عن راهن السينما المغربية: نجاحات تحتاج إلى صناعة متكاملة

13 مايو 2024
فوزي بن السعيدي: تكريمٌ طغى على ندوة السينما المغربية (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- ندوة "السينما المغربية اليوم" تركز على تجربة المخرج فوزي بن السعيدي وتكريمه، دون مناقشة مباشرة لتألق السينما المغربية دوليًا، مع تعبير المشاركين عن قلقهم بشأن غياب صناعة سينمائية متطورة.
- تواجه السينما المغربية تحديات مثل نقص الدعم المادي وصعوبات التوزيع، مع التأكيد على ضرورة تطوير البنية التحتية وإيجاد حلول لتراجع عدد القاعات السينمائية.
- وجهات نظر متباينة بين العاملين في الصناعة حول وضع السينما المغربية، مع الإشارة إلى الحاجة لتطوير الصناعة وتحسين جودة وتوزيع الأفلام لخلق سوق سينمائية محلية قوية.

 

"لم تُثَرْ في الندوة مواضيع لها علاقة بالسينما المغربية اليوم، رغم تألّقها وحضورها في المهرجانات الكبيرة، وحصولها على جوائز، خاصة تلك التي أثارت ضجة كبيرة، ومنها "كذب أبيض" (2023) لأسماء المُدير، و"أزرق القفطان" (2022) لمريم التوزاني، و"أنيماليا" (2023) لصوفيا علوي. رغم أنّه يُكتَب عن تلك الأفلام في كلّ مكان، كأنّ السينما المغربية اليوم بخير وتتطوّر، إلاّ أنّنا، في الوسط السينمائي، نشعر بنوع من القلق الشديد. لماذا؟ أولاً، لم نتمكّن من إيجاد صناعة سينمائية في المغرب، فالآن الجميع تقريباً مقتنعون بضرورة الانتقال إلى الصناعة السينمائية، وألّا نظلّ نُنتج بكيفية عشوائية فقط لأفراد، بدعم من الدولة، فلا نحصل على جوّ سينمائي حقيقي، إنتاجاً وتوزيعاً وحقوق استغلال".

هذا ما قاله خليل الدامون (ناقد سينمائي) لـ"العربي الجديد"، بعد ندوة "السينما المغربية اليوم: أنفاس ومسارات جديدة"، التي أقيمت في الدورة الـ29 (27 إبريل/نيسان ـ 4 مايو/أيار 2024) لـ"مهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط". فيها، تناولت ثلاث مداخلات تجربة المخرج فوزي بن السعيدي، الذي احتفى المهرجان بتجربته السينمائية، وعرض أفلامه الطويلة والقصيرة كلّها، في بادرة أولى من نوعها في المغرب، ومَنَحه درعاً تكريمياً في حفل الختام، سلّمه إياها المخرج الفلسطيني إيليا سليمان، رئيس لجنة التحكيم، الذي امتدحه في الافتتاح، مُعرباً عن سعادته بمشاركته في دورة تُكرِّم "هذا المخرج المغربي المهم"، كما قال.

 

ملامح راهنة

اختلفت مداخلة الزميل سعيد المزواري (ناقد سينمائي) قليلاً في الندوة، إذْ تحدّث عن "الملامح المميزة للسينما المغربية في العقد الأخير، بديناميكيّتها النسبية للفيلم الوثائقي، بفضل سينمائيات كالمخرجة سيمون بيتون والمنتجة المخرجة إيزا جينيني، ومن الشباب مريم عدو وأسماء المُدير وعدنان بركة"، مؤكّداً أنّ هذا انعكس على المستوى المميز للمسابقة الرسمية للفيلم الوثائقي لـ"المهرجان الوطني للفيلم في طنجة"، مقارنةً بالفيلم التخييلي". وأوضح المزواري أنّ "ازدهار الإنتاج الذاتي للفيلم الروائي لم يؤدِّ إلى تطوّر مستوى الأفلام، فاتّسمت غالبية الأعمال الكوميدية، المُنجزة في السنوات الأخيرة، بالسطحية والتسرّع، لكنّه مَكّن من تجاوز ثنائية جمود الكمّ ـ الكيف، التي كانت تُصدر، غالباً، حُكماً تعسّفياً على الأفلام انطلاقاً من الخارج، بدل تحليلها من الداخل".

