مؤتمر إخوان الجزائر يحسم صراع الكواليس بين "المعارضة" و"الناصحة"

09 مايو 2018
يقترب الصراع بصفوف "إخوان" الجزائر من الحسم(فرانس برس)
+ الخط -
يلتئم غداً في الجزائر المؤتمر العام السادس لحزب إخوان الجزائر – حركة مجتمع السلم – وسط صراع حادٍ ولافت بين تيارين متباينين في التوجهات، تيارٌ بقيادة الرئيس الحالي للحركة عبد الرزاق مقري، يدفع باتجاه إبقاء الحركة في خيارها المعارض الذي تبنته منذ يونيو/ حزيران 2012، وتيار ثانٍ بقيادة الرئيس السابق للحركة أبو جرة سلطاني، يدافع عن فكرة العودة إلى التحالف مع السلطة وأحزابها والمشاركة في الحكومة، ووسط محاولة كتلة أخرى طرح قيادة بديلة، تمثل الخط الثالث في الحركة.

وفيما يقترب صراع الكواليس داخل صفوف "إخوان" الجزائر من ساعة الحسم، يشدّ المؤتمر أنظار الوسط السياسي والإعلامي في البلاد، إذ يمثل، بعد مؤتمر حزب "جبهة التحرير الوطني" الحاكم، أكثر المؤتمرات السياسية من حيث الأهمية والاهتمام الإعلامي.

ويستمد المؤتمر هذه المرة أهميته من جدل ونقاش حاد داخل صفوف "إخوان" الجزائر، حول المرجعية والنهج السياسي، بعد عودة تيار يدافع عن ضرورة مراجعة الخط والتوجه السياسي، والعودة إلى المشاركة مع السلطة وفي الحكومة.

ويطرح رئيس الحركة السابق أبو جرة سلطاني، المعروف بقربه من السلطة، والذي يقود تيار المشاركة في الحكومة، فكرة "المشاركة الناصحة" في الحكومة، والمساهمة في بناء الدولة والتدرج الديمقراطي، ويدافع عن "العودة من المعارضة إلى المشاركة الناصحة بخطاب المشاركة الناقدة".

وبحسب أبو جرة سلطاني، تحتاج هذه المهمة إلى وجوه جديدة من الصف القيادي الثّاني الذي لم يسمع الرأي العام صوته، أكان مدافعاً عن خطّ المشاركة أم مرافعاً عن خطّ المعارضة"، مشيراً إلى أن التحدي الأكبر الذي يواجه الحركة حالياً "هو تجديد الخطاب السياسي الذي كان تشاركياً، وصار معارضاتياً".

ويقدر سلطاني في تصوره أن الحركة التي كانت تشارك في الحكومة، وتجالس أكبر الأحزاب السياسية في البلاد، وقريبة من دوائر صناع القرار، تحولت إلى شراكة سياسية مع أحزاب معارضة ضعيفة وهشة تنظيمياً، وغير فاعلة شعبياً، مشبهاً ما يحدث بدوري كرة القدم، حيث كانت الحركة تلعب في "دوري أول"، وصارت تلعب في أقسام دنيا مع فرق ضعيفة.

وبين كتلة "المشاركة الناصحة" و"المعارضة النقدية"، تطرح كتلة من قيادات "حركة مجتمع السلم" خياراً ثالثاً لقيادة توافقية، تحت عنوان "المشاركة المشروطة"، وهو خيار طرح للنقاش للمرة الأولى عام 2016، لكن لم تتضح معالمه. ويطرح بعض المؤتمرين اسم النائب السابق لرئيس الحركة نعمان لعور، والذي استقال في وقت سابق من منصبه بسبب خلافه على التوجهات السياسية مع رئيس الحركة عبد الرزاق مقري، ومحاولته فرملة التوجه النقدي الحاد الذي أبدته الحركة تجاه السلطة. لكن لعور، الذي عمل في الكواليس على تقديم نفسه كخيار توافقي، تأخر كثيراً في دخول المنافسة السياسية قبل المؤتمر، ما يمكن أن يقلص حظوظه في الفوز بقيادة الحركة. 

