صحافيو السودان: تغطية المعارك تكاد تكون مستحيلة

صحافيو السودان: تغطية المعارك تكاد تكون مستحيلة

27 ابريل 2023
بدأت المعارك في 15 إبريل (فرانس برس)
+ الخط -

 

في ظروف أمنية معقدة، يجتهد صحافيو السودان في تغطية الحرب التي اندلعت أخيراً بين الجيش وقوات الدعم السريع، بعد 12 يوماً من بدء المعارك التي خلفت أكثر من 459 قتيلاً وما يزيد على 4 آلاف جريح، وفقاً للأمم المتحدة.

اندلعت المواجهات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع بقيادة محمد دقلو في 15 إبريل/ نيسان الحالي، وتوقف بثّ التلفزيون والإذاعة الحكوميتين في ساعاته الأولى، ومعهما كلّ الإذاعات وقنوات التلفزيون والصحف الورقية الخاصة. وواصلت المواقع الإخبارية الإلكترونية تقديم خدماتها، إنما بصعوبة بالغة، بينما اعتمد السودانيون بشكل أساسي على متابعة الحرب عبر القنوات الفضائية، مثل تلفزيون العربي وقنوات الجزيرة والجزيرة مباشر والعربية والحدث وبي بي سي. كما تابع بعضهم، وبثقة أقل، البيانات التي يصدرها طرفا القتال عبر حساباتهما في مواقع التواصل الاجتماعي، في حين تعرضت خدمة الإنترنت للانقطاع أكثر من مرة.

حكى عادل عوض، وهو مخرج في التلفزيون الحكومي، لـ"العربي الجديد"، معاناته و22 موظفاً من الإذاