"روبن هود" المغرب: محاربة الفساد واجب أخلاقي

"روبن هود" المغرب: محاربة الفساد واجب أخلاقي

18 اغسطس 2015
(فرانس برس)
+ الخط -

"قناص تارغيست"، المدينة النائية في شمال المغرب، أو "روبن هود" المغرب.. لقبان اشتهر بهما الناشط الشاب منير أكزناي، الذي عمل خلال عام 2007 على نشر تسجيلات فيديو على موقع يوتيوب، تُظهر قبول عدد من رجال الأمن رشاوى في الطريق العام، ما أدى إلى معاقبة مسؤولين أمنيين وتشريد عائلات بعضهم.

هذه التسجيلات المصورة شكلت صدمة في المجتمع المغربي، بعدما أحدثت ضجة إعلامية كبيرة، فيما توارى "القناص" عن الأنظار لسنوات خشية اعتقاله، إلى أن قرر قبل سنتين الكشف عن وجهه وحقيقته في حوار مع مجلة مغربية.

"العربي الجديد" حاورت أكزناي، الذي سعى إلى إصلاح أوضاع مدينته المهمشة ومجتمعه وبلاده.

- هل ما زال لقب "قناص تارغيست" يعني لك شيئاً بعد مرور ثماني سنوات على تصويرك بعض رجال الأمن، وهم يحصلون على رشاوى في الطريق العام؟
يعني اللقب الكثير لي لأنه جزء مني وجزء من الماضي. رافقني خلال لحظات مهمة من حياتي. وكان لهذا اللقب دور مهم في صقل شخصيتي وتحديد مسار مستقبلي. أحياناً لا يعني لي شيئاً، لأن القناص اليوم أصبح من الماضي. كنتُ أول من بدأ ظاهرة "القناص" من خلال نشر تسجيلات فيديو تكشف سلوكاً فاسداً عام 2007.

- إذا ما عاد بك الزمن إلى الوراء، هل كنت لتعيد ما قمت به؟
لا أظن أنني كنت سأتردد يوماً في ذلك. فالواقع المعاش، وحجم التسلط، والغبن، والظلم، والفساد، جميعها عوامل تدفعك إلى العمل. بطبيعة الحال، كنتُ لأتدارك مجموعة من الأخطاء التي وقعت فيها.

- أظهرت تسجيلاتك أن رجال الأمن يحصلون على رشاوى، ما أدى إلى تشريد أسر بعضهم، وتسبب لهم بمشاكل اجتماعية ونفسية. هل ندمت على جرأتك حينها؟
ما زال هذا السؤال يلاحقني حتى يومنا هذا. دائماً ما أسأل نفسي إن كنت قد أخطأت. أفكر في الأسر وهؤلاء الأطفال. تحتاج الإجابة عن سؤال كهذا الحديث عن جوانب عدة. ما من عاقل لا يتأسف على تشريد عائلات والتسبب بمآسٍ اجتماعية ونفسية للغير، إلا إذا لم يكن في قلب صاحبه أي رحمة. لكن المنطق السليم يقول إن لا ذنب لي بما آلت إليه الأمور. لم يفكر رجال الأمن في احتمال كهذا. وإذا لم يكونوا هم أكثر حرصاً على أسرهم وأطفالهم، فما ذنبي أنا؟ لا يجب اختلاق الأعذار، أو أن نعفو عن السارق والقاتل والظالم والمجرم بحجة أن لديهم عائلات وأطفالاً.
لا أخفي أنني ندمت وحزنت لأن الأمور أخذت منحى آخر لا يقل صعوبة عن قضيتي. ندمت لأنني تسببت في مآسٍ اجتماعية ما زالت صورها تلاحقني. لكن لو لم يكن لزاماً عليّ كشف الفساد لما تغير شيء. هذه ضريبة التغيير.

- هل ترى أن ما فعلته كان بمثابة محاربة للفساد؟
أرى الأمر واجباً أخلاقياً أكثر من فعل محاربة للفساد. ألسنا خير أمة أخرجت للناس لنأمر بالمعروف وننهي عن المنكر؟

اقرأ أيضاً: نجاة أنور تدافع عن الأطفال ضحايا الاعتداءات الجنسية
 
- بعد اختفائك، حاول كثيرون البحث عنك، فيما صار آخرون ينشرون تسجيلات تفضح سلوك بعض رجال الأمن. هل ترى الأمر ظاهرة صحية؟
هي ظاهرة صحية لا بد أن تستمر. لكن تبقى غير كافية في ظل غياب القوانين الرادعة.

