صوت جديد: مع يوسف الشريف

14 يونيو 2024
يوسف الشريف
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يوسف الشريف، كاتب ومترجم مصري، يركز في أعماله على القضايا الوجودية والإنسانية، معتبرًا الكتابة أداة لطرح الأسئلة الجديدة ومؤكدًا على أهمية القضية الفلسطينية.
- يشير إلى تأثير ثورة يناير 2011 على الأدب والمفاهيم الثورية، مؤكدًا على دور الشك والتساؤل في الكتابة وأهمية الأدباء المصريين والعرب في تشكيل الوعي الإنساني.
- لديه خبرة في النشر والترجمة، يعمل على مشروع ثلاثية روائية، ويؤكد على أهمية الترجمة كأداة للتواصل الثقافي والقراءة المخططة في تطوير الذات والكتابة.

تقف هذه الزاوية من خلال أسئلة سريعة مع صوت جديد في الكتابة العربية، في محاولة لتبيّن ملامح وانشغالات الجيل العربي الجديد من الكتّاب. "كلّ كتابة لا تطرح أسئلة جديدة لا يُعوَّل عليها"، يقول الكاتب والمترجم المصري يوسف الشريف لـ"العربي الجديد".



■ ما الهاجس الذي يشغلك هذه الأيام في ظل ما يجري من عدوان إبادة على غزّة؟

- الهاجس الذي يشغل بالي في هذه الفترة، وبالتحديد منذ 7 تشرين الأوّل/ أكتوبر الماضي، يتعلّق ربّما بأفكار وجودية إنسانية، وليس بأفكار تخصّ المنطقة العربية فحسب. ربّما يعود هذا إلى طبيعة دراستي للفلسفة، فأنا إنسانٌ قبل أن أكون مواطناً مصرياً وعربياً. لكن يُمكنني القول إنّ القضية الفلسطينية، وبتمثُّلاتها الاستعمارية القائمة، هي خيرُ مُعبِّر عن المأزق الوجودي للبشرية جمعاء. كما أنّ الأثر النفسي لهذه الإبادة الجماعية الصهيونية لا يُمكن تجاوزه حتى ولو توقّفت الحرب في هذه اللحظة. وفي كلّ الأحوال نحن نشهد لحظة مفصلية، الإنسانيةُ فيها على المحكّ.


■ كيف تفهم الكتابة الجديدة؟

- الكتابة الجديدة في نظري هي امتداد لمفهوم الكتابة عبر التاريخ، فكلُّ ما يُضيف جديداً للفنّ والحياة يصلُح أن يُطلَق عليه كتابة جديدة. أمّا اليوم فللأسف، هناك كتاباتٌ قليلة هي التي يُمكن أن نقول إنّها تُضيف جديداً، أو تُلقي حجراً في بركة المكتبة العربية. وإذا نظرنا نجد أنّ إضافة الجديد أشبه بـ"الخلود"، فنجيب محفوظ عاش لأنّه كان مُجدِّداً وأضاف الجديد، وكذلك ثيربانتس وشكسبير وغيرهما.


■ هل تشعر في نفسك أنك جزء من جيل أدبي له ملامحه، وما هي هذه الملامح؟

- أظنّ أنّ تشكُّل أفكار الكاتب، بالتحديد في مصر، ارتبط، ومن دون إرادة، بحركة الثورات. فثورة 1919 أفرزت نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم وغيرهما، وثورة 1952 أفرزت جمال الغيطاني وجيل الستينيّات، وهؤلاء يعترفون أنّهم أبناء الثورة. وأظنّ أنّ جيلي هو ابن ثورة يناير 2011 بامتياز، لأنّ ذلك العام لم يشهد فقط تغيُّر شكل المنطقة العربية أو طبيعة أنظمة الحُكم فيها، بل شهد تغيُّر موازين القوى الدولية، وجعل مفهومنا الشخصي للثورة يتغيّر. وما تبِع تلك اللحظة وضع جيلي في حالة تساؤُل وشكّ وريبة لا تنتهي، وبالطبع الشكّ والسؤال هُما الدافع للكتابة، فكُلّ كتابة لا تطرح أسئلة جديدة لا يُعوَّل عليها.

