومخالفة بروتوكول وزارة الصحة وإرشادات منظمة الصحة العالمية في استخدامه تسببا بفوضى النتائج غير الدقيقة ونشر العدوى، بخاصة بين الطواقم الطبية وفق ما يكشفه التحقيق.

مخالفة بروتوكول وزارة الصحة

يعمل اختبار كورونا السريع عبر أخذ عينات عن طريق مسحة الأنف للأشخاص الذين تظهر عليهم أعراض الإصابة بكوفيد 19، للكشف عن بروتين الفيروس في إفرازات الجهاز التنفسي، بحسب إرشادات صادرة عن منظمة الصحة العالمية في 11 سبتمبر/أيلول 2020، حول الاختبارات التشخيصية السريعة لكشف المستضدات (مادة تثير الاستجابة المناعية قد تكون فيروس أو جرثوم).

ولتحسين الأداء ينبغي أن يجرى الاختبار من قبل أفراد مدربين مع الأخذ بعين الاعتبار تعليمات الشركة المصنعة بشكل صارم، وفق الإرشادات، ويبين مدير مديرية المختبرات الطبية في وزارة الصحة الدكتور محمد الغزو أن بروتوكول استخدام الاختبار السريع الذي عممته الوزارة على المشافي، يتمثل في استخدامه بأقسام الطوارئ لفحص الحالات التي تتطلب تدخلا علاجيا أو جراحيا سريعا كالحوادث أو الحالات المرضية التي لا تحتمل انتظار نتيجة اختبار بي سي آر، مشيرا إلى أن بروتوكول الاستخدام يتمثل أيضا في إحالة الشخص المخالط لاختبار للتأكد من إصابته عبر إجراء بي سي آر في حال كانت نتيجة الاختبار السريع سالبة، وإن كانت نتيجته موجبة يتم اعتمادها، مضيفا أن الوزارة ألزمت المستشفيات الحكومية والجامعية والخاصة بتطبيق البروتوكول وبضرورة استخدام هذا الاختبار لغايات الفحص وليس التشخيص، كما يحظر استخدامه قبل العمليات الجراحية غير الطارئة وفق الغزو.

لكن ما يوثقه تحقيق "العربي الجديد" من فوضى على أرض الواقع في التعامل مع اختبار كورونا السريع يثبت مخالفة البروتوكول، ومن بين التجاوزات ما حدث مع العشرينية حنان محمد (اسم مستعار) التي أجري لها اختبار كورونا السريع في مشفى حكومي في السلط قبل دخولها إلى عملية التنظير خلال الشهر المنصرم، قائلة أن "الممرضة قامت بإجراء الرابيد تيست لها كأمر روتيني قبل العمليات، مكتفية بسؤالها إن كانت تشعر بأعراض كورونا".

30 نوعا من اختبار كوفيد - 19 السريع مستخدمة في الأردن

وتكرر الأمر مع معدة التحقيق حين راجعت أحد المشافي الخاصة في عمان بعد تعرضها لوعكة صحية في يوليو/تموز الماضي، وأُجري لها اختبار كورونا السريع لغايات إدخالها ووضعها تحت المراقبة، وأكدت لها الممرضة أنهم يقومون بإجرائه قبل إدخال أي مريض و"تكلفته 7 دنانير (10 دولارات) على نفقة المريض ولا يشملها التأمين الصحي"، ورغم أن النتيجة كانت سالبة لم يجر لها فحص PCR وفقا لتعميم وزارة الصحة.

ويؤكد أخصائي الأمراض الصدرية والتنفسية وأمراض النوم الدكتور محمد الطراونة والذي يجري عمليات جراحية في عدة مشاف خاصة، أن استخدام الرابيد تيست بطريقة مخالفة للبروتوكول وصل إلى حد التوسع في الاعتماد عليه قبل إجراء العمليات الجراحية والإدخالات كما يرصد، ما قد يسهم في نشر المرض بالاعتماد على نتائج غير دقيقة، وفق قوله. وهو ما حذرت منه منظمة الصحة العالمية في إرشاداتها السابقة مؤكدة أن الاختبار السريع نسبة إعطائه نتائج أدق تكون في الأيام الخمسة الأولى من المرض، بعد ذلك غالبا ما تنخفض الأحمال الفيروسية فيعطي الاختبار السريع نتائج سالبة كاذبة.

