أغاني المديح النبوي: فم الزمان تبسّمٌ وثناءُ

أغاني المديح النبوي: فم الزمان تبسّمٌ وثناءُ

10 نوفمبر 2019
أدّت الست مدائح من قصائد شوقي وألحان السنباطي (Getty)
+ الخط -
في مسيرة الغناء العربي الحديث والمعاصر، يمثّل المديح النبوي والتغني بشمائل النبي محمد، ميداناً رحباً لإبداع الشعراء والملحنين والمطربين. وهو ميدان يختلف تماماً عن مديح مشايخ الإنشاد، وقرّاء المولد، من أمثال علي محمود، وطه الفشني، وإبراهيم الفران، ومحمد الفيومي، وعبد السميع بيومي، وغيرهم من أعلام الإنشاد الديني.

عند رصد الفروق بين مديح المشايخ، وأغنيات المديح التي يؤديها المطربون والمطربات، يتضح أن النوع الأول تغلب على نصوصه "العربية الفصيحة". أما النوع الثاني، فمنه الفصيح، ومنه العامي. كما أن بعض نصوص الإنشاد المشيخي، هي تراث موروث، يكرّره شيوخ الإنشاد، مع اختلاف طرائق أدائهم، مثل مولدي "المناوي" و"البرزنجي". وموسيقياً، يقتصر عمل الملحن على الأجزاء التي تؤديها "البطانة"، ليأتي أداء المنشد ارتجالاً، وتفنناً في التسلم والتسليم. أما في الأغاني، فيطاول التلحين النص المغنى كله، سواء ما يؤديه الكورال -إن وجد- أو ما يؤديه المطرب أو المطربة.


نبويات أم كلثوم
لعل من أهم ما تحفظه الذاكرة الفنية في هذا المجال، تلك القصائد الخالدة التي صاغها أمير الشعراء أحمد شوقي، ولحنها الموسيقار رياض السنباطي، وهي بترتيب ظهورها "سلوا قلبي" عام 1946، و"نهج البردة" 1948، و"ولد الهدى" 1949.

جاءت قصيدة "سلوا قلبي" في ديوان شوقي بعنوان "في ذكرى المولد النبوي"، وقد اختارت أم كلثوم منها أبياتاً تجعل من مديح الرسول طاقة دافعة للمصريين ليواجهوا الاحتلال البريطاني، ولا سيما مع اللحن الحماسي لرياض السنباطي، أما "نهج البردة" فقد اختارت أم كلثوم منها 30 بيتاً، ولحّنها أيضا سيد ملحني القصيدة العربية رياض السنباطي.

وفيها تغني أم كلثوم: "لزمت باب أمير الأنبياء ومن.. يمسك بمفتاح باب الله يغتنم.. محمد صفوة الباري ورحمته.. وبغية الله من خلق ومن نسم". وتبلغ القصيدة ذروتها مع الأبيات التي تقول: "حتى بلغت سماء لا يطار لها.. على جناح ولا يسعى على قدم.. وقيل كل نبي عند رتبته.. ويا محمد هذا العرش فاستلم". كانت "نهج البردة" من أجمل أغنيات المديح النبوي.

وثالث هذه الشوقيات الخالدة، قصيدة "ولد الهدى"، وهي لا تبدأ بالغزل كما في "سلوا قلبي" و"نهج البردة"، وإنما تعالج المديح من أول بيت: "ولد الهدى فالكائنات ضياء.. وفم الزمان تبسم وثناء". وبالطبع لا ينسى المستمعون الأبيات الشهيرة: "فإذا سخوت بلغت بالجود المدى.. وفعلت ما لا تفعل الأنواء.. وإذا عفوت فقادرا ومقدرا.. لا يستهين بعفوك الجهلاء.. وإذا رحمت فأنت أم أو أب.. هذان في الدنيا هما الرحماء".





