مسلمو الفيليبين: نهاية قرون العزلة

مسلمو الفيليبين: نهاية قرون العزلة

26 يوليو 2018
لا يوجد إحصاء دقيق لعدد مسلمي الفيليبين (جيس أزنار/Getty)
+ الخط -

يملك جنوب الفيليبين تاريخاً طويلاً من النزاعات والحروب الداخلية مع مجموعات مسلحة متنوعة، من الانفصاليين الإسلاميين، والشيوعيين، ومليشيات المخدرات والتهريب والعصابات. لكن مع إقرار البرلمان، أول من أمس، مشروع قانون للحكم الذاتي لمنطقة مينداناو، التي يعيش فيها شعب مورو المسلم، جنوبي البلاد، والذي أسقط مع الزمن مطلبه بإقامة دولة خاصة به، يأمل الكثيرون في تسوية واحدة من أطول التمردات الإسلامية الانفصالية في آسيا.

ومن المؤكد أن الرئيس الشعبوي، رودريغو دوتيرتي، سيكسب سياسياً من الموضوع، إذ إنه سيُعتبر الرئيس الذي أوقف شلال الدم في بلاده، وذلك على الرغم من أن المفاوضات على منح مناطق ذات غالبية إسلامية في جنوب الفيليبين انطلقت منذ عشرات السنين. وكان دوتيرتي وعد شعب مورو بأنه سيساعدهم في إنهاء الظلم الواقع عليهم جراء عقود من التجاهل والإهمال. ويهدف دوتيرتي إلى منع ظهور تنظيم "داعش" مجدداً جنوبي البلاد، خصوصاً بعد المعركة الدامية التي وقعت في بلدة ماراوي يونيو/حزيران عام 2017، والتي أدت إلى سقوط مئات القتلى والجرحى ووقوع دمار كبير في المنطقة.

ويتبدى هذا الأمر في تصريح لرئيس "جبهة تحرير مورو الإسلامية"، مراد إبراهيم، الذي أشاد بالمصادقة على القانون الذي سينهي قرابة نصف قرن من القتال المتقطع الذي خلف ما يزيد على 120 ألف قتيل وأعاق التنمية في أفقر مناطق البلاد. وقال مراد إنه من الأهمية بمكان أن يتم تنفيذ اتفاق السلام بالكامل، مشيراً إلى أن المحاولات الفاشلة السابقة أجبرت بعض المقاتلين على الانفصال وتشكيل مجموعات أكثر تشدداً، مثل جماعة أبو سياف، التي تصنفها الولايات المتحدة والفيليبين على أنها منظمة إرهابية. وأضاف "يمكننا أن نستنتج تقريباً أن كل هذه المجموعات المنشقة جاءت نتيجة الإحباط من عملية السلام"، مشيراً إلى أن التأخير في اتفاق السلام دفع بعض المسلحين إلى الانفصال عن جبهة مورو. وكان هؤلاء المسلحون من بين المقاتلين الذين أقسموا بالولاء لتنظيم "داعش" وحاصروا مدينة مراوي جنوباً العام الماضي. وطردت القوات الفيليبينية، المدعومة من طائرات الاستطلاع الأميركية والأسترالية، المسلحين بعد خمسة أشهر من الغارات الجوية والهجمات البرية التي خلفت أكثر من 1200 قتيل، معظمهم من المقاتلين الإسلاميين، ودماراً في المدينة. وقال مراد إن الجماعات المتشددة يمكن أن تعود إلى حظيرة المجتمع إذا نجحت اتفاقية السلام واحتضنها الشعب.

وصادق مجلس النواب الفيليبيني، على قانون يمنح الحكم الذاتي لمنطقة مينداناو، وذلك بعد ساعات من مصادقة مجلس الشيوخ على مشروع قانون يحمل اسم "قانون بانغسامورو الأساسي"، والذي يعطي صلاحيات اقتصادية وسياسية واسعة للمناطق ذات الغالبية المسلمة في جنوب الفيليبين. ويسعى التشريع إلى استبدال منطقة حكم ذاتي ابتليت بالفقر والنزاعات بأخرى أكبر حجماً ونفوذاً وذات تمويل أفضل، تسمى بانغسامورو، للأقلية المسلمة في الثلث الجنوبي من الدولة ذات الغالبية الساحقة من الكاثوليك.

ويسمح "قانون بانغسامورو" للسلطة المحلية بالسيطرة على أموال عائدات الموارد الطبيعية، على أن يتم تقاسم عائدات النفط الصخري واليورانيوم مناصفة مع الحكومة المركزية في مانيلا. وسيكون الجيش والشرطة الفيليبينيان مسؤولين عن الأمن في المنطقة، على أن يتم في ما بعد إنشاء قوات شرطة إقليمية. ويسمح للمقاتلين السابقين في "جبهة تحرير مورو الوطنية" و"جبهة تحرير مورو الإسلامية" بالانضمام إلى الشرطة. ويعرف القانون المسلمين بأنهم "أولئك الذين كانوا، خلال الاستعمار البريطاني، من السكان الأصليين في مينداناو وأرخبيل سولو والجزر الملاصقة". ويشرح القانون عملية الانتقال إلى سلطة الحكم الذاتي، موضحاً أن دوتيرتي سيعين 80 عضواً في السلطة الانتقالية، بالإضافة إلى تعيينه رئيس حكومة لترؤس حكومة محلية مؤقتة، بهدف إجراء انتخابات برلمانية في عام 2022.