- ثمّة تطوّر واضح في عمل رجال الأمن، ومعاقبة مرتكبي المخالفات وخصوصاً في الفترة الأخيرة. ما رأيك؟
هذه مجرد فقاعات إعلامية، وخطابات موجهة للاستهلاك الداخلي والخارجي لا أكثر. لا ننكر أن ثمّة تطوراً واضحاً في عمل رجال الأمن، لكن لا يمكن وصفه بالحازم والشفاف. فالعطار لا يستطيع إصلاح ما أفسده الدهر.

- لقّبك كثيرون بـ "روبن هود" المغربي. هل ما زلت تتمتع بروح التمرّد؟
الروح المتمرّدة هي كالإيمان، تقوى وتضعف بحسب الظروف. لكن سرعان ما تستيقظ كطائر الفينيق من تحت الرماد. إلى ذلك، السنوات الماضية أنهكتني. المعركة كانت متعبة ومكلفة من الناحيتين المادية والمعنوية.

- كناشط، حملت على عاتقك محاربة الفساد بطريقتك في مدينتك تارغيست. أيضاً، حمل حزب العدالة والتنمية الحاكم الشعار نفسه، أي محاربة الفساد والاستبداد. هل تلتقيان في ذلك؟
ربما ألتقي مع حزب العدالة والتنمية في الشعار، لكنني أختلف معه في المنهج والآليات. يوم حملت على عاتقي شعار محاربة الفساد، حاولت تحقيق ذلك مستخدماً جميع الوسائل الممكنة. وسعيت إلى ترجمة ذلك على أرض الواقع، بما تيسّر لي من أدوات. في المقابل، اصطدم الحزب بواقع آخر، واكتشف أموراً جديدة كان يجهلها، ما دفعه إلى إعادة ترتيب أولوياته وفق ما يضمن استمراره في السلطة.

- يعني هذا أن الحزب الحاكم لم يوفّق في محاربة الفساد، بحسب ما أعلن في شعاراته الانتخابية؟
محاربة الفساد ما زالت مجرد شعار. كذلك فإن الفساد هو منظومة متداخلة لا يستطيع حزب العدالة والتنمية وحده محاربتها.
تحاول تحقيق ذلك بما تيسّر، لكن الفساد ما زال كما عرفناه. لا تمنح قواعد اللعبة السياسية الحزب الحاكم هامشاً كبيراً للمناورة، إلى جانب المقاومة الشرسة التي يحاول المسؤولون مواجهة الفساد بها، والتي أنهكت العدالة والتنمية وزجّته في حروب هامشية.

- كيف يمكن للمجتمع أن يدافع عن حقوقه؟ ماهي الآليات اللازمة؟
لا يمكن لمجتمع تنخره الأمية والفقر بينما همه الوحيد هو البحث عن رزقه وتوفير متطلبات الحياة لأبنائه، أن يدافع عن حقوق يجهلها أصلاً. لذلك، فالوعي الجماعي بالحقوق والواجبات والإيمان بأنها حق ينتزع ولا يعطى، يشكلان السبيل الوحيد للدفاع عنها. كذلك، فإن تعزيز قيم المصلحة العليا على حساب القيم الذاتية والمصالح الآنية الضيقة، هو خطوة الألف ميل في مسيرة التغيير. وقد أثبتت التجربة أن الحركات الاحتجاجية المستقلة والسلمية استطاعت تجاوز الأحزاب، وكسر حالة السكون التي تحد من طاقات المجتمع، وتسلبه أدواره، وبالتالي حقّقت ما عجزت عنه التنظيمات السياسية مجتمعة.
وخيرُ مثالٍ هو حركة 20 فبراير، التي كان لها الفضل في إعادة رسم المعالم السياسية للمغرب، والتسريع في وضع دستور جديد للبلاد يضمن حريات وحقوقاً أكبر، بالإضافة إلى أنها وفّرت لحزب العدالة والتنمية الأجواء والأرضية ليتصدر الانتخابات ويرأس الحكومة.

منير أكزناي

أبصر منير أكزناي النور في عام 1986 في مدينة تارغيست الواقعة في قلب الريف المغربي. هو الابن الأصغر لعائلة ميسورة، وقد تابع تعليمه الابتدائي والثانوي في مدارس مدينتها، قبل أن ينتقل إلى خارجها لمتابعة دراسته الجامعية. نشط باكراً في الجمعيات المحلية، ليتعلّم معنى "النضال" منذ سنوات شبابه الأولى. يعمل أكزناي حالياً في شركة خاصة في إحدى مدن شمال المملكة المغربية، من دون أن ينقطع عن المشاركة في الأنشطة التي تهدف إلى تحسين ظروف العيش في مسقط رأسه.

اقرأ أيضاً: الجدّة طامة تمحو أميّتها

المساهمون