أيقونة أسمهان
ومن خوالد غناء المديح النبوي، "عليك صلاة الله وسلامه" التي كتبها الزجال الكبير بديع خيري، ولحنها الموسيقار فريد الأطرش، وشدت بها صاحبة الصوت الآسر أسمهان، ويقول مطلعها: "عليك صلاة الله وسلامه.. شفاعة يا جد الحسنين.. دا محملك رجعت أيامه.. هنية واتملت به العين". ثم يصف المؤلف زيارة الحجاج لقبر النبي صلى الله عليه وسلم، فيقول: "وفي المدينة نالوا القبول.. بنور نبينا طه الرسول.. يا بخت زواره بإكرامه.. عليك صلاة الله وسلامه".

تحفظ الذاكرة السينمائية أغنية ليلى مراد "يا رايحين للنبي الغالي" من تأليف أبو السعود الإبياري، وألحان الموسيقار رياض السنباطي، وتقول: "يا رايحين للنبي الغالي.. هنيالكم وعقبالي.. يا ريتني كنت وياكو.. واروح للهدى وازوره.. وأبوس من شوقي شباكه.. وقلبي يتملى بنوره". صارت الأغنية علامة مميزة في توديع الحجاج.

وبنفس العنوان "يا رايحين للنبي" مع كلمات مختلفة، غنت حورية حسن، من نظم الشاعر إبراهيم سرحان، وألحان كامل أحمد علي، وتقول كلماتها: "يا رايحين للنبي.. تأدوا فرض الله.. منايا ومطلبي.. أحج بيت الله.. بالكعبة والحرمين يا رب توعدني.. دا نور نبينا الزين هو اللي يسعدني.. ونطب المدينة.. ونمتع عنينا.. يا رايحين للنبي".





لأجل النبي
ومن الأغنيات الشهيرة التي اتسمت بالبساطة الشديدة أغنية "لأجل النبي" لمحمد الكحلاوي، وربما ساهمت صياغتها العامية، وسهولة كلماتها في انتشارها انتشارا واسعاً، فكان يتغنى بها العمال والفواعلية متأثرين بما فيها من طلب شفاعة الرسول والتوسل به إلى الله ليقبل صلاتنا عليه. تقول كلماتها: "لأجل النبي.. تقبل صلاتي على النبي.. يا إله الكون كن لي.. أنت عالم بي كلي.. يظلموني أنت شايف.. يتهموني برضه عارف.. من عبادك إيه حصلي.. أنا في جاه النبي.. تكرم عبيدك والنبي.. لأجل النبي".

كما أنشد الكحلاوي أغنية "النبي غالي"، وتحمل كلماتها كل معاني الشوق لزيارة المدينة المنورة، وقبر الرسول، وسكب دموع الندم على أعتابه، تقول: "النبي غالي وبلاده بعيد.. دايما في بالي والشوق بيزيد.. منايا يا كحيل العين أشوف النور على بابك.. وأطوف الكعبة والحرمين وأعيش العمر على بابك.. وأتمنى ويحالي.. تراب أرضك شرف غالي.. حبيبي يا حبيب الله.. هجيلك ماشي على قدمي.. وأزورك يا رسول الله وامحي بالدموع ندمي".

وغنت الفنانة الكبيرة سعاد محمد، أغنية جميلة بعنوان "النبي تبسم"، من كلمات الشاعر فؤاد حداد، وألحان الشيخ سيد مكاوي، وتقول كلماتها: "النبي تبسم.. يا مكة بطاحك.. شافت سن ضاحك.. من ليلك صباحك.. لما أن تبسم.. يا هادي يا هادي.. يا نور الوهاد.. يا ضي المهاد.. يا شفا يا بلسم".

أما المطرب الملحن أحمد عبد القادر، الذي اشتهر بأغنيته الرمضانية "وحوي يا وحوي"، فغنى "يوم ميلادك يا نبي أفراح هنية"، كما غنى "يا حبيب الله يا سيد الكونين مدد"، و"امتى نعود لك يا نبي".. كان عبد القادر فارساً من فرسان الغناء الديني، وكان مؤذنا لمسجد الإمام الحسين، فكان لمديح النبي في غنائه حظ وافر.

وأنشد محمد قنديل قصيدة في مديح الرسول، نظمها إمام الصفطاوي، ولحنها الموسيقار عبد العظيم عبد الحق، وتقول كلماتها: "غنى الورى واحتفى.. بمولد المصطفى.. وطاف نور الصفا.. على جناح الغناء".




لفيروز نصيبها
أما فيروز، فأنشدت قصيدة رائعة في مدح الرسول، من نظم ابن جبير الشاطبي، وألحان الأخوين رحباني. يقول مطلعها: "أقول وآنست بالليل نارا.. لعل سراج الهدى قد أنارا.. وإلا فما بال أفق الدجى.. كأن سنا البرق فيه استطارا". إلى أن تقول: "جرى ذكر طيبة ما بيننا.. فلا قلب في الركب إلا وطارا.. حنينا إلى أحمد المصطفى.. وشوقا يهيج الضلوع استعارا".

المؤكد أن غناء فيروز لهذه القصيدة في مديح نبي الإسلام، كان لافتا ومبهرا، ومثل رسالة سلام ومحبة لكل المسلمين، من مطربة لها جماهيرية واسعة بين الشعوب العربية وإن اختلفت أديانهم.

ومن المطربات اللائي تمتعن بقدرة كبيرة على أداء الغناء الديني والمديح النبوي، شافية أحمد، ونذكر من أغنياتها: "الله على نور النبي" من كلمات نبيل الفكهاني، وألحان أحمد صدقي، و"ومحمد رسول الإنسانية" كلمات عبد الحميد ربيع، وألحان شفيق محمد، وقصيدة "يا رسول الله" كلمات علي الفقي، وألحان سيد مكاوي، ويقول مطلعها: "في رحاب الطهر من روضة طه والبقيع.. هاجني الشوق فناجيت وقد فاضت دموعي.. كن شفيعي يا رسول الله يا خير شفيع".

ولها أيضاً: "صلوا على بدر التمام.. يشفع لنا يوم الزحام.. ألفين صلا وألفين سلام.. ع المصطفى خير الأنام.. من يوم ميلادك والنور لاح.. ياللي صباحك أحلى صباح.. يا بدر ومنور في سماه.. مدد مدد يا رسول الله".

وأنشد الشيخ سيد مكاوي من ألحانه أغنية "رسول السلامة". تقول كلماتها: "محمد نبينا سراج الأنام.. شفيع البرايا في يوم الزحام.. رسول السلامة.. نبي الإنسانية.. عليه الصلاة وأزكى السلام".

ولا ينسى الجمهور تلك الأغنية التي ختمت بها الفنانة شادية مسيرتها الفنية "خد بإيدي" التي كتبتها الشاعرة الإسلامية علية الجعار، ولحنها عبد المنعم البارودي، وتقول كلماتها: "جه حبيبي وخد بإيدي.. قلت له أمرك يا سيدي.. جه وعرفني طريقي وسكتي.. وفي هداه ونوره مشيت خطوتي.. وفحماه هلت بشاير فرحتي.. والأمان فرد الجناح على دنيتي". رغم بساطة الكلمات وسهولة اللحن، إلا إن الأغنية كان لها صدى كبير، بسبب الأداء الصادق لشادية وتأثرها الواضح بمعاني كلماتها.

قدم المطرب الشعبي محمد رشدي، عدة أعمال لمدح الرسول، منها: "الله الله يا رسول الله"، من كلمات الشاعر جمال بخيت، وألحان عبد العظيم محمد، وكذلك قدم أغنية "النبي العربي"، وتقول كلماتها: "العربي محمد.. عليه السلام.. أمدحك يا محمد.. يا خير الأنام.. نبي أذكره لو أخاف أو أحزن.. حزني يزول ويروح الخوف.. قال جادلوهم بالتي هي أحسن.. وكلموهم بالمعروف".



ياسمين الخيام
من المحطات المهمة في الغناء بمدح النبي، أغنية ياسمين الخيام الشهيرة "محمد يا رسول الله" التي كتبها الشاعر الغنائي عبد الفتاح مصطفى، ولحنها جمال سلامة، وكانت السبب الرئيس لشهرة ياسمين الخيام. وتقول كلماتها: "محمد يا رسول الله.. يا حبيب الله.. يا أمين الله.. يا نبي الله.. دعوة إبراهيم.. ونبوءة موسى.. ترنيمة داود.. وبشارة عيسى.. محمد في الغيوب.. في لوحها المكتوب.. بشرى تهز القلوب.. بالرحمة المهداه.. والرسل والأنبياء.. صرح عظيم البناء.. بناه رب السماء.. محمد منتهاه". أنشدت ياسمين الخيام عدة أغنيات من المديح النبوي، منها: أم النبي، أنت فينا يا رسول الله، ويا سيد الخلق يا طه.

ولم يغب الغناء بمديح الرسول عن مطربي الجيل المعاصر، ومنهم الفنان هاني شاكر، الذي غنى: "خير خلق الله.. حبيب الله محمد.. ابن عبد الله.. رسول الله محمد.. نفسي أشوفك يا شفيع العالمين.. جوه مني حب.. وجوه قلبي نورك.. قلبي داب يا سيدي.. وحلم عمري أزورك".

ولهاني شاكر أيضا أغنية "حبيبي يا رسول.. يا أعظم كل خلق الله.. قلوبنا اتجمعت في الجرح.. في لحظة وقالت لأ.. طوفان الغضب بيهز.. كل الكون بكلمة حق.. وهي من كلمات الشاعر الراحل بشير عياد".

أما محمد ثروت، فربما كان أكثر المطربين المعاصرين تغنيا بمديح الرسول، وإحياء للمحافل الغنائية الدينية التي اشتهرت بـ"الليالي المحمدية". نذكر مما غناه روضة الهادي نبينا، ويا رسول الله أجرنا. كما تعاون ثروت مع الشاعر بشير عياد والملحن سامي الحفناوي في عدد من الأعمال الغنائية الخاصة بمدح النبي، ومنها: صلوا عليه، والمثل الأعلى، وهي أغنية للأطفال، وأيضا "نور النبي"، وتقول كلماتها: "يا عاشق.. اعشق جمال سيدنا النبي.. القلب هام.. حوالين مقام.. سيدنا النبي.. يا رب صلي ع الحبيب.. واهدي البعيد.. واهدي القريب.. وارزق جميع المشتاقين.. نور النبي.. يا رب صلي ع الأمين.. في الأولين والآخرين.. وافتح لنا باب الرضا.. باب النبي".

ومن الأصوات النسائية التي كان لها نصيب كبير من التغني بمدح الرسول، زينب يونس، فأنشدت من كلمات الشاعر محمد التهامي، وألحان فؤاد حلمي "صلوا على المختار"، وغنت من أشعار علية الجعار وألحان عبد المنعم الحريري، "مولاي صلي وسلم.. على حبيبك محمد.. ختم رسالتك وتمم.. والكون يوحد ويشهد.. كما غنت من كلمات الشاعر عبد الوهاب محمد، وألحان جمال سلامة: نبينا هادينا رسول الأنام.. بداية الهداية ومحو الظلام.. رجانا وشفيعنا في يوم الزحام.. كمال النبوة ومسك الختام".

وأيضا من أغنيات المطربين المعاصرين، في مدح النبي صلى الله عليه وسلم، نذكر "مدد يا رسول الله مدد" لمحمد منير، "إلا رسول الله" لإيهاب توفيق، و"محمد نبينا" لحمادة هلال، و"في حضرة المحبوب" لوائل جسار، و"على النبي صلوا" لحسين الجسمي.

الأعمال المذكورة هي مجرد أمثلة، ومحطات في مسيرة المديح النبوي المغنى، وهي في كثرتها وتنوعها وامتدادها عبر العقود المتوالية، تؤكد أن هذا اللون سيتجدد بتجدد الاحتفال بذكرى ميلاد النبي الأكرم.

المساهمون