صهر بن علي يبرم أول اتفاقية "تحكيم ومصالحة" بتونس

صهر بن علي يبرم أول اتفاقية "تحكيم ومصالحة" بتونس

05 مايو 2016
الخلافات السياسية محتدمة بشأن قانون المصالحة التونسية (فرانس برس)
+ الخط -
أعلنت "هيئة الحقيقة والكرامة"، المكلفة بتفعيل قانون "العدالة الانتقالية" بتونس، أن المكلف العام بنزاعات الدولة لدى وزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية أبرم، اليوم الخميس، "أول اتفاقية تحكيم ومصالحة"، استفاد منها سليم شيبوب، صهر الرئيس التونسي المخلوع، زين العابدين بن علي، المتورط في قضايا فساد مالي واستغلال نفوذ خلال فترة حكم نسيبه.

وبحسب ما أعلنت الهيئة، فإنه قد تم توقيع أول اتفاقية مع شيبوب للاستفادة من قانون العدالة الانتقالية، الذي صادق عليه البرلمان التونسي في ديسمبر/ كانون الأول 2013، وأحدثت بموجبه هيئة الحقيقة والكرامة، وهي هيئة دستورية لوقف المتابعات القضائية ضد المتورطين في "الاعتداء على المال العام" في عهد بن علي، شرط "اعتراف" مكتوب و"اعتذار صريح"، وإرجاع الأموال المنهوبة إلى الدولة. 

وطلب شيبوب (57 عاما)، وهو رجل أعمال ورئيس سابق لفريق "الترجي"، أحد أعرق أندية كرة القدم في تونس، والملاحق في قضايا فساد واستغلال نفوذ في عهد بن علي، الذي حكم تونس من 1987 إلى 2011، "المصالحة" مع الدولة التونسية، قبل أن تعلن موافقتها على الطلب وتبرم اتفاقية التحكيم.

وكان سليم شيبوب قد غادر تونس إبان الثورة التي أطاحت بنظام بن علي يوم 14 يناير/ كانون الثاني 2011، وأقام نحو 4 سنوات في دولة الإمارات العربية المتحدة. 

وقد صدرت ضد رجل الأعمال التونسي مذكرة توقيف فور عودته إلى البلاد يوم 18 نوفمبر/ تشرين الثاني 2015، من أجل قضايا فساد.


وفي 12 يناير/كانون الثاني 2016، أفرج القضاء مؤقتا عن شيبوب بسبب انتهاء المدة القانونية القصوى للتوقيف، والمحددة بـ14 شهراً. 

وفي تصريح لـ"فرانس برس"، قال خالد الكريشي، رئيس لجنة التحكيم والمصالحة، وهي إحدى لجان هيئة الحقيقة والكرامة، معلقا على إبرام اتفاقية "تحكيم ومصالحة" بين شيبوب والحكومة: "هذه شجاعة، خصوصاً من سليم شيبوب، وأيضاً من وزير أملاك الدولة والشؤون العقارية، حاتم العشي، الذي وافق على المبدأ". وأوضح أنه يتعيّن، بحسب قانون العدالة الانتقالية "فض الخلاف بين الدولة وطالبي التحكيم والمصالحة في أجل لا يتعدى 3 أشهر من تاريخ إبرام اتفاقية" في هذا الشأن. 

وكانت الخلافات الحزبية داخل تونس قد تفاقمت، أخيراً، عقب إطلاق مشروع المصالحة واسترداد أموال الرئيس التونسي المخلوع ورموز نظامه، بحيث شنت "الجبهة الشعبية" (اليسار العمالي) انتقادات حادة لخطة المصالحة، في الوقت الذي تؤيد فيه حركة "النهضة" الخطوة، بهدف إنقاذ اقتصاد البلاد. 

ويأتي موقف "الجبهة الشعبية" رداً على مبادرة المصالحة التي أعلن عنها رئيس "النهضة"، راشد الغنوشي، إثر مقابلته الرئيس التونسي، الباجي قائد السبسي، في وقت سابق.

وقال رئيس كتلة الجبهة الشعبية في البرلمان، أحمد الصديق، لـ"العربي الجديد"، إن مبادرة المصالحة التي أعلن عنها رئيس حركة "النهضة" بطي صفحة الماضي لن تتم إلا بتفعيل العدالة الانتقالية، عبر تأسيس هيئة بعيدة عن المحاصصة الحزبية، معتبراً أن المصالحة بهذه الصورة لا تستقيم في دولة تحترم نفسها.

وأشار الصديق إلى شبهة صفقة في ملف المصالحة، موضحاً أن "الجبهة" ستتصدى بكل الوسائل المدنية والسياسية لهذه الخطة، بحيث لا يمكن التغاضي عن التركة الثقيلة للنظام السابق والتجاوزات التي ترتقي إلى مرتبة الجرائم. 

وتسعى الغالبية الحزبية في البرلمان (النهضة والنداء)، إلى الدفع نحو إجراء مصالحة وطنية شاملة لتحسين مناخ الأعمال في البلاد، وتشجيع رجال الأعمال الممنوعين من السفر ومن عليهم قضايا من النظام السابق، إلى ضخ أموالهم في الاقتصاد، مقابل تسوية أوضاعهم.


وتواجه مبادرة حركة "النهضة" انتقادات عديدة من أحزاب سياسية ومنظمات مجتمع مدني، عبّرت عن رفضها للمصالحة، أو ما سمّته بسياسة "عفا الله عمّا سلف"، معتبرين أن القانون يفتح الباب على مصراعيه للفساد ولمزيد من ثراء "الفاسدين" بغطاء قانوني ومباركة حكومية.

في المقابل، يشدّد مراقبون للشأن الاقتصادي على أهمية هذه الخطوة في حلحلة الوضع المتأزم وخلق مناخ من الثقة في الاستثمارات المحلية، إلى جانب طمأنة المستثمرين الأجانب.

ويحتاج الاقتصاد التونسي إلى تمويلات في حدود 1.5 مليار دولار هذا العام لتغطية عجز الموازنة، فيما تواجه خزينة الدولة صعوبات في تحصيل الجباية لمواجهة نفقات الرواتب والاستثمارات العمومية، ما دفعها إلى التحرك للحصول على قروض من المؤسسات المالية الدولية.

ويعتبر الرئيس الشرفي لهيئة الخبراء المحاسبين، عياض اللومي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن المصالحة المالية والاقتصادية ضرورية، غير أن آليات إجراء هذه التسوية تتطلب الفصل بين الملفات والأشخاص المعنيين بالمصالحة، حسب قوله. 

ويعتقد اللومي أن رجال الأعمال سيتضررون من طي صفحة الماضي مع النظام السابق، قائلاً إن "المصالحة ستضعف ثقتهم في الحكومة، ولا سيما بالنسبة للاستثمار الداخلي، ما قد يؤدي إلى تعطيل عجلة الاقتصاد". 

ويرى الخبير الاقتصادي معز الجودي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن مشروع المصالحة شرط أساسي لإنعاش الاستثمار في تونس، إذ سيساهم في ضخ أموال لخزينة الدولة، مشيراً إلى أن هذا القانون سيمكّن تونس، بحسب الدراسات، من استعادة فورية لمبلغ 500 مليون دينار، أي نحو 250 مليون دولار، ما سيتيح تحسين مناخ الأعمال المتدهور حالياً.