من هذه التجارب، تحدّث المزواري هو أيضاً عن تجربة بن السعيدي. اللافت للانتباه أنّ الزميل أكّد، في ندوةٍ (مناقشة وتوقيع) عن كتاب "السينما المغربية: من التراكم إلى الحساسية الجمالية" لمحمد أشويكة، مناقشته في مداخلة سابقة على هذه الندوة، محاور كثيرة تناولها الكتاب الصادر حديثاً.

لتبيان ملامح "السينما المغربية اليوم" (عنوان الندوة)، أو بعضها على الأقلّ، التقت "العربي الجديد" عاملين فيها، تباينت آراؤهم قليلاً. فالممثل مالك خميس قدّم نظرة متفائلة جداً، بقوله إنّ "السيناريو مكمن الضعف في السينما المغربية، لكنّها تسير على الطريق الصحيحة، إذ إنّها موجودة في معظم المهرجانات السينمائية الدولية"، مضيفاً أنْ "لا صناعة سينمائية لدينا، ومع ذلك أعتقد أنّ هذه الأشياء سائرة على الطريق، وأنّ المستقبل سيكون مُشرقاً، لأنّ لدينا ممثلين جيّدين، وسينما تجعلنا نتقدّم إلى الأمام. وهذا مهمّ جداً، بل الأهمّ".

رشيد نعيم (ناقد وأستاذ جامعي) يتّفق مع تلك النظرة، بقوله إنّ السينما المغربية "تعيش أزهى فتراتها، والدليل أنّ أفلام شباب وشابات كثيرين نالت جوائز دولية كبرى، وبعضها في القائمة الطويلة لـ"أوسكار". هناك سينما تُنتجها الدولة. أمّا السينما المُنتجة في القطاع الخاص فقليلة جداً، وتكون تجارية أو كوميدية، ولا ترقى إلى مستوى فني مرموق". أضاف أنّ الأفلام المُشاركة في مهرجانات دولية "تجعلني أقول إنّها ليست حالات فردية، إذْ إنَّ هناك تياراً يصنعه مخرجون". تابع نعيم تحليله، مُقدّماً ما أسماه "المؤشر الثاني"، الموجود في الدراما التلفزيونية المغربية، "التي شهدت تطوّراً كبيراً، إلى درجة أنّ هناك اكتفاءً ذاتياً منها في البيت المغربي. هذا جديد في الأعوام القليلة الماضية".

لعادل السمّار (ناقد ومترجم) وجهة نظر مغايرة: "السينما المغربية أفرزت أسماءً بارزة، صنعت لنفسها مكانة دولية، كفوزي بن السعيدي ونبيل عيوش، إلى مخرجين شباب، كأسماء المُدير وكمال الأزرق المتوَّجَين في مهرجان "كانّ" 2023. لكنّ هذا الإشعاع العالمي لا ينعكس محلّياً غالباً، إذْ لا تحظى أفلامهم دائماً بإقبال الجمهور عليها وتفاعله معها. هذه الأسماء عاجزة عن التوفيق بين سينما ذات بُعد فني وجمالي، ونجاح جماهيري واسع".

