فيلم "لقد استنسخوا تايرون": ثلاثي متناقض يكشف مؤامرة حكومية

فيلم "لقد استنسخوا تايرون": ثلاثي متناقض يكشف مؤامرة حكومية

03 سبتمبر 2023
الفيلم الروائي الأول لجويل تايلور (نتفليكس)
+ الخط -

"اذهب واتصل بتايرون" تصيح إيريكا بادو في أغنيتها التي تحمل هذا العنوان. يتردد الصوت الآتي من التسعينيات إلى أن تصل أصداؤه إلى المخرج جويل تايلور، فيهبّ مجيباً في فيلمه الذي صدر أخيراً: "تايرون لن يجيب على اتصالاتك، فلقد استنسخوه". يقرر الاثنان أن يجتمعا، يطلب تايلور من بادو بحياء، الشاب الذي يخطو أولى خطواته في عالم السينما، أن تستبدل عبارة "اتصل بتايرون"، لتصبح "لقد استنسخوا تايرون"، كي يجعل منها تتراً لنهاية فيلمه.
تتمثل بادو في أغنيتها روح امرأة سوداء مغتاظة من الرجل الذي تحب، أما تايلور فيزيد الموضوع تعقيداً، إذ يستند بقصته إلى تراث العبودية والاضطهاد الذي تعرض له أبناء عرقه عبر التاريخ.
من نافلة القول أن السود لم يستعيدوا حريتهم تماماً بعد إعلان الرئيس الأميركي أبراهام لينكولن "تحرير العبيد" عام 1865، إذ قامت الثورة الصناعية، وجلبت معها وثبة علمية كان من شأنها تحويل ثنائية "عبد" أسود وسيد أبيض إلى عامل ورأسمالي، بل حتى إلى فأر تجارب وعالِم. في القرن التاسع عشر سادت قناعة شديدة العنصرية تقول إن السود أكثر تحملاً للألم من البيض، وبناءً على فكرة تنص أن الغاية العلمية تبرر الوسيلة الوحشية، طبقت عليهم أكثر التجارب العلمية سادية.
بتقنيات من له باع طويل في العمل السينمائي، يمد المخرج الأفرو-أميركي الشاب جويل تايلور (37 عاماً)، في فيلمه الروائي الأول "لقد استنسخوا تايرون" They Cloned Tyrone، خيطاً سحرياً يربط الماضي بالحاضر، ويستحضر مفردات قديمة، ويضمن أشكال الاضطهاد التي دخلت القاموس المعاصر. يأتي بشخصيات نمطية اعتدنا مشاهدتها في كليبات راب العصابات، ويزجها بحكاية فيها الكثير من الأصالة.


