موقع Subscene: وداعاً لـ90 غيغا بايت من الترجمات

26 مايو 2024
توفّر ملف تورِنت يحتوي جميع ترجمات الموقع المُغلق (كرستوفر فورلونغ/ Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- في بداية العقد الفائت، سهّل حجم ملفات الترجمة الصغيرة تداول الأعمال الفنية عبر الإنترنت، خاصة في البلدان ذات الاتصالات الضعيفة، مما أضاف بُعدًا جديدًا للترجمة وأدى إلى تكوين مكتبة ترجمات ضخمة.
- إغلاق موقع Subscene أثار جهودًا من المترجمين العرب للحفاظ عليه، لكن ظهور بدائل لم يعوض تمامًا فقدان الثقة وضياع أرشيف الترجمات، مما يشير إلى تحديات في تقييم هذه البدائل وتوافقها مع المستخدمين.
- انتشار خدمات البث العالمية وتوفيرها للترجمات نصيًا قلص من دور المترجمين الطوعيين ووضعهم أمام تحديات حقوق الملكية الفكرية، لكن الدور الثقافي والفني للترجمة يبقى مهمًا لتجاوز الحواجز اللغوية والثقافية.

لا يتجاوز حجم ملف الترجمة النصّية باللغة العربية لفيلمٍ ناطق بمدّة ثلاث ساعات ونصف الـ140 كيلوبايت، ضمن صيغة Srt. مكّن هذا العامل تداول ترجمات الأفلام والأعمال الدرامية عبر منتديات ومواقع الترجمة المختصّة من دون عناء في مطلع العقد الفائت، ولا سيّما في البلدان رديئة الاتصالات والتي تفتقر إلى دور العرض السينمائي. وقد كان لتوافر الأعمال الفنية عبر الإنترنت بُعدٌ ثوريّ على مستوى الانتشار قبل سيادة البث التدفّقي، شرعيّاً كان أم مقرصناً.
أضافت إمكانية توفر الترجمة والتحكم بها سِحراً آخر. كان للفيلم الواحد أو الحلقة التلفزيونية عدّة إصدارات بأسماء ملفاتٍ متفاوتة نظراً إلى تعدد فرق القرصنة، يتباين كلّ منها بتوقيت الترجمة الصحيح، وكان للمستخدم صلاحية دفعها أو تأخيرها بنقرات بسيطة. حقق المترجمون العرب مكتبة ترجمات مهولة الحجم، تشمل معظم ما توفّر على الأقراص الرقمية، إضافةً إلى ترجماتهم الشخصية التي عكست خياراتهم الفنيّة. هذه البداية التي فقدت فرادتها سريعاً وأصبحت بديهية عند أي فرجة، مرّت بتحوّلات عدّة وتحديات تنافسية متوقّعة، قبل أن تصل إلى طور المقصلة الذي يمر فيه الإنترنت أثناء تقدّمه السريع على كل ما هو مجاني ومتوفر لدرجة البديهية.
مثّل موقع Subscene ساحة رئيسية لتبادل الترجمات مفتوحة المصدر، قبل أن يُعلن مديره عبر منشورٍ على منتدى الموقع عن نهاية الرحلة في الثاني من مايو/أيّار الحالي، شاكراً المساهمين، وممهلاً 24 ساعة قبل خروجه عن الخدمة مع إمكانية الولوج للأعضاء المسجّلين لفترة قصيرة قادمة. وبما أن لا شيء يذهب عن الشبكة، توفّر سريعاً ملف تورِنت يحتوي جميع ترجمات الموقع بحجم 90 غيغا بايت، أي ما يقارب 700 ألف ملف ترجمة بالمدة المفروضة سابقاً. وبالطبع، يقارب العدد الفعلي للترجمات ضعف هذا الرقم شاملاً عديد اللغات.
يتحدث المخرج والمترجم أنس زواهري إلى "العربي الجديد" عن الموقع بوصفه المنصة التي اتفق عليها المترجمون العرب لجمهرة أرشيفهم، والذي يعتبره أقلّ حجماً من مكتبات الترجمات بلغاتٍ أخرى، علماً أن جهود المترجمين طوعيّة ولا يُقدِّم لهم الموقع أي دعمٍ مادّي.

موقع Subscene: نهاية حتمية

لم يكن الإغلاق مفاجئاً باستثناء توقيته وآنيّته. ففي منشورٍ سابق نهاية شهر فبراير/شباط الماضي، أوضح مدير ومالك موقع Subscene عن نيّته عدم الاستمرار، بسبب ارتفاع التكاليف وعدم نيله عوائد مادّية نظراً إلى انخفاض أعداد التصفّح. وسواء نتج ذلك عن حجب محرّكات البحث للموقع، أو لسهولة تحصيل الترجمات ضمن شروط المشاهدة الحالية، فقد أُتبِع الإعلان بجهودٍ حثيثة أغلبها من المترجمين العرب لشراء الموقع، أو وضع اشتراك رمزي، إلى جانب طروحاتٍ أخرى تضمن للمدير ملكيّة الموقع، مثل تخصيص رابط للتبرعات، لكنّها جوبهت برفضٍ متعنّت ومتوقّع كما يتضح من تاريخ تعامله مع المترجمين.
طفت البدائل على السطح سريعاً، وسيكون من العصي تقييم المواقع التي تحاول نيل نصيبٍ من الاعتماديّة لدى المستخدمين والمترجمين في الوقت الحالي، إذ جنح معظم المترجمين لطرح ترجماتهم الجديدة على معرّفاتهم الخاصّة، فإغلاق موقع Subscene نال من ثقتهم بسبب ضياع أرشيفهم، ونقصد الروابط وعناوين الاتصال التي باتت تقود إلى لامكان، رغم إنقاذ ملفّات الترجمة. تبدو البدائل الجديدة غير متوافقةٍ مع النشر على وسائل التواصل الاجتماعي، على عكس الموقع الأثير الذي كان سهل التداول وغير محاصر بقيود الملكية الفكرية، إلى جانب تصاميمها الحديثة المحيّرة نسبياً بالمقارنة مع الشكل البسيط في السابق.