قراءة الأعمال الكلاسيكية هي ما صنع منّي كاتباً

■ كيف هي علاقتك مع الأجيال السابقة؟

- أفخر كمصري بأنّني من البلد الذي جاء بكُلّ هؤلاء الأدباء الذين أثّروا في الوعي العربي والإنساني. ووبصفتي قارئا أُفضّل قراءة الأعمال الكلاسيكية لنجيب محفوظ ويوسف السباعي ويوسف إدريس وتوفيق الحكيم وجمال الغيطاني وخيري شلبي وغيرهم. أُحبّ أيضاً من الأجيال السابقة كُتّاب التسعينيات، وأظنّ أنّ هذا الجيل حمَل على عاتقه هُموم هذه البلاد، فهُم وُلدوا في السبعينيات حين تغيّرت ملامح المجتمع المصري، وما حدث بعدها من غزو سلفي للعقل الجمعي المصري، فبالتالي وجود هؤلاء الكُتّاب كان تحدّياً لتلك الموجة المتخلّفة والمتدروشة التي أصابت المجتمع في مقتل.


■ كيف تصف علاقتك مع البيئة الثقافية في بلدك؟

- أنا شخص انطوائي، والانطوائي يتعامل مع الجميع بِحذر. وعليه، أُحاول التعامُل مع البيئة الثقافية بِحَذر، لأنّ الدخول في متاهتها قد يُعيق مشوار الكتابة. ودائماً أحاول الحفاظ على المساحة التي تُتيح لي الظهور عن طريق كتابتي، سواء في الصحف أو في أعمالي. هذا الظهور لقول ما أريد، ولتقديم الأسئلة التي تشغلُني.


■ كيف صدر كتابك الأول وكم كان عمرك؟

- صدر كتابي الأول بعدما شجّعني معلّم اللغة العربية على تقديم القِصص التي كتبتها في فترة المُراهقة، أو في بدايات محاولاتي للكتابة الجادّة إلى دار نشر. كنتُ أعتقد أنّ الكاتب يجب أن يكون خرّيج كلّية الآداب، مثل كاتبي المفضّل نجيب محفوظ، وكانت صدمة بالنسبة إليّ معرفتي أنّه يُمكن أن أنشر كتاباتي وأنا في المرحلة الثانوية. وبالفعل أرسلت القصص إلى دار النشر، ووافقَتْ على طباعتها، وصدرت عام 2018، وكان عمري آنذاك 18 عاماً.


■ أين تنشر؟

- بعد نشر تلك المجموعة القصصية، التي صدرت عن دار نشر محلّية. كنتُ أسعى وأعمل على تحسين مستوى كتابتي بما يُؤهّلها للنشر في دُور النشر العربية. وبالفعل كتبتُ رواية "الصنادقية"، وربّما تتفاجأ حين أقول لك إنّني كتبتُ ستّ مسوّدات لها، واستغرقت رحلة كتابتها أربع سنوات، عملتُ خلالها على أن أُخرج العمل في أفضل صورة. ولذلك رُشِّحت الرواية لـ"جائزة خيري شلبي"، ونُشرت عن "دار العين" التي تُعدّ واحدة من أكبر دُور النشر في الوطن العربي اليوم. بعدها نشرتُ كتابي الثالث عن المُخرج الراحل يوسف شاهين، بعنوان "يوسف شاهين: قصّة وطن"، مع دار أُُخرى تشتهر بنشرها للأعمال غير الروائية، وبالتحديد كتُب السيرة وهي "دار ريشة". والحقيقة أنّني سعيد للغاية بالناشرين الذين تعاونتُ معهم.