هم أناس الأحياء السوداء الفقيرة حيث تنشط العصابات، ويشيع الخروج عن القانون، ويزدهر عنف الشرطة للحيّ الذي اختار تايلور تصوير فيلمه فيه. للحي ملامح واضحة، ويكاد يكون شخصية قائمة بذاتها، والشخصيات الأخرى التي تدور في فضاء الحي الأفريقي هي مفردات فرزها السياق الاجتماعي الاقتصادي للمكان، فتارةً نرتطم برجل يلوح بمسدسه وآخر يجري صفقة مخدرات، وتارةً أخرى نصادف رجلاً بأسنان ذهبية وجنازير ثخينة يرفع أوزاناً في الشارع. هكذا يمهد تايلور لظروف قصته.
يؤدي الممثل جون بوييغا دور "فونتين"، تاجر مخدرات يعيش في حي غلين. في الدقائق الأولى من الفيلم يظهر "فونتين" كرجل أسود جريء دائم العبوس. يبدأ بقيادة القصة، ويتفادى رصاص رجال عصابة، ويدخل في صفقات غير مشروعة. سرعان ما يقتل بطلنا بعد زيارته القواد "سليك تشارلز" (جيمي فوكس). "سليك" وإحدى الفتيات اللاتي يعملن في تجارة الجنس، "يويو" (تيونا بريس)، شهدا مقتل "فونتين". ما يثير استغرابهما أنه يعود للحياة، من دون أثر لرصاصة من الرصاصات التي اخترقت جسده، وحينها يكتشف الثلاثة أن الحكومة الأميركية حولت حيهم إلى حقل تجارب، عبر استنساخ أهله في محاولة لترويضهم.
ينتمي فيلم "لقد استنسخوا تايرون"، المتاح على منصة نتفليكس، إلى سينما "استغلال السود" (blaxploitation). استقى المخرج خطاب عمله من كلاسيكيات هذا النوع، وبإمكاننا رصد ملامح تأثره بأفلام أخرى، إذ نصطدم بغتةً بمشهد شهير من فيلم ستانلي كوبريك "إيه كلوكوورك أورنج" A Clockwork Orange، الصادر عام 1972، بالتزامن مع انطلاق أفلام استغلال السود، عدا عن أن فكرة الترويض بحد ذاتها تتقاطع مع فيلم كوبريك نفسه. بعض تفاصيل قصته تتشابك مع فيلم "غِت آوت" Get Out لجوردان بيلي، الذي فاز بجائزة أوسكار عن فئة أفضل سيناريو أصلي في الحفل الذي أقيم في مارس/ آذار 2018.
يؤكد تايلور الهوية الأفرو-أميركية التي تحاول الحكومة البيضاء طمسها. يظهر رجال بيض لهم شعر أشعث كالأفارقة، لنكتشف فيما بعد أن الاستنساخ يحوّل السود نسخة بعد الأخرى إلى بيض، لجعلهم أكثر خضوعاً. وحده الشعر عصيّ على التغيير، لكونه جزءاً لا ينفصل عن الهوية السوداء، بتلميح شبيه بآخر يعرضه المخرج سبايك لي في فيلمه "بلاككلنسمان" BlacKkKlansman الصادر عام 2018، حين يعرض الشاب الأسود أن يتخلى عن شعره الأشعث مقابل العمل مع رجال الشرطة البيض.
يتردد ظهور التلفزيونات في الفيلم، ليشير تايلور إلى أن ما يبثّ على الإعلام له شأن في تعزيز قبضة الحكومة على السود، ذلك عن طريق الترويج لأنماط استهلاكية موجهة للجمهور الأسود. تكتشف شخصيات الفيلم الثلاث أن السلع المعلن عنها عبر الشاشة الصغيرة وسيلة من وسائل السيطرة.
أصابع الاتهام موجهة إلى السلطة التي تعبث لتدمير المجتمع الأسود. تبدو النزعة الأناركية (اللاسلطوية) من مستويات خطاب الفيلم، فيبدي معارضة لأشكال السلطة، لا سيما في التلميحات التي تتطرق إلى انتشار مجتمع الجريمة وكأنه ردة فعل على قمع الأنظمة، فالتدخل السلطوي لا يولّد سوى قهر الإنسان واستلاب حريته أو استنساخه، ليصبح كدمية تدار بخيوط.

سينما ودراما
التحديثات الحية

يتهم تايلور السلطات الأميركية بتكريس مهن خارجة عن القانون في أحياء السود، تحت شعار مستعار من النظرية الوظيفية في علم الاجتماع، إذ لكل فرد في المجتمع دور يخدم الدولة التي تتمثل مساعيها في إدارة الأدوار والحدّ من الصراع بينها، فليس من مصلحة الدولة إلغاء المهن الخارجة عن القانون، لأنها ستلغي معها وظيفة الجهاز الأمني في الدولة.
وضع سيناريو الفيلم عام 2019 في القائمة السوداء التي تضم أفضل النصوص غير المصوّرة. القائمة ضمت من قبل أفلام حاصلة على أوسكار مثل "جوجو رابت" JoJo Rabbit الصادر عام 2019 و"أرغو" Argo الصادر عام 2012.

المساهمون