تجاوزات الشرطة المصرية: تحذيرات من "المعركة الأخيرة"

تجاوزات الشرطة المصرية: تحذيرات من "المعركة الأخيرة"

03 مايو 2016
"غياب الرادع" يساهم باستمرار تجاوزات الشرطة (محمد الشاهد/فرانس برس)
+ الخط -
تثير تجاوزات أفراد الشرطة المصرية تجاه المواطنين مع غير المنتمين سياسياً تساؤلات عدة حول أسبابها، ولا سيما مع تكرارها بشكل كبير مع مطلع العام الحالي، بما في ذلك تسجيل ثلاث حوادث إطلاق نار على مواطنين قام بها أفراد الشرطة، خلال أقل من ثلاثة أشهر، الأولى في الدرب الأحمر، والثانية في مدينة الرحاب، والثالثة في الألف مسكن. ولا يمكن فصل هذه التجاوزات، التي تعتبرها وزارة الداخلية على لسان مسؤوليها وفي مقدمتهم الوزير، مجدي عبد الغفار، "فردية"، عن حالات القمع والعنف للمعارضين للنظام الحالي برئاسة عبد الفتاح السيسي. وتشنّ قوات الأمن حملات اعتقال مستمرة منذ الانقلاب على الرئيس المعزول، محمد مرسي، كانت تستهدف أعضاء التيار الإسلامي قبل أن تتمدد لتشمل كل المعارضين للنظام الحالي، من الناشطين السياسيين، والصحافيين، وفئات الشباب.
ولجأت قوات الأمن، بأوامر من السيسي، إلى مواجهة أية تظاهرات معارضة له بالعنف، على غرار ما حدث في التعامل مع تظاهرات 25 أبريل/نيسان الماضي، خلال الاعتراض على نتائج اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين السعودية ومصر، والتي أفضت إلى "تنازل القاهرة عن جزيرتي تيران وصنافير للرياض".


في غضون ذلك، يعتبر مراقبون أن تجاوزات جهاز الشرطة، سواء تلك التي تصفها السلطات "بالحوادث الفردية" أو خلال مواجهة معارضي النظام، ترتبط بشكل كبير بـ"جوانب نفسية تتعلق بالشعور بضياع الهيبة في المجتمع، بعد ثورة 25 يناير". ويحذر مراقبون، تحدثوا مع "العربي الجديد"، من خطورة استمرار تلك التجاوزات، التي قد تدفع إلى ما يطلق عليه البعض "المعركة الأخيرة"، حيث الصدام مع الشعب في ظل تصاعد الاحتجاجات ضد السيسي، وتصدي جهاز الشرطة لها، خوفاً من سقوطه أو تعرضه لضربة مثلما حدث في 25 يناير/كانون الثاني 2011.

ويرى المراقبون أنفسهم أن "الشرطة تحاول استعادة هيبتها المفقودة من خلال فرضها على المواطنين، وعند وجود أي اعتراض، بعض أفراد الأمن لا يمتلكون أنفسهم أو يسيطرون عليها وبالتالي يلجأون إلى استخدام سلطتهم وإطلاق النار على من يقف أمامهم".
وكان السيسي قد قال في بداية حكمه، وفقاً لتسريبات بالصوت والصورة، إن "أحداً من الضباط لن يحاسب إذا قام بقتل أي مواطن هنا أو هنا".
وفي السياق نفسه، علّق المحامي والبرلماني السابق، محمد العمدة، بالقول إن "عدم محاسبة الضباط الذين يقومون بقتل المواطنين في الشارع ويخرجون من تلك القضايا بعد فترة من نسيان الجماهير لتلك الوقائع، إنما هو منصوص عليه في القانون وليس مجرد وعد قطعه السيسي، فقد أضاف مادة في قانون الإرهاب بالفعل تقول إذا قَتل أحداً وكَتب في المحضر أنه في سبيل مكافحة الإرهاب فلن يُسأل"، وفقاً للعمدة.
وكان السيسي قد عاد، تحت ضغط الشارع والمنظمات الحقوقية الدولية، عقب حادث الدرب الأحمر، إلى إعلان مطالبته وزير الداخلية بضرورة إدخال تعديلات على قانون الشرطة لتغليظ العقوبات على كل من يتجاوز بحق المواطنين، وهي تعديلات لم تر النور حتى الآن.
وعلى الرغم من تحذيرات خبراء ومراقبين من خطورة استمرار تجاوزات أفراد الأمن، إلا أن النظام الحالي والقائمين على وزارة الداخلية، لخّصوا الأزمة في تشديد العقوبات. في المقابل، تذهب توصيات إلى التشديد على ضرورة إعادة تأهيل أفراد الأمن وإعادة هيكلة شاملة لوزارة الداخلية، جنباً إلى جنب مع تشديد العقوبات على المتجاوزين.