شروط مشاهدة جديدة

انقضت حقبة البحث عن ترجمةٍ حرّة قبل صدورها رسمياً. تمتلك معظم خدمات البثّ العالمية امتيازاً في المنطقة العربية حالياً، وتتوفر الترجمات نصّياً عند الصدور، بعد أن كانت حتى بداية الألفية تتأخر لسنوات وتُصاغ صوريّاً، ما يجعل استخراجها وتزمينها أمراً معقّداً. بالطبع، هذا الميل للانتشار ليس حكراً على المنطقة العربيّة. تطرح "نتفليكس" أعمالها الأصلية مع ترجمة مرفقة لأكثر من 20 لغة وسطيّاً، كذلك هو الحال بالنسبة لمنتجات "أبل" المرئيّة، وتتراوح خيارات اللغة بين اللغات الأوروبية المحلية واللغات المشرقية وصولاً إلى الصينية، إضافة إلى توفّر خيارات الترجمات الموجّهة لذوي الإعاقة السمعيّة؛ فتتوسع الترجمة لتشمل توصيفاً للأصوات.
تتفوق "نتفليكس" بإدراجها الترجمات الصوتية عبر الدوبلاج إلى أكثر من 10 لغات من بينها العربية، وجميع هذا يصدر منذ إتاحة مشاهدة العمل من دون تأخير. وبقدر ما تبدو الأمور جذّابةً وبمتناول يد المُشاهد، سواءً كان يدفع ثمن اشتراكه أو يلجأ إلى طرقٍ ملتوية، فقد كان لهذه الثوريّة بالغ الأثر على دور المترجمين، من سلب ترجماتهم الطوعيّة في بعض الحالات، إلى تحولّ دورهم إلى رافعي ترجماتٍ رسميّة؛ ما أوقعهم في مطبّ حقوق الملكية الفكريّة.
بدوره، تحدّث المخرج الكوري جون-هو بونغ في خطابه عند تلقّي جائزة غولدن غلوب لأفضل فيلم أجنبي عن فيلمه Parasite في عام 2020، حول ضرورة تجاوز الحاجز المتمثّل بالترجمة، وما إن يحصل ذلك سيتعرّف الجمهور الغربي إلى أفلامٍ مذهلة، وقد كان له في وقتٍ لاحق تحقيق الجمع بين أوسكاري أفضل فيلم وأفضل فيلم دولي للمرة الأولى في تاريخ الجائزة، علاوةً على كونه أول فيلمٍ غير ناطقٍ بالإنكليزية ينال الجائزة الرئيسية لحفل الأكاديمية. تحدّث المخرج في كلا الحفلين بالكوريّة، وشاركته المنصّة مترجمة فوريّة في لفتةٍ منه إلى دور المترجمين في الانتشار الواسع للسينما.

يختلف الوضع في منطقتنا؛ فالترجمة ضرورية لشرط المشاهدة. يقول زواهري إن عدم توفر الترجمة العربية لفيلم تخفض أسهم مشاهدته، بمعزلٍ عن إتقان اللغة، لأن كثيرين لا يفضلون إشغال نفسهم بلغة أجنبية تزاحم الصورة السينمائية، وهذا كان دافعه إلى الترجمة بما يكفل إغناء الأرشيف العربي من ترجمات السينما العالمية، وبلغت عدد ترجماته 170 فيلماً منذ مساهمته في المجال عبر موقع Subscene منذ عام 2016. ولدى السؤال عن ضرورة القرصنة لاستمرارية السينما، يجيب بأن ما أتاحته الإنترنت في البدايات كان جوهريّاً لانتشار تيارات سينمائية مختلفة على الصعيد العربي، ما أسهم في الاطلاع على ثقافاتٍ عالميّة وتشكيل ذائقة الجمهور. ومن المعلوم أن صنّاع الصورة لا يولون كثيراً من الاهتمام التجاري للقطاعات الجغرافية التي لا تتوفر فيها حركة شباك تذاكر نشطة، بل تكمن أهميتها كسوقٍ متعلق بالانتشار.

تتفرّع إشكالية مهمّة عن الركون إلى الترجمات الرسمية وغياب الفضاء مفتوح المصدر لتبادل الترجمات، ويتعلّق ذلك بهيمنة المحتوى المتوفر بشروطٍ مريحة ضمن مكتبات المشاهدة حسب الطلب، ما يقلّص تقصّي الجمهور عن خيارات فنّية غير مطروحة ضمن اشتراكاتهم. حالةٌ ملموسة بشدّة كما في السؤال عند ذكر أي عملٍ فنّي إن كان متوفرًا على "نتفليكس".

المساهمون