"مدافن اليهود" قرب الأقصى: محاولات إسرائيلية للإيحاء بوجود الهيكل

17 أكتوبر 2019
المقابر اليهودية في جبل الزيتون (توماس كوكس/فرانس برس)
+ الخط -

تسعى سلطات الاحتلال الإسرائيلي، من خلال العمل الحثيث، إلى تغيير معالم مدينة القدس المحتلة من خلال الاعتداءات على أراضي الأوقاف الإسلامية في المدينة المقدسة، وبناء آلاف المدافن والقبور الوهمية لليهود شرقي المسجد الأقصى، تحديداً في المنطقة الواقعة بين وادي قدرون في سلوان وجبل الزيتون، حيث المقبرة اليهودية التي كانت قد أُقيمت على أراضي الوقف قبل أكثر من عشرة عقود. في السياق، يؤكد رئيس لجنة المقابر الإسلامية في القدس، مصطفى أبو زهرة، في حديث لـ"العربي الجديد"، تعليقاً على ما أعلن بشأن انتهاء الاحتلال من بناء 23 مدفناً لليهود أسفل تل يقع إلى الشرق من المسجد الأقصى، أن المنطقة التي تحوي قبور اليهود المقامة على سفوح جبل الزيتون تمتد من أعلى تلك السفوح وحتى وادي قدرون. وهي منطقة لم يكتفِ الاحتلال بما فيها من قبور ومدافن، بل قام خلال السنوات الخمس الماضية بزرع قبور وهمية، مدعياً أنها قبور يهودية قديمة عُثر عليها خلال أعمال الحفر التي تجري في منطقة واسعة حول البلدة القديمة من الناحيتين الجنوبية والشرقية للبلدة القديمة من القدس.

ويوضح أبو زهرة أنه لهذا الغرض جرت مصادرة ما مساحته 38 دونماً من أراضي الصلودحة الوقفية وزرعها الاحتلال بقبور وهمية، مدّعياً أنها مقبرة يهودية، علماً بأنها أرض أوقاف، وهناك حجج وقفية تثبت إسلامية تلك الأرض وعروبتها، في حين أن جميع مساحات الأراضي من حيّ عويس في رأس العامود، الواقعة في المنطقة الغربية، هي أراضي أوقاف أيضاً تم تحكيرها (فرض وصاية احتكاريّة على المنطقة) وفق نظام خاص بتأجير الأرض لسنوات طويلة كان معمولاً به في السابق.

والمقبرة اليهودية في جبل الزيتون قائمة على أرض وقف إسلامي منذ نحو 130 عاماً، وسبق أن جرى تحكيرها لمدة 99 عاماً لإحدى المؤسسات اليهودية لدفن الموتى اليهود فيها، وقد انتهت مدة التأجير طويلة الأمد منذ سبعينيات القرن الماضي تقريباً، وهناك وثائق موجودة في دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس تؤكد ذلك، وهي تقع على مساحة أرض تُقدّر بنحو 250 دونماً، شرقيّ المسجد الأقصى. مع العلم أنه خلال الأعوام القليلة الماضية نصبت شرطة الاحتلال 123 آلة تصوير في نقاط مختلفة بمحيط المقبرة لدواعٍ أمنية، وأقامت مركزاً لها داخل المقبرة.

والاعتداء على هذه الأراضي الوقفية، شكّل جزءاً من اعتداءات واسعة نفذها الاحتلال على تلك الأراضي وعلى المقابر الإسلامية في المنطقة، وخصوصاً مقبرة باب الرحمة، التي اقتطعت مساحات منها لتوسيع طريق استيطاني، فيما مُنع المسلمون من دفن موتاهم في جزء من المقبرة، الذي يُعرف بـ"مقبرة السلاونة". كذلك، حوّل الاحتلال ممراً يسلكه المسلمون وسط المقبرة لدفن موتاهم إلى مسار سياحي يشكل جزءاً من حزام سياحي حول أسوار البلدة القديمة من القدس، فضلاً عن بناء سور حديدي داخل المقبرة يقتطع أيضاً جزءاً منها، ثم تعدّت الاعتداءات على المقبرة إلى قيام مستوطنين وطواقم من سلطات الاحتلال بهدم أكثر من أربعين قبراً. وباشر المستوطنون أخيراً بتنفيذ اقتحامات للمقبرة والوصول إلى باب الرحمة وأداء طقوس هناك تشمل النفخ في البوق. والمدافن التي أُعلن انتهاء العمل عبر بناء الآلاف منها غربي المقبرة اليهودية، كان الاحتلال قد باشر العمل فيها بالتزامن مع زرع أعداد كبيرة من القبور الوهمية.