من جهته، يقول أستاذ لمادة علم النفس في جامعة القاهرة لـ"العربي الجديد"، إن "تجاوزات أفراد الشرطة لها بُعد نفسي بالتأكيد، وقبل الحديث عن إحداث تغيير فعلي لا بد من أن تكون البداية مع استقبال الطلاب الجدد في كلية الشرطة". ويوضح أنه "من الأساس، الشخص الذي يسعى إلى الالتحاق بكلية الشرطة لديه ميول إلى ممارسة السلطة والنفوذ، فهو راغب فيها ومتطلع إليها بقوة". ويتابع: "أزمة وزارة الداخلية تبدأ من كلية الشرطة، فشروط الالتحاق هي سبب الأزمة من حيث عدم اختيار أشخاص أسوياء، وفقا لمعايير نفسية موضوعية، مقابل الاعتماد على المحسوبية ودفع الرشى". ويشدد أستاذ مادة علم النفس في جامعة القاهرة على أن "كلية الشرطة تفرِّغ دفعات من الضباط غير قادرين على التعامل مع المواطنين والمجتمع، ولكن تنمِّي روح السعي إلى السلطة والنفوذ، وهي مفسدة كبيرة". ولذلك يدعو "إلى ضرورة تعديل شروط الالتحاق بكلية الشرطة ووضع اختبارات نفسية صارمة، وتعديل المناهج بشكل جذري ويشرف عليها أساتذة متخصصون في علم النفس والاجتماع".
أحد أسباب تجاوزات رجال الشرطة، بحسب أستاذ علم النفس، هو "الشعور بضياع الهيبة بعد 25 يناير، حيث تلقت وزارة الداخلية ضربة شديدة لم تتمكن من التعافي منها حتى الآن"، على حد قوله. ويشير إلى "رغبة أفراد الشرطة في فرْض هذه الهيبة المفقودة بالقوة والإجبار على المواطنين، وهي عملية نفسية معقدة، في ظل كسر حاجز الخوف لدى المصريين بشكل كبير".
كما يلفت أستاذ مادة علم النفس إلى "وجود صراع خفي بين الشرطة والشعب، حول من يفرض نفوذه على الآخر؛ أفراد الأمن يريدون فرض الهيبة والشعب يرفضها". ويشدد على أن "جزءاً من محاولات أفراد الشرطة فرْض هيبتهم على المواطنين، تتعلق إلى حد كبير بنفسية الشعب المصري، الذي تعود على السلطة الأبوية، فهو دائماً يحتاج إلى فئة تتحكم في مجريات الأمور وتحميه، وهذه ثقافة بدأت في التلاشي عقب 25 يناير، ولكنها لا تزال قابعة في نفوس العديد من المصريين"، على حد قوله. 


ويعتبر أستاذ مادة علم النفس في جامعة القاهرة أنه خلال محاولة "استعادة أفراد الشرطة لهيبتهم في المجتمع، تواجههم العراقيل؛ بعضهم يتعامل معها بنوع من ضبط النفس، وبعضهم الآخر لا يستطيع السيطرة على نفسه، ويطلق العنان لفرض هيبته بالقوة والتي تتمثل في عُرف الشرطة السلاح الميري". ويوضح أن "الاستجابات النفسية لدى الناس مختلفة، وأفراد الشرطة جزء لا يتجزأ من هذا الأمر، فهناك من لا يتحمل أن يكون في وضع يقلل من وضعه، أو لا يكون هو المتحكم في مجريات الأمور، وهذا يرجع إلى إمكانية السيطرة على النفس، من منطلق (كيف يحدث هذا معي وأنا فرد شرطة وأمتلك السلطات والنفوذ؟)".
وبشأن ممارسات الشرطة، سواء الحوادث التي استهدفت مواطنين أو مواجهة السياسيين والشباب خلال التظاهرات الماضية، يرى أن "التجاوزات في الحالة الأولى فردية مرتبطة بتحكم كل فرد على حدة في نفسه، والثانية لا تنفصل عنها بالتأكيد ولكن مرتبطة بسياسات الدولة والنظام الحالي". وعمّا إذا كان العنف والقمع من قبل الشرطة خلال الفترة الماضية يرتبط بعدم الرغبة في الانجراف إلى ما يطلق عليه البعض "المعركة الأخيرة" بين الشعب ووزارة الداخلية، حال اندلاع تظاهرات رافضة للنظام الحالي، بما ينعكس على أفراد الشرطة مرة أخرى، يشير أستاذ مادة علم النفس إلى صحة هذه الفرضية إلى درجة كبيرة.