 

إنتاج الأفلام ومشكلاتها

هذا يؤكّده الدامون بإشارته إلى أنّ "كذب أبيض" عُرض تجارياً في الدار البيضاء أسبوعاً واحداً فقط: "للجمهور اهتمامات أخرى، إذْ ينتظر أفلاماً كوميدية لا تتضمّن مواضيع ثقيلة. شبّاك التذاكر يقول إنّ أفلاماً كوميدية، كـ"الإخوان" (2022) لمحمد أمين الأحمر و"ضاضوس" (2023) لعبد الواحد مجاهد، شاهدها 300 ألف متفرّج". وعن التناقض بين المُشاهدة القليلة لـ"كذب أبيض" وإقبال الجمهور على الفيلم السابق للمُدير، "في زاوية أمي" (2020)، وتفاعله معه في "مهرجان تطوان 27"، أوضح الدامون: "طبعاً الجمهور في المهرجانات يصبح مختلفاً، إذْ لا يدفع ثمن التذكرة، الذي صار مرتفعاً، يتراوح بين 65 و80 درهماً، وللطلبة 50 درهماً (الدولار الأميركي يساوي نحو 10 دراهم مغربية ـ المحرّر)". أمّا السمّار فيقول إنّ "السينما المغربية بعيدة عن خلق صناعة سينمائية محلية، وتبقى رهينة الدعم الرسمي أو الإنتاج المشترك مع جهات أوروبية (بما له وما عليه)"، مُضيفاً أنّ "الأفلام الكوميدية، ذات المستوى الهزيل فنياً وإبداعياً، تظلّ مسيطرة على القاعات السينمائية واختيارات الجمهور الواسع".

 

 

ينظر مبارك حسني (كاتب في الشأن السينمائي) إلى الأمر من زاوية مختلفة: "السينما المغربية بخير حالياً. إنّها تُنتج سنوياً نحو 25 فيلماً، وهذا مهمٌّ، فالمجال السينمائي المغربي قبل 20 عاماً كان متلعثماً ومعالمه غير واضحة. هذا من جهة الكَمّ. أمّا من جهة الكيف، فالسينما المغربية تعيش المشكلات نفسها للسينماتوغرافيات الأخرى، عربياً وأفريقياً. هناك أفلام عادية جداً وتجارية، تسعى إلى شباك التذاكر. وهناك أفلام فنية محترمة، تشارك في مهرجانات عالمية، وهذا مُستجدّ ومهمّ للغاية". أضاف حسني: "مع ذلك، تحتاج السينما في المغرب إلى ضبط أكبر فنياً، وإلى أنْ تكون ذات قيمة فنية أكبر. كما لا بُدّ من توزيع الأفلام، وتوفير قاعات لعرضها، ما دامت كلّ الأفلام تعتمد على الدعم المادي للدولة".

من جهته، قال محمد أولاد علا (أستاذ جامعي ومدير الندوة): "السؤال عن وضع السينما المغربية حديث ذو شجون، لأنّها تعيش تناقضاً كبيراً بين العمل الإبداعي والواقع المادي لقاعات العرض والتوزيع، والإطار القانوني، خاصة في بلدان المغرب العربي. هناك دينامية كبيرة مُذْ قامت الدولة بسياسة الدعم المباشر، ما أثّر على وجود جيل جديد من المخرجين، كالمُدير وبن السعيدي وهشام العسري، الذي قام بثورة نوعية في العمل السينمائي، رغم ملاحظات كثيرة على الكَمّ من دون الكيف".

في حواره مع "العربي الجديد"، تضامن طاهر الشيخاوي (كاتب)، المُشارك في مداخلة عن بن السعيدي، مع مبارك حسني: "السينما المغربية تقدّمت كثيراً في الإنتاج، بفضل سياسة أشخاص لهم دور مساند، كما فعل نور الدين صايل عندما ترأس "المركز السينمائي"، وخصّص موارد أكثر للإنتاج. المغرب أول بلد في أفريقيا، بعد مصر، يُنتج 25 فيلماً طويلاً سنوياً. إذاً، هناك تقدّم واضح في الصناعة السينمائية، والأمر نفسه في ورزازات (حيث تُصوّر أفلامٌ كثيرة، غربية بمعظمها ـ المحرّر). لكنّ الحلقة الضعيفة تكمن في السوق، في قاعات السينما التي لم تواكب تطوّر الإنتاج السينمائي، فالأفلام المغربية مرغوب فيها، والناس تُتابعها، لكنّ عدد الشاشات يتقلّص، وهذه مشكلة غريبة جداً. أقصد بكلامي المغرب، ففي تونس والجزائر الأمر يختلف".

إشكالية تراجع عدد القاعات السينمائية أكّدها الدامون: "لم يبقَ في المغرب إلاّ 16 قاعة فقط، بينما في بداية الاستقلال (18 نوفمبر/تشرين الثاني 1955 ـ المحرّر)، كان هناك 250 قاعة. هناك تراجع كبير، والأفلام تُعرض في المهرجانات فقط، في المغرب وخارجه. هذا غير صحّي، فالجمهور لم يعد يذهب إلى القاعات". الشيخاوي ردّ قائلاً: "لم يكن هناك جمهور للسينما المغربية. هناك فقط جمهور للفيلم الأميركي. الآن هناك جمهور للفيلم المغربي التجاري. لكنْ، أنْ يكون الفرق واضحاً بين سينما المؤلف والسينما التجارية، هذا تحوّل إيجابي رغم أنّ فيه جوانب سلبية".

 

التوزيع

أضاف الدامون: "ليس هناك سوق سينمائية. الآن، أصبحت الدولة تتساءل: لماذا أصرف أموالاً طائلة على أفلام لا تُعيد شيئاً من الدعم الذي نالته؟". وماذا عن وجود مخاطر تهدّد الدعم الذي يقدّمه "المركز السينمائي المغربي"، إذْ ربما سيتقلّص أو يُلغى، أجاب: "هناك فعلاً إشارة إلى ذلك. وزير الثقافة (محمد مهدي بنسعيد ـ المحرّر) الآن يتساءل: هل سنظلّ ندعم أفلاماً لا مردودَ مادياً لها، خاصة أنّ قانون صندوق الدعم يُسمّى "قانون تسبيق على المداخيل". يعني أنّ هذا الدعم يُقدَّم بصفة قرض أو سلفة من الدولة، والمداخيل من القاعات يجب أنْ تعود إلى الصندوق السينمائي المغربي لردّ الأموال التي سلّفتها الدولة لصناعة الأفلام. هذا القانون صدر عندما أصبح نور الدين صايل رئيس الصندوق، عام 2003. لكنْ، ما من فيلمٍ واحد أعاد سنتيماً واحداً إلى الدولة (الدرهم يساوي 100 سنتيم ـ المحرّر).

جانب آخر مهم من أزمة السينما المغربية تطرحه إيمان المصباحي، المخرجة التي باتت تعمل في مجال التوزيع، كوالدها المخرج الراحل عبد الله المصباحي، فصارت أشهر موزّعة أفلام مغربية: "أصبحنا الآن في أمسّ الحاجة إلى الاختصاص، بمعنى أنْ يقوم الموزّع بدوره الرئيسي في الترويج والتسويق، للوصول بالمُنتَج السينمائي إلى جمهوره الحقيقي، لكنّ السينما تعاني الآن تقلّصاً في عدد شركات التوزيع، إذْ إنّ هناك 10 شركات فقط، بعد أنْ كان عددها، في ثمانينيات القرن الـ20، أكثر من 50، ساهمت كثيراً في الإشعاع الذي حقّقته الأفلام السينمائية بكل أنواعها في القاعات السينمائية".

أضافت المصباحي: "شخصياً، لا أؤمن بوجود صناعة سينمائية حقيقية من دون خلق سوق داخلية وخارجية قوية. أحد التحدّيات أيضاً، التي يواجهها الموزّع: غياب دعم مادي خاص للترويج، يُمَكّن الموزّع من تطبيق استراتيجية ناجحة لتسويق الفيلم المغربي". وانتهت إلى القول: "لا بُدّ من تهيئة مناخ جاذب للمستثمر الخاص، ليساهم في تنمية تلك الصناعة، وإنشاء مجمّعات سينمائية جديدة في مدن المغرب. هذا سبيلٌ وحيد لخلق مناخ تنافسي قادر على استقطاب الجمهور الجديد، ما يؤثّر على المردود المادي للإنتاج المغربي، وإنعاش الصناعة".

المساهمون