معرض "شخص ما يصبح ثرياً" يسلط الضوء على العلاقة بين المال والاستعمار

معرض "شخصٌ ما يصبح ثرياً" يسلط الضوء على العلاقة بين المال والاستعمار

20 ديسمبر 2023
استوحى المعرض اسمه من أحد أعمال كلير فونتين (إكس)
+ الخط -

تزامنت الحملات الاستعمارية الغربية الأولى مع الثورة الصناعية والاكتشافات الجغرافية الجديدة. ومع اتساع هذه الحملات الاستعمارية، ظهرت حاجة ملحة إلى الأموال من أجل الإنفاق على هذه الحملات. ولأن قدرة الأنظمة السياسية والحكومات كانت محدودة، ظهرت شركات الأسهم كحل مبتكر لسد هذا العجز.

عن طريق هذه الشركات، يمكن جمع الأموال من المواطنين لاستثمارها في الأراضي المكتشفة، مع وعد بالأرباح. ومن أجل زيادة هذه الأرباح، كان لا بد من البحث عن حلول للحد من تكلفة هذه الاستثمارات. وكان نظام العبودية هو الحل الأمثل.

وفّر هذا النظام أيادي عاملة رخيصة لتشغيلها في مزارع القطن وقصب السكر، وغيرها من المشاريع الكبرى في الأراضي المُستعمَرة. بهذا، ساهم المستثمرون في ترسيخ نظام السخرة، وتربحت آلاف العائلات الأوروبية، واستفادت من عذابات الملايين من سكان هذه المستعمرات.

وقد شكل هذا الارتباط بين المال والاستعمار الملامح الأولى للنظام المالي العالمي الحالي.

"شخصٌ ما يصبح ثرياً" هو عنوان المعرض الذي يستضيفه متحف تروبين في أمستردام، من أجل إلقاء الضوء على العلاقة بين المال والاستعمار، وآثاره الممتدة إلى اليوم. يستمر المعرض حتى السابع من يناير/ كانون الثاني المقبل، ويشارك فيه فنانون من جنسيات مختلفة. المعرض من تنسيق القيمة الهولندية كاري بيلتو.

تجمع الأعمال المشاركة بين الفوتوغرافيا والفيديو والتجهيز والنحت والرسوم، كما تتخذ مسارات متنوعة في تعبيرها عن الفكرة، إذ تراوح بين المعالجات المباشرة والهزلية أو الساخرة.

من بين الأعمال المشاركة، يأتي عمل الفنان البريطاني هيو لوك بعنوان "قرض الولايات الكونفدرالية الأميركية". تعود أصول لوك إلى غيانا، وهي مستعمرة بريطانية هولندية سابقة.

ويتناول في عمله العلاقة المتبادلة بين تداول الأسهم والاستعمار. يقدم مجموعة من الأعمال المرسومة على أسهم أصلية لإحدى الشركات الاستعمارية الأميركية في ستينيات القرن التاسع عشر. تمثل الصور التي رسمها على هذه السندات شخصيات معروفة لموسيقيين سابقين ومعاصرين، يعكسون الثقافات الأصلية المتضررة من استغلال الشركات.

يؤكد لوك من خلال هذا الربط بين السندات المالية والرسومات، أن رواسب هذه الأفكار العنصرية لا تزال تتحكم في مصير العالم وتغذي جانباً محورياً من الثقافة والسياسة الدولية في عالمنا المعاصر.

إعلام وحريات
التحديثات الحية
بين الأعمال المشاركة في "شخصٌ ما يصبح ثرياً"، أيضاً، تبرز فوتوغرافيا للمصوّر الفرنسي آلان برنارديني. وتظهر الصورة عاملة تنظيف من أصول أفريقية، جالسة باسترخاء على أريكة في بهو المؤسسة المالية الباريسية التي تعمل بها. تكشف الصورة والهيئة الواثقة لهذه السيدة، عن رغبتها في تجاوز طبقتها الاجتماعية، حتى ولو كان ذلك عن طريق التخيل.
أما العمل التجهيزي للفنانة باسكال مونين، المعروض تحت عنوان "الدين المزدوج"؛ فيلفت الانتباه إلى الآثار المدمرة التي خلفها الاستعمار حتى بعد انتهائه الفعلي.

وباسكال مونين هي فنانة من أصول سويسرية، لكنها ولدت ونشأت في هاييتي، وهي مستعمرة فرنسية سابقة.

يظهر العمل رأس امرأة مثبتاً على ميزان قديم، كتلك التي كانت تُستخدم في مزارع العبودية. يرمز رأس المرأة إلى هؤلاء الذين ناضلوا من أجل الحرية والعدالة.  أما رأس الصبي المغطى بالعملات أسفل الميزان فيرمز للأجيال الحالية المكبلة بالدين للمستعمر القديم.

بعد سنوات طويلة من الاستعمار الإسباني ثم الفرنسي، تمكنت هاييتي من نيل استقلالها عام 1804 بعد نضال طويل. ومن أجل الحصول على الحرية الكاملة، كان على هذه الدولة الفتية دفع غرامة مالية كبيرة مقابل الاستقلال، وظل هذا الدين يكبل هاييتي لأكثر من قرن.

 يعبر عمل مونين عن الضرر الذي أصاب اقتصاد هاييتي وتأثيره على الأجيال الحالية والمستقبلية. تقول مونين: "هل يمكننا وزن هذا الظلم؟ وهل من الممكن التوصل إلى تسوية عادلة رغم كل ما حدث؟".

استلهم المعرض عنوانه، "شخصٌ ما يصبح ثرياً"، من عبارة تضمنتها أحد الأعمال المشاركة التابعة لمجموعة الفنانة كلير فونتين. يمكن رؤية هذا العمل في سياقات مختلفة، إذ تشير حروف النيون إلى الثروة التي تراكمت في أوروبا لعدة قرون على حساب الناس والموارد في أماكن أخرى من العالم.

واستوحت مجموعة كلير فونتين هذا العمل من الكتابات التي عُثر عليها على الجدران في مدينة نيو أورليانز عاصمة ولاية لويزيانا الأميركية بعد إعصار كاترينا، التي كانت في السابق مركزاً مالياً مهماً.

المساهمون