لبنان: الحكومة مقسومة طائفياً حول "أمن الدولة"

لبنان: الحكومة مقسومة طائفياً حول "أمن الدولة"

11 ابريل 2016
سلام من أكثر المتحمسين لوقف عمل المديرية (حسين بيضون)
+ الخط -
تلقّى الوزراء اللبنانيون دعوة لعقد جلسة للحكومة يوم غد الثلاثاء برئاسة رئيسها تمام سلام. لكن الأجواء المتفجّرة التي أنهت الجلسة الأخيرة (يوم الخميس الماضي) قد تكون دافعاً منطقياً لسلام للعودة عن دعوته والتريّث في إصراره على عقد الجلسة المرتقبة من باب حرصه على تفعيل عمل الحكومة. جاء التفجير من باب ملف المديرية العامة لأمن الدولة ليفرض نفسه على الحكومة وجدول أعمالها ونقاشاتها، بخلفيّاتها المتشعّبة، فكانت النتيجة تراشقاً بين الوزراء بالكلام الطائفي تم استكماله خارج الجلسة على المنابر الإعلامية.
تتبع المديرية العامة لأمن الدولة لرئاسة مجلس الوزراء، وسبق أنّ تم تجميد العمل بها في تسعينيات القرن الماضي، لتعود وتستمر لكن بنشاط متفاوت وبحسب المراحل السياسية وشخص رئيس مجلس الوزراء. وانطلاقاً من هذا الواقع، تعتبر بعض الأطراف السياسية أنّ عمل المديرية غير جدي ويمكن الاستغناء عنه وحلّه، واللافت في هذا الإطار أنّ أكثر المتحمّسين لهذا المشروع هو رئيس الحكومة نفسه على الرغم من كون الجهاز تابعاً له. وهو ما يعجز عن تفسيره حتى المقرّبون من سلام، إذ يقول أحد هؤلاء لـ"العربي الجديد" إن "سلام لا يتردّد في القول إن أمن الدولة غير فاعلة فقط"، وذلك من دون تقديم شيء واضح لتبرير موقفه.


ونتيجة هذا الموقف، توقّفت النفقات السرية ومصاريف السفر المخصصة للمديرية، كما تم إبعاد المدير العام لأمن الدولة، اللواء جورج قرعة، عن الاجتماعات الأمنية التي تُعقد في السراي الحكومي برئاسة سلام. مع العلم أنّ الطلبات الرسمية التي كان يرسلها قرعة للحصول على بعض المطالب المالية لم تكن تمرّ من مكتب رئيس الحكومة إلى الوزارات المعنية وتحديداً وزارة المال. كما أنّ إجراءً جديداً استجدّ أيضاً من خلال فرض توقيع نائب المدير العام على أي طلب صادر عن المدير العام، الأمر الذي ولّد أزمة بين قرعة ونائبه العميد محمد الطفيلي. وتوسّعت الأزمة لتأخذ بُعداً سياسياً، كون الطفيلي محسوباً على رئيس مجلس النواب نبيه بري. وكأي ملف أو نقاش داخلي في لبنان، تحوّل الموضوع إلى ملف طائفي بامتياز، لكون اللواء قرعة مسيحي من المذهب الكاثوليكي، فيما العميد الطفيلي شيعي. وسارعت شخصيات كاثوليكية، سياسية ودينية، إلى الدفاع عن قرعة، في حين تبنّت الجهة الأخرى الطفيلي. وتوسّعت رقعة الخلاف، فأجمعت القيادات المسيحية على مبدأ الوقوف إلى جانب قرعة، وتحوّل مجلس الوزراء إلى مكان مخصّص لبازار الاتهامات والشتائم الطائفية في ترجمة فعلية لنتائج المحاصصة بين الطوائف في الإدارات والقطاعات الرسمية. وعلى سبيل المثال لا الحصر، يخضع القطاع الأمني لتوزيع الحصص الطائفية على الشكل الآتي: قيادة الجيش واستخباراتها للموارنة، رئاسة الأركان في الجيش للدروز، إدارة الأمن العام للشيعة، شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي للسنّة. ونتيجة ذلك تحوّل ملف أمن الدولة، بحسب المسيحيين، إلى ما يشبه محاولة "إلغاء المسيحيين" وتقليص دورهم وحضورهم، ووُضع في إطار "المس بالشراكة الوطنية" وبـ"العيش المشترك" وحقوق المسيحيين.
فبات ملف المديرية العامة لأمن الدولة يتشعّب ويتطوّر انسجاماً مع الواقع الطائفي والسياسي في لبنان، بحيث تُرسم خطوط حمراء كثيرة على بعض الملفات وتتحوّل إلى مقدّسات فعلية بعيداً عن أي نقاش علمي أو تقني، تماماً كما هي الحال في كل الملفات الأساسية التي ناقشها اللبنانيون في الأشهر الأخيرة. فعاشت الحكومة فترة عصيبة بين شهري أغسطس/ آب وسبتمبر/ أيلول الماضي بفعل الشعار الذي رفعه رئيس تكتل "التغيير والإصلاح" النائب ميشال عون حول "حقوق المسيحيين" بهدف تمديد ولاية صهره العميد شامل روكز على رأس فوج المغاوير في الجيش اللبناني بهدف تعيينه قائداً للمؤسسة العسكرية.
وبالعودة إلى موضوع الجلسة الحكومية، يؤكد وزير الاقتصاد الذي يمثّل حزب "الكتائب" في الحكومة، آلان حكيم لـ"العربي الجديد"، على أنّ "أي حلّ لم يتم التوصل إليه بعد في ما يخص أمن الدولة"، ولو أنّ اجتماعات عديدة عقدها الوزير الكاثوليكي، ميشال فرعون، مع القيادات السياسية المعنية للتوصل إلى خواتم سعيدة للموضوع. كما يشير وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "الجلسة لا تزال قائمة في موعدها ولم نُبلّغ بغير ذلك"، مضيفاً أنّ "المحادثات أيضاً مستمرة بين المعنيين". في حين لا يستبعد مطلعون على أجواء الحكومة أن يعمد سلام إلى تأجيل الجلسة المفترضة لبضعة أيام بهدف إحاطة ملف أمن الدولة من الجوانب كافة، وهو ما أبلغه إلى عدد من الوزراء.

المساهمون