الصورة
رابيد تيست 2

وتجلى الإخلال بشروط الاستخدام في سماح مشاف خاصة بإجرائه داخل المختبر لأي شخص، كما وثقت معدة التحقيق في 5 مشاف خاصة، توزعت في العاصمة والزرقاء وإربد، وتعد هذه مخالفة واضحة لتعليمات وزارة الصحة بحصر استخدامه للحالات الطارئة التي تحتاج إدخالا إلى المستشفى وفق الغزو الذي يؤكد لـ"العربي الجديد" أن الوزارة سمحت للمشافي الخاصة باستيراد الاختبار السريع شريطة التزامها بالبروتوكول الذي أقرته الوزارة ويعدّ سماحها بإجرائه كأي فحص تجاوزا لتعليمات الوزارة.

ويقتصر وجود الاختبارات السريعة للكشف عن كوفيد-19 في المشافي ولا يسمح للمختبرات الخاصة باستخدامه كما لا يباع في الصيدليات، بحسب الغزو الذي يقول أنه تكلفته تتراوح بين 3 دنانير (4 دولارات) إلى 5 دنانير (7 دولارات) ليس أكثر، في حين يوثق التحقيق أن الأسعار تتراوح بين 7 و 10 دنانير، أي ما يعادل 10 دولارات و14 دولارا.

المساهمة في نشر المرض

يربط عضو اللجنة الوطنية للأوبئة سابقا الدكتور عزمي محافظة، بين دقة نتائج الاختبار السريع وطريقة استخدامه، قائلا إن النتائج تكون دقيقة فقط عندما تكون هناك أعراض أو يكون الشخص مخالطا، لذلك يفيد لكشف الحالات المصابة في مناطق البؤر، أما خلاف ذلك فالأفضل اللجوء إلى فحص بي سي آر.

وهو ما تؤكده أخصائية علم الجراثيم في جامعة العلوم والتكنولوجيا الدكتورة سهيلة الشبول، بقولها أن نسبة الخطأ في نتيجة الاختبار السريع تتعلق بالنتيجة السالبة غالبا، بمعنى أن نسبة الخطأ في أن تكون النتيجة سالبة لكن الشخص مصاب بالمرض فعلا، يمكن أن تصل إلى 50% ويمكن أن يؤدي ذلك إلى عواقب وخيمة بينما نحاول احتواء انتشار كورونا، في حين أن نسبة الخطأ في النتيجة الموجبة منخفضة جدا.

هذا ما يؤكده الطراونة من خلال عمله في المستشفيات واطلاعه عن قرب على النتائج التي يعتقد أنها "كارثية" بسبب استخدام هذا الاختبار قائلا أن "مصابين وصلوا لمرحلة الإلتهاب الرئوي وإلى حالات متقدمة في الإصابة، بينما ظل اختبار كورونا السريع يعطي نتيجة سالبة"، مؤكدا أنه من غير الممكن تشخيص الإصابة بكورونا دون التشخيص السريري وفحص بي سي آر".

يعطي اختبار كورونا السريع نتائج أدق في الأيام الخمسة الأولى

ويكشف ممرض في مشفى حكومي بعمان، طلب إخفاء اسمه حرصا على عدم مواجهة مشاكل وظيفية، أنه شهد إصابة الطاقم الطبي المشرف على عملية مريض، فُحص بواسطة الاختبار السريع قبل العملية فكانت النتيجة سالبة، ليتبين لاحقا أنه مصاب وثبت ذلك بعد ظهور أعراض المرض وإجراء بي سي آر.