■ كيف تقرأ وكيف تصف علاقتك بالقراءة: منهجية، مخططة، عفوية، عشوائية؟

- مُخطّطة، حيث أُصمّم جدولاً كلَّ عام للقسم الذي أُريد أن أكثّف القراءة فيه، وفي كلّ عام يكون هذا القسم هو الفلسفة. وأظنُّ أنّ الكاتب الذي لم يقرأ أو يدرس الفلسفة هو كاتب ينقصه الكثير، لأنّ الفلسفة هي فنّ السؤال، والكاتب إذا لم يحمل معه علامة استفهام في كلّ مكان فلا أعرف ما الغرض من كتابته. وكما أشرت قبل ذلك، في الأدب أُفضّل قراءة الأعمال الكلاسيكية سواء العربية أو الأجنبية. ولكنّ هناك كتب مؤثّرة بحقّ في وجداني، في مقدّمتها ثلاثية نجيب محفوظ، التي أعتبرها أفضل نصّ كتبَه بشر، فهو نص إعجازي لا يحاكيه أو يفوقه سوى الكُتب المقدّسة. والأمر نفسه في "فاوست" لغوته، و"هاملت" لشكسبير، و"في انتظار غودو" لصمويل بيكيت، و"الزيني بركات" لجمال الغيطاني، و"دون كيخوته" لثيربانتس، و"مئة عام من العزلة" لماركيز، والقائمة تطول. ولكنّ الأكيد أنّني لو لم أقرأ هذه الكتب ربّما كان من الصعب أن أتّخذ قرار أن أكون كاتباً.


■ هل تقرأ بلغة أخرى بجانب العربية؟

- نعم بالإنكليزية، ولكن يحدث هذا في أضيق الحدود، فعلى سبيل المثال أعدتُ قراءة "الاستشراق" لإدوارد سعيد بالإنكليزية للتأكُّد من بعض تفاصيل الكتاب التي ربّما أغفلتها الترجمة العربية، لسبب لا يعلمه أحد، أو تُرجمت بطريقة قد يكون لها تأويلات أُخرى عند قراءتها باللغة الأُمّ. وكذلك من الممكن أن أقرأ الكتب الإنكليزية التي لا تُنشر أو تُترجم في وطننا العربي، لأسباب رقابية مثل الكتب التي تتحدّث عن فلسفة الجسد والجنس والجندر.


■ كيف تنظر إلى الترجمة؟ وهل لديك رغبة في أن تترجم أعمالك؟

- أنظر إلى الترجمة باعتبارها أداةً عظيمة للتواصل مع الآخر، هذا الآخر الذي يجب أن يُغيِّر الإنسانُ مفهومه عنه، وأن يُنشئ حواراً دائماً معه. بصفتي مُترجما أظنّ أنّ من الضروري أن يعرف المُترجِم تمام المعرفة الموضوع الذي سيترجمه. فأنا قرأتُ كلّ إنتاج شكسبير، في سنوات طويلة، قبل أن أُترجِم "هل مات شكسبير؟"، ربّما فرغت من قراءة شكسبير كاملاً وأنا في الثانية والعشرين من عُمري، وتأثّرتُ بعالَمه واستوعبتُ كامل أفكاره. ولكنّنا للأسف نجد مُترجِمين يُترجمون أعمالاً وكتباً معرفتُهم بها تكاد تكون صفراً بالمائة، وعملي محرّرا أدبيا في فترة سابقة جعلني أتأكّد من هذا.

أتمنّى، بالتأكيد، أن تُتَرجَم أعمالي، ولكن من المنطلق نفسه؛ وهو التواصُل مع الآخر. لا أُريد ترجمة أعمالي من أجل الترجمة، أو لتوضع على الأرفُف في دولة أُخرى، إنما أُريد أن تُقرأ في بلاد أُخرى لا تَعرِف لُغتي، ولكن ربّما تشغلها همومي نفسها. وأيضاً لو نظرنا اليوم نجد أشخاصاً كتاباتُهم شديدة التواضع والركاكة، ولا تُقرَأ أساساً بالعربية، مع ذلك تجري ترجمتُها لأنّ لهم أصدقاء وناشرين أجانب وهكذا. هؤلاء يتباهون بترجمة أعمالهم الركيكة رغم أنّها غير مقروءة حتى بلُغتها الأُمّ، فضلاً عن المحاولة التعيسة لقراءتها بلُغة أُخرى.


■ ماذا تكتب الآن؟ وما هو إصدارك القادم؟

- أعمل حاليّاً على إنجاز مشروع ثلاثية روائية. والعمل القادم هو نشر الجزء الأوّل منها.



بطاقة

كاتب وصحافي مصري من مواليد القاهرة عام 2000. عملَ محرّراً أدبيّاً ومترجماً ومُصمّم أغلفة. صدر له: "الحقيقة والميلاد" (مجموعة قصصية، 2018)، ورواية "الصنادقية" (2023)، و"يوسف شاهين.. قصّة وطن" (2024)، وفي الترجمة "هل مات شكسبير؟" (2024) لـ مارك توين.
 

وقفات
التحديثات الحية
المساهمون