وشدّد رئيس لجنة الدفاع عن سلوان جنوبيّ القدس، فخري أبو دياب، في حديث لـ"العربي الجديد"، على أن الاحتلال يحاول طمس الوجود العربي والإسلامي في المنطقة وتزييف جغرافيتها وتاريخها، وابتداع تاريخ مزيف لهم في المدينة المقدسة. ووفق أبو دياب، لا يمكن حصر العدد الدقيق من هذه المدافن والقبور، إلا أن المعطيات تشير إلى وجود ما بين 1800 و2000 قبر في منطقة وادي الربابة جنوب سلوان، و1500 إلى 2000 قبر أيضاً بين رأس العامود وحيّ عويس، بينما العمل مستمر في بناء آلاف أخرى.

وأضاف أن ما جرى ويجري في محيط المسجد الأقصى من حفريات واعتداءات على المقابر الإسلامية جزء من مخطط أوسع نطاقاً يهدف إلى فرض السيطرة الكاملة على الأراضي الوقفية، وتحويلها إلى مقابر ومستوطنات وحدائق توراتية، حيث يتكثف البناء الاستيطاني هناك، وحيث تجري الحفريات على نطاق واسع ومن دون توقف، في حين أن مدافن اليهود الجديدة تنضم إلى البناء الاستيطاني المكثف، سواء على سطح الأرض، أو في باطنها. وأكد أبو دياب أن الاحتلال يريد هذه المرة وضع الموتى اليهود في مدافن أقامها على أراضٍ وقفية، متعمّداً أن لا تحمل تلك القبور الوهمية تواريخ ولا أسماء الموتى، بهدف واضح يرتبط بادعائه بشأن وجود هيكل لليهود في المكان، وأن اليهود كانوا يُدفنون بجوار الهيكل منذ آلاف السنين. بالتالي، إن الاحتلال يستخدم القبور لإيهام العالم بأن الهيكل كان قائماً في المنطقة.

وكان قد بوشر بزراعة القبور الوهمية في محيط البلدة القديمة من القدس قبل نحو عشر سنوات، وكشفت مؤسسة الأقصى للوقف والتراث عن ذلك للمرة الأولى في شهر مايو/أيار 2012، مشيرة إلى زرع آلاف القبور اليهودية الوهمية على مساحة قدرها نحو 300 دونم، من جبل الطور/الزيتون شرقيّ المسجد الأقصى، مروراً بوادي سلوان جنوباً، وانتهاءً بوادي الربابة جنوب غربي المسجد الأقصى، تنفيذاً لقرارات حكومية إسرائيلية، حيث تمت السيطرة على مساحات واسعة من أرض الوقف هناك والبدء بما سمي مشروع "استصلاح واستحداث" قبور يهودية. كذلك أُعلن عن مقابر يهودية عدة على امتداد سفوح جبل الزيتون/الطور شرقيّ المسجد الأقصى في المنطقة المطلة عليه، وأطلق الاحتلال عليها "مقبرة هار هزيتيم".

وأُعلن أيضاً عن مقبرة أخرى قريبة تقع في الجهة الجنوبية للمسجد الأقصى عند منحدر وادي سلوان/طنطور فرعون، وادّعى الاحتلال وجود مدافن لليهود وعدد من أنبياء إسرائيل، كقبر زخاريا وأفشالوم. وادعى الاحتلال أيضاً وجود مقبرة أخرى على السفوح الغربية لسلوان عند وادي الربابة، وسمّاها مقبرة "سمبوسكي للفقراء اليهود"، وأخرى عند تلة الثوري سمّاها "مقبرة القرّائين"، بالإضافة إلى ادّعائه وجود مدافن في المغر الموجودة في المناطق المذكورة، بمساحة إجمالية تصل إلى نحو 300 دونم.