لكن تيار المعارضة، الذي يقوده رئيس الحركة الحالي عبد الرزاق مقري، الذي لا يخفي طموحه للترشح لرئاسة الحركة لعهد ثانٍ، هو أقرب إلى الفوز برئاسة الحركة، على خلفية نجاحه في استعادة وهجها السياسي وإعادة تنظيم صفوفها وإنجاز الوحدة ولمّ الشمل مع كتلة جبهة التغيير التي كانت قد انشقت عن الحركة عام 2008، وكذلك استعادة عدد من القيادات المؤسسة، كالشيخ سعيد مرسي، إلى صفوف الحركة مجدداً.


ويراهن مقري أيضاً على جيل جديد من المؤتمرين، نشط في أكاديمية جيل الترجيح التي يرعاها مقري، لضمان استمراره في رئاسة الحركة، مقابل تهدئة سياسية وتعديل طفيف لمواقفه إزاء السلطة، بعد فترة من خطاب حاد ذهب به عام 2014 إلى حد المطالبة بإقرار حالة شغور في منصب رئيس الجمهورية بسبب مرض عبد العزيز بوتفليقة.

ويبدو أن مقري قد خضع لضغوط كبيرة من مجلس شورى الحركة للتراجع نسبياً في الموقف السياسي، وهو ما دفعه إلى طرح رؤية سياسية جديدة تتمثل في "البحث عن التوافق الوطني بمناسبة كل استحقاق انتخابي، أو مواصلة الإعداد للتنافس الانتخابي رغم ما يعتريه من تزييف، مع الاستعداد لكل حالات الطوارئ كما هو ديدن الأحزاب المسؤولة الكبيرة"، لكنه يوضح أن دعوة التوافق السياسي لا تعني الانخراط في صف السلطة والانقياد إلى المشاركة في مسارات سياسية خاطئة.

وبقدر ما تصاعد النقاش واحتدم الجدل بين كتلة المعارضة وكتلة المشاركة، بقدر ما تصاعدت أيضاً حالة من الخوف لدى قواعد الحركة، من أن تؤدي هذه الخلافات أو تتطور إلى انسحاب أو انقسامات داخلية، كالتي عرفتها الحركة في محطتي 2008 و2012، والتخوف من انكسار تجربة الوحدة ولمّ الشمل التي أثمرت في منتصف العام الماضي 2017.

لكن الرئيس السابق للحركة عبد المجيد مناصرة، يعتقد أن أبرز منجزٍ بين مؤتمري الحركة هو منجز الوحدة بين الحركة الأم، مجتمع السلم، وجبهة التغيير، التي عادت للاندماج مجدداً في الحركة بعد انشقاقها عام 2008، بسبب خلافات حادة بين قيادات في الحركة حينها.

وفي هذا الصدد، قال مناصرة "بعد مرور تسعة أشهر على تجسيد الوحدة، وأعتبر أن الوحدة قد نجحت بفضل احتضان المناضلين لها، فلا خوف عليها من اختلافاتنا وأخطائنا، والحركة اليوم أصبحت أقوى بوحدتها وستقوى أكثر بسياستها الواعية، ما سيؤهلها لنجاحات أخرى".

لكن ذلك لم يمنع مناصرة من إعلان تحذيراته من عودة الانقسامات إلى صفوف الحركة، مطالباً القيادات والمؤتمرين بتجاوز الخلافات وعدم السماح بتصاعدها إلى مستوى قد يحدث انشقاقات مجدداً.

وقال: "لجميع أعضاء الحركة، اختلفوا كيفما شئتم واختاروا من الأفكار والسياسات والمواقف والقيادات ما شئتم، لكن نحذر أن تنتقل خلافاتنا من العقول إلى القلوب، ومن التنوع إلى التضاد، ومن السعة إلى الضيق، ومن الاجتماع إلى الافتراق".


وأوضح رئيس لجنة تحضير المؤتمر السابع لحركة "مجتمع السلم" أبو بكر قدودة، أن باب الترشح لقيادة الحركة سيفتح مباشرة بعد تشكيل لجنة الانتخابات في المؤتمر. وسيركز المؤتمر على تقييم المرحلة السياسية الماضية، ومناقشة الخط السياسي للحركة في المرحلة المقبلة، وانتخاب هيئة قيادية ورئيس للحركة، وسيرجئ بحث مسألة الانتخابات الرئاسية المقبلة المقررة في 2019، إلى دورات مجلس الشورى المقبلة بعد المؤتمر، وإلى أن تتضح المعطيات السياسية.