كتابٌ عن نبيل المالح: استسهالُ التكريم

كتابٌ عن نبيل المالح: استسهالُ التكريم

12 يناير 2022
نبيل المالح: أكبر من كتاب وأهمّ من تكريم (الملف الصحافي)
+ الخط -

 

يستحقّ السوريّ نبيل المالح (1936 ـ 2016) أكثر من كتابٍ ودراسةٍ، لما في نتاجيه، السينمائي والتلفزيونيّ، من مسائل مُثيرة لنقاشٍ وتحليل. لكنّ "نبيل المالح: العين الثالثة، شغف الإبداع السينمائي" ("خطوط وظلال"، عمّان، الطبعة الأولى، 2021) غير متوافقٍ البتّة مع ما يستحقّه المالح، لخلّوه التام من أي جديدٍ. فالكتاب مكتفٍ بمقالاتٍ وحوارات لنقّاد وصحافيين، تميل إلى الصحافة، وإنْ يكن بعضها نقدياً، لكنّه يقترب أكثر إلى العمل الصحافي السينمائي؛ وبمقتطفاتٍ من أقوالٍ للمالح، مع صُور وبطاقات تعريفية بأفلامه الروائية.

يَجمعُ نقّادٌ عرب، ينتمون إلى جيل سابقٍ، مقالاتٍ لهم في كتبٍ كثيرة، يُصدرونها بين حينٍ وآخر. يندر بينهم من يجهد، ولو قليلاً، في تأليف كتابٍ، ومن يفعل، وهم قليلون جداً، يُقرّون بأنّ "مادة" الكتاب مُوَلَّفة من مقالاتٍ سابقة، تشترك في قراءتها أحوال شخصيةٍ سينمائية ونتاجاتها، فيُهلَّل بمُنجزٍ ناتجٍ من "إعادة صوغ" مقالاتٍ في نصٍّ واحدٍ. قليلون جداً بينهم يؤلّفون كتباً، تحتاج بدورها إلى نقاشٍ.

لكنّ العراقيّ قيس الزبيدي (المُولِّف والمخرج السينمائي أساساً) يرى أنّ جَمْعَ مقالاتٍ وحواراتٍ لآخرين في كتابٍ ـ يريده تكريماً لـ"فنان طليعيّ، اختار على مدى عقودٍ أنْ يضع، كما يُقال، سينما عربية، وهي على مفترق طرق، على خريطة السينما في العالم" ـ أسهلُ من جَمْعِ مقالاتٍ له عن نبيل المالح، إنْ تكن هناك مقالات له عن المالح.

يختار مقالاتٍ يعتبرها "شهادات" لـ"أهمّ نقّاد السينما". المُطّلع على الكتاب يكتشف، سريعاً، أنّ غالبية الأسماء ـ المنشورة مقالات وحوارات لها في هذا الكتاب ـ غير منتمية إلى النقد السينمائي العربي، وبعضها لمشتغلين في الصحافة، ونصوصهم عن المالح متأتية من رغبتهم في عملٍ، لا من اهتمامهم الجدّي والعميق والدائم بالسينما. النقّاد في الكتاب المذكور يوضعون إلى جانب طارئين على النقد، وعاملين وعاملات في الصحافة الثقافية والفنية. أسماء تظهر بين حينٍ وآخر في النقد والصحافة، وبعضها يختفي كلّياً عن المشهد، أو يبقى فيه لكنْ في شؤون أخرى: رندة الرهونجي وإسراء الردايدة وإبراهيم الجبين وأغيد شيخو وحنان فهد. أهؤلاء نقّادٌ فاعلون في المشهد السينمائي، أم صحافيون وصحافيات فقط؟

 

 

هناك أيضاً مرثيات فيسبوكية، وهذا حقٌّ للجميع؛ وهناك نصّ لسعيد البرغوثي (كاتب وناشر)، تصفه ملاحظةٌ بأنّه "مقدّمة لحوار طويل"، من دون ذكر مصير هذا الحوار. النقّاد الآخرون ينتمون إلى أكثر من جيل، ولبعضهم مكانةٌ وحضور: عدنان مدانات وسمير فريد وكمال رمزي وهوفيك حبشيان وراشد عيسى وأمير العمري وسامر محمد إسماعيل وناجح حسن ومحمد رضا. هناك مقالة للمخرج السوري محمد ملص أيضاً.

إضافةً إلى هذا، يغيب التوثيق عن الكتاب، إذْ تختفي كلّ إشارةٍ ضرورية إلى مصدر المقالة أو الحوار أو الكلام، وإلى تاريخ نشرها، باستثناء بعض المُختار فيه. كما يختفي كلّ جهدٍ لقيس الزبيدي، باستثناء بضع كلمات له منشورة على الغلاف الأخير، تتضمّن قراءة نقدية مختصرة. المقدّمةُ مقالةٌ للراحل بشّار إبراهيم. مع هذا، يضع الزبيدي اسمه كاملاً على الغلاف الأول، فيظنّ مهتمٌّ أو قارئ بأنّ الكتاب من تأليفه، قبل أنْ يكتشف أنّه من إعداد الزبيدي وتحريره (الصفحة 3). هذا غير مهنيّ. هذا غير احترافيّ.

يستحيل وضع الكتاب في خانة النقد، بينما يصعب اعتباره تكريماً يليق بنبيل المالح. المقالات المختارة تندرج في مناسبة رحيله أو في مقاربة فيلمٍ. الحوارات، بعضها طويل، مُفيدةٌ، لأنّها تعكس شيئاً من هموم المالح وهواجسه وتساؤلاته وانشغالاته. هذا وحده يشفع للكتاب، لأنّه يُسهِّل على المهتمّ الاطّلاع على بعض ما لدى المالح من إنجازات وتأمّلات، إلى نصوصٍ رثائية ونقدية، تبقى مُلك أصحابها، رغم أنّ بعضها خالٍ من مصدره.

المساهمون