من جهته، يقول الخبير الأمني، محمود قطري، إن تجاوزات وممارسات أفراد جهاز الشرطة المصرية، تعود إلى "عدم وجود رادع لهم، فضلاً عن التعامل بتعالٍ مع الشعب". ويعتبر أن هناك أخطاءً جسيمة في جسد جهاز الشرطة، تتطلب إعادة هيكلة شاملة لوزارة الداخلية وبشكل عاجل قبل تزايد الفجوة بين جهاز الأمن والمواطنين.
ويشير قطري إلى أن "استمرار التجاوزات يعكس خللاً كبيراً لدى قيادات الوزارة في التعامل معها، في ظل عدم القدرة على وقف هذه الممارسات التي تسيء لجهاز الشرطة بشكل عام". ويلفت إلى أن استمرار تلك التجاوزات يُحدث "أزمة كبيرة وفقدان ثقة تاماً بالشرطة المصرية، وهو ما يترتب عليه احتقان وغضب كبير، يعكر صفو الحالة الأمنية عموماً". ويدعو قطري إلى ضرورة ابتعاد الوزارة عن المحاباة للمخطئين من أفراد الشرطة، سواء الضباط أو الأمناء، لافتاً إلى أنه يجب الوقوف على مثل هذه الحوادث التي تتكرر خلال فترات قصيرة.
ويفرّق الخبير الأمني بين "تجاوزات الشرطة تجاه المواطنين في الشارع والشباب المنتمي سياسياً، فالتعامل مع الأخير يكون له أسبابه الواضحة وهي حماية النظام ومنع أية أصوات للمعارضة، وإن كان هذا لا يخوّل لضباط الشرطة انتهاك حقوق المواطن مهما كانت جريمته". أما التعامل مع المواطنين بشكل عام، فإن ذلك من وجهة نظره، "ما يشكل خطراً كبيراً، ويجعل من مختلف شرائح وفئات المجتمع تجمع على رفض تلك الممارسات، ولا سيما مع الإحساس بإمكانية تعرض أي مواطن لإطلاق الرصاص من قبل أفراد الشرطة أو مقتله".

كما يتوقف قطري عند تكرار  تجاوزات الشرطة بحق المواطنين بشكل عام، لافتاً إلى أن "التعامل بهذه الطريقة غير القانونية، حتى مع وجود فكرة الدفاع عن النفس، يرتبط بشعور أفراد الشرطة بضياع هيبتهم وإمكانية رفض أوامرهم مهما كانت، وبذلك تنتج هذه التجاوزات كرد فعل على هذا الضعف الذي يشعر به الجهاز الأمني"، على حد قوله.
كذلك يربط الخبير الأمني بين تجاوزات الشرطة تجاه المواطنين وقمع المعارضين للنظام الحالي، إذ "تخشى وزارة الداخلية التعرض لضربة مماثلة لما حدث في 25 يناير 2011، وهو أمر لن تقبل به"، وفقاً لقطري.
كما يعتبر أن "جهاز الشرطة تعرض لضربة موجعة وحتى الآن لم يتعافَ منها تماماً، وهذا يفسر مسألة التجاوزات حيث إن فرد الأمن لا يشعر بـ (الهيبة) التي كانت له قبل ثورة يناير". ويشدد على أن الأحداث المتلاحقة والتجاوزات وتصاعد الاحتجاجات تجبر الداخلية على مواجهتها، وبالتالي انخفاض رصيدها مرة أخرى، وهو ما يصب في اتجاه "المعركة الأخيرة" مع الشعب، والتي ستكون أشد وطأة مما حدث في 25 يناير، ولذلك تحاول الشرطة اللجوء إلى القمع لمنع الوصول إليها، ولكن على العكس زيادة العنف يدفع بقوة إليها، على حد قوله.
وكان أساتذة علم نفس واجتماع وخبراء قد طالبوا بضرورة خضوع أفراد الشرطة لجلسات إعادة تأهيل شاملة، لمنع تكرار التجاوزات بحق المواطنين، والتي تكررت كثيراً خلال الفترة الماضية.
وفي السياق ذاته، طالبت أستاذة الاجتماع في جامعة عين شمس، الدكتورة سامية خضر، بإعادة تدريب وتأهيل أمناء الشرطة، لوجود عناصر غير مؤهلة بشكل جيد لأداء دورها. وقالت خضر، في تصريحات صحافية سابقة، إنه من الضروري أن يعرف أفراد الأمن أن دورهم لا يختلف عن باقي موظفي الدولة.