ومرّ طبيب التخدير في مستشفى السلط الحكومي الدكتور لؤي محمد يوسف، بهذه التجربة إذ اكتشف إصابته بكوفيد-19 بعد مشاركته في عملية جراحية لمريض ثبتت إصابته بعد يومين من الجراحة، وبحسب روايته فإن "انتقال العدوى داخل غرف العمليات ضعيف لأن الطاقم المشارك يأخذ الاحتياطات اللازمة والمكان معقم، لكن احتمالية انتقال العدوى تزداد أثناء رقود المريض بالمشفى لمراقبة حالته، إذ يكون الأطباء والممرضون على تماس مباشر به، مرتكنين إلى نتيجة الرابيد تيست السالبة، حتى بدأت أعراض كورونا بالظهور عليه عقب يومين من الجراحة".

وبحسب الطراونة، فإن تبعات اعتماد نتائج الاختبار السريع تتضح في ارتفاع أعداد الإصابات بين أفراد الطواقم الطبية منذ البدء باستخدامه. إذ بلغ عدد وفيات الأطباء بسبب كوفيد-19 منذ بداية الجائحة وحتى الآن 40 وفاة، بحسب القائم بأعمال نقابة الأطباء محمد رسول الطراونة.

ويرد الغزو على ما يوثقه التحقيق بالتشكيك في وجود مخالفات صارخة لبروتوكول الوزارة في استخدام الاختبار السريع، "وإلا لتحولت المشافي إلى بؤر وبائية" وفق قوله، مرجعا نتائج الاختبار الخاطئة إلى استخدامه بطرق غير صحيحة، بخاصة أن دقة نتائجه تعتمد على أوقات التعرض للفيروس ومدة التعرض، في حين لا يكشف عن الأشخاص الحاملين للفيروس، ويضرب مثالا بنجاعة الاستعانة به في بؤر تفشي الوباء.

30 نوعا من الاختبار

توضح المؤسسة العامة للغذاء والدواء في ردها المكتوب على "العربي الجديد" أن استيراد اختبار كورونا السريع يخضع لمواصفاتها وأنها تلزم الشركات ألا تقل دقة الفحص وحساسيته عن 97%، مضيفة أن 30 نوعا من اختبارات تشخيص كورونا السريعة تستخدم في المشافي الأردنية الحكومية والخاصة.

لكن منظمة الصحة العالمية ووفقا لردها المكتوب على "العربي الجديد" اعتمدت 4 اختبارات سريعة فقط للاستخدام الطارئ، وكانت قد أخضعتها لاختبارات صارمة وهي: Panbio COVID-19 Ag Rapid Test Device (NASAL) ،Sure Status COVID-19 Antigen ،Standard Q covid-19 AgTest.

والاختبار الرابع هو Panbio COVID-19 Ag Rapid Test Device (NASOPHARYNGEAL)، الذي يتم استخدامه في المشافي الحكومية في الأردن، وقد طورته شركة أبوت "Abbott Rapid Diagnostics Jena GmbH"، ويصفه محافظة بأنه يتمتع بدقة عالية تصل إلى 96%.

ومن الأنواع المستخدمة في مشاف خاصة ورصدتها "العربي الجديد" اختبار "Antigen Rapid Test Nasal/Saliva" المطور بواسطة شركة Acon العالمية، و"Rapid COVID-19 Antigen-Test" من شركة  healgen Scientific في أميركا، وRapid Antigen Test من شركة Roche السويسرية، وActim SARS-CoV-2 test فنلندي المنشأ.

الصورة
رابيد تيست

ويؤكد مدير الأجهزة الطبية والمستلزمات في المؤسسة العامة للغذاء والدواء الدكتور سليم محروق، أن فرق التفتيش التابعة للمؤسسة تتابع بشكل مستمر لضمان بيع أجهزة الاختبار السريع للجهات الطبية المصرح لها فقط وعدم تداولها في السوق المحلي، كما سحبت اختبارات متضررة تعطي نتائج غير دقيقة.