على الرغم من انحسار تأثيره المباشر في الشعراء وتغيّر الميول الأدبية في الثقافة العربية مقارنة بعقود سابقة، لا يزال الشاعر السوري نزار قباني (1923 - 1998) أحد أعلام القصيدة العربية المعاصرة. لقد استطاع أن يحافظ على شريحة واسعة من القرّاء والمتابعين رغم كل شيء. وسواء كان هؤلاء في أغلبهم من المراهقين أو كانوا من غير المتمرّسين بالقراءة الشعرية فقد نجحوا في الإبقاء على اسم نزار قباني حاضراً في خريطة الميول الشعرية للجمهور العربي.
إلى جانب ذلك، تظلّ الأغنية رافداً آخر يغذّي حضور نزار قباني في المشهد رغم رحيله منذ أكثر من عقدين. يكفي أن نتذكّر الأعمال التي لحّنها محمد الموجي لعبد الحليم حافظ مثل "رسالة من تحت الماء" و"قارئة الفنجان"، أو تلك التي تصدّى لها محمد عبد الوهاب وغنّتها نجاة الصغيرة مثل "متى ستعرف كم أهواك" و"أيظن" و"أسألك الرحيل"، وغنّت له فيروز "لا تسألوني ما اسمه حبيبي"، وفي سنوات أقرب غنّت له ماجدة الرومي "بيروت ست الدنيا"، و"كلمات"، و"مع جريدة"، وقدّم كاظم الساهر أكبر مجموعة من نصوصه، وأشهرها: "إني خيّرتك فاختاري"، و"زيديني عشقًا"، و"مدرسة الحب"، و"أشهد ألا امرأة إلا أنت"، و"حافية القدمين".
لكن في مقابل استشعار حضور نزار قباني في الثقافة العربية اليوم فهو أيضاً غائب عنها، حيث لم نعد نجد اهتماماً بحثياً بنصّه أو تنقيباً في مجاهل سيرته، أو قراءات طريفة ومحيّنة لقصائده بحيث تبدو هذه الأخيرة اليوم مثل إشارات إلى زمن سابق بأفكاره وأشكال التعبير عن المشاعر وبناء العلاقات العاطفية والسياسية، وبأغراضه البسيطة التي حرص الشاعر السوري على أن تكون حاضرة في شعره. يمتدّ هذا الغياب إلى عدم الاهتمام بذكراه فيم عدا بعض صفحات المحبين وهؤلاء تدفعهم النوستالجيا أكثر من الاعتراف بشاعر ملأ الدنيا وشغل الناس من خمسينيات القرن الماضي إلى نهايته.
"العربي الجديد" تستعيد نزار قباني، اليوم، في ذكرى رحيله (30 إبريل/ نيسان 1998) بشذرات من شعره، والتي تحيل إلى لمحات من حياته.
رسوم: أنس عوض (العربي الجديد)