مكتبات وأرشيف غزة: من يستطيع إحصاء كل هذا الخراب؟

مكتبات وأرشيف غزة: من يستطيع إحصاء كل هذا الخراب؟

11 فبراير 2024
قسم الأرشيف في بلدية غزة بعد تدميره في نوفمبر الماضي (عمر القطاع/ فرانس برس)
+ الخط -

محاولة تنفيذ إحصاء دقيق للدمار الذي سبّبته حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة شبه مستحيلة، وقد تحتاج لأشهر طويلة بعد انتهاء العدوان. لكن الأكيد أن القصف الإسرائيلي طاول كل القطاع وكل المباني السكنية، والتربوية، والثقافية، والتراثية، والصحية، ودور العبادة. والأكيد أيضاً أن محاولة الاحتلال إخفاء حجم جرائمه بات مستحيلاً.
قبل أيام، أصدرت شبكة أمناء المكتبات والأرشيف من أجل فلسطين، وهي تجمّع لعاملين في مجال المكتبات وجمع الوثائق حول العالم، تقريراً وثّقت فيه لاستهداف الاحتلال المكتبات العامة والخاصة والمتاحف، ما أدّى إلى تدميرها أو تضررها، أو سرقة محتوياتها، منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، تاريخ بدء حرب الإبادة على القطاع.
إلى جانب التدمير الكامل للأرشيف المركزي في غزة (الذي يحتوي على 150 عامًا من السجلات المتعلقة بتاريخ غزة) والمسجد العمري الكبير (الذي يحتوي على واحدة من أهم مجموعات الكتب النادرة في فلسطين)، وثقت الشبكة تدمير الاحتلال ما لا يقل عن 13 مكتبة مختلفة، تعرضت لأضرار جسيمة أو دمرت بالكامل.

استحالة إحصاء الدمار في غزة

يبدأ التقرير، الذي يرصد الفترة الممتدة من السابع من أكتوبر حتى نهاية يناير/كانون الثاني الماضي، بالتأكيد على أن "تدمير التراث الثقافي في غزة يزعزع الهوية الجماعية للشعب الفلسطيني، ويحرمه بشكل لا رجعة فيه من تاريخه، وينتهك سيادته"، ويمضي في شرح صعوبة تحديد الحجم الحقيقي للدمار الذي لحق بالتراث الثقافي في القطاع، وذاك الذي طاول قطاع المكتبات والمتاحف في غزة.
تقول الشبكة في تقريرها: "هذا التقرير غير مكتمل بالضرورة. من الصعب جدًا تحديد وضع الأرشيف والمكتبات والمتاحف في غزة بينما القصف الإسرائيلي مستمر. إن الظروف الحالية في غزة، مثل استهداف الصحافيين، وانقطاع الاتصالات المتكرر، والأضرار الجسيمة التي لحقت بالبنى التحتية، تشكل تهديدًا مباشرًا لسلامة الجميع. كذلك، فإن استهداف موظفي مراكز الأرشيف وأمناء المكتبات من خلال القتل أو الإصابة أو التهجير بشكل متكرر يزيد من صعوبة تقييم الأضرار التي لحقت بالتراث الثقافي. ونتيجة لذلك، ينبغي الافتراض أن هذا التقرير لا يمثل سوى جزء صغير من حجم الأضرار، وليس صورة كاملة".
تشير الشيكة إلى أن الهدف من تقريرها هو تقديم دليل إضافي على أنّ "محو الثقافة والتاريخ الفلسطيني كان منذ فترة طويلة تكتيكًا إسرائيليًا للحرب والاحتلال، ووسيلة للحد من حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره. في عام 1948، خلال النكبة، جرى نهب 30 ألف كتاب ومخطوطة من منازل الفلسطينيين؛ وفي عام 1982، أثناء الغزو الإسرائيلي للبنان، نهبت إسرائيل وصادرت مكتبة وأرشيف منظمة التحرير الفلسطينية؛ تضررت المكتبات والأرشيفات خلال الانتفاضة الثانية، واستهدفت بشكل متكرر في غزة. مع الإشارة إلى أن التدمير المتعمد للتراث الثقافي يعتبر جريمة حرب يُحاكم مرتكبها في المحكمة الجنائية الدولية".

المكتبات المدمّرة

تشمل قائمة المكتبات المدمرة في قطاع غزة بحسب إحصاء الشبكة: مكتبة جامعة غزة (التي دمرت في 9 أكتوبر)، ومكتبة IBBY للأطفال في الأزمات (التي سبق أن دمرتها غارة جوية إسرائيلية في عام 2014)، ومكتبة ديانا تماري صباغ (التي كانت تحتوي على عشرات المكتبات) وتضم آلاف الكتب، وكانت تؤوي مئات المهجّرين الفلسطينيين قبل أن تقصفها قوات الاحتلال في 25 نوفمبر/ تشرين الثاني)، ومكتبة جامعة الإسراء والمتحف الوطني (الذي نهبه الجيش الإسرائيلي قبل أن يدمّره تماماً في 18 يناير).

ما هي شبكة أمناء المكتبات والأرشيف؟

بين شهرَي يونيو/ حزيران ويوليو/ تموز 2013، سافر وفد من أمناء المكتبات والأرشيف وغيرهم من العاملين في مجال المعلومات (من الولايات المتحدة، وكندا، والسويد، وترينيداد وتوباغو، وفلسطين) إلى فلسطين، وبعدها اعلنوا تشكيل شبكة أمناء المكتبات والأرشيف من أجل فلسطين. كان هدف الرحلة وقتها معرفة كيف تصل الأصوات الفلسطينية إلى العالم، أو بالأحرى كيف يحجبها الاحتلال عن العالم، و"كيف يستطيع الفلسطينيون - أو لا يستطيعون - الوصول إلى المعلومات في ظل الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي، كنا نهدف إلى تطوير روابط ملموسة وتبادل المهارات على أساس التضامن المتبادل"، وفق ما تقول الشبكة نفسها في تعريف على موقعها الإلكتروني.

خلال تلك الزيارة، أمضى هؤلاء وقتهم بين الضفة الغربية والقدس والأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، "واحترمنا وقتها دعوة المجتمع المدني الفلسطيني لمقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات عليها، ولم نتشارك مع أي منظمة تنتهك هذه الدعوة". وقتها، اطلع الوفد بشكل مباشر على استهداف الاحتلال وتدميره لكل مصادر المعلومات والأرشيف في فلسطين، ودعم الجهود المبذولة للحفاظ على التراث الثقافي والمواد الأرشيفية (بجميع أنواعها) في فلسطين. سافرنا كباحثين عن الحقيقة ومشككين في المعلومات، حريصين على الاستغناء عن الصور السطحية وغير الدقيقة للحياة في فلسطين التي نراها في الغرب، والتعرف على واقع الحياة تحت الاحتلال والاستعمار الاستيطاني. وعندما عدنا إلى مجتمعاتنا، التزمنا بمشاركة ما رأيناه، وتطبيق ما تعلمناه، ونشر المشاريع التي زرناها، وكسر الحواجز التي تحول دون الوصول بأي طريقة ممكنة".

المساهمون