ويعيش معظم مسلمي الفيليبين، المعروفين باسم "شعب مورو" (مزيج ديني قومي)، في جنوب البلاد، خصوصاً في جزيرة مينداناو وأرخبيل جزر سولو. وتعد مينداناو ثاني أكبر جزيرة في الفيليبين بعد لوزون. وتبلغ مساحة الجزر التي يقطن فيها المسلمون نحو 117 ألف كيلومتر مربع، من أصل مساحة الفيليبين البالغة 300 ألف كيلومتر مربع. وينحدر الفيليبينيون من أصول إندونيسية ومالاوية، ويعيشون على سبعة آلاف ومائة جزيرة، وينقسمون إلى أكثر من 70 مجموعة عرقية ولغوية، ويبلغ تعدادهم نحو 100 مليون نسمة، يدين 80 في المائة منهم بالمسيحية. ولا يوجد إحصاء دقيق عن عدد مسلمي الفيليبين، فالتقديرات الحكومية تؤكد أن عددهم لا يزيد على خمسة ملايين نسمة، فيما تشير تقديرات إلى أن عددهم يبلغ 10 ملايين نسمة. وهناك ثلاث مجموعات تعتبر نفسها أنها تمثل المسلمين في الفيليبين، وهي "جبهة تحرير مورو الوطنية"، و"جبهة تحرير مورو الإسلامية"، وجماعة أبو سياف. والجماعتان الأخيرتان انشقتا عن "جبهة تحرير مورو الوطنية".

تاريخ من القمع والحروب والمفاوضات

وتعود تسمية المسلمين في الفيليبين بـ"شعب مورو" إلى الاستعمار الإسباني، في عام 1521، والذين أطلقوا اسم الفيليبين على المنطقة نسبة إلى الملك الإسباني فيليب الثاني آنذاك. ويعود الخلاف بين السلطات الفيليبينية والمسلمين في البلاد إلى عام 1946، إذ طالب المسلمون، بعد الحرب العالمية الثانية، بالحصول على استقلالهم، لكن رفض الحكومة هذا الأمر أدى إلى دخول البلاد في مواجهة دامية بلغت أوجها في عهد الرئيس الأسبق، فرديناند ماركوس. وكانت أولى الجبهات هي "جبهة تحرير مورو الوطنية" سنة 1972، غير أنها عرفت انشقاقات عديدة، فقد خرجت منها "جبهة مورو الإسلامية" في 1977 بزعامة سلامات هاشم، الذي خلفه زعيم "الجبهة الإسلامية" حالياً مراد إبراهيم في العام 2003. وكان سبب الانشقاق، حسب "جبهة مورو الإسلامية"، أن تيار "الجبهة الوطنية" بدأ يتقرب من الحكومة الفيليبينية. كما انشقت جماعة أبو سياف ذات التوجه "الجهادي" عن "جبهة التحرير الوطنية" في عام 1991. ومؤسسها هو عبد الرزاق جان جيلاني، المعروف باسم أبو سياف، والذي خلفه بعد مقتله في عام 1998 شقيقه قذافي الزنكلاني. وهذه الجماعة من أصغر وأكثر الجماعات الإسلامية تشدداً، وهي تتمسك بإنشاء دولة إسلامية غربي جزيرة مينداناو. وتصنفها مانيلا وواشنطن على أنها حركة إرهابية.

وبعد حروب طويلة، أدت إلى سقوط عشرات آلاف القتلى وزادت من حدة الفقر، بدأت الحكومات الفيليبينية المتعاقبة والمتمردين الإسلاميين الجنوح نحو التفاوض. ورعت منظمة المؤتمر الإسلامي، بدعم من الأمم المتحدة، أولى المفاوضات بين الطرفين في مدينة جدة السعودية في العام 1975. وعقدت جولة أخرى، في ديسمبر/كانون الأول 1975 في ليبيا تمخض عنها توقيع اتفاق طرابلس في 1976، والذي نص على منح المسلمين حكماً ذاتياً، غير أن الاتفاق ظل حبراً على ورق طيلة 20 سنة. وفي سنة 1996 وقعت "جبهة تحرير مورو" في العاصمة الليبية طرابلس على اتفاق عرف باتفاق طرابلس الثاني، ويعطي حكماً ذاتياً لأربع مناطق في بانغسامورو بدل 13. ونص الاتفاق على مرحلة انتقالية لمدة ثلاث سنوات على أن تشهد خلالها المناطق ذات الغالبية الإسلامية مشاريع تنموية، ويلي ذلك استفتاء لتحديد مناطق الحكم الذاتي. غير أن مجلس السلام والتنمية لجنوبي الفيليبين، وهو هيئة تضم جبهة مورو الوطنية ومنظمات غير حكومية ومسؤولين محليين، عجز عن تطبيق مشروع السلام.

ومنذ عام 1997، دخلت الجبهة الإسلامية في مفاوضات سلام مع الحكومة. وفي عام 2008، أعلنت حكومة الرئيسة السابقة غلوريا أرويو أنها توصلت إلى اتفاق مع الجبهة على حدود الحكم الذاتي للمسلمين، لكن المحكمة العليا في الفيليبين اعتبرت أن هذا الأمر مناقض للدستور، ما أدى إلى انفجار العنف مجدداً. يشار إلى أن قانون "بانغسامورو الأساسي" كان تتويجاً لاتفاق سلام وقع بين الحكومة الفيليبينية و"جبهة مورو الإسلامية" قبل 4 سنوات، خلال فترة ولاية الرئيس السابق، بينينو أكينو الثالث، الذي فشل في تمرير القانون قبل تركه الحكم في عام 2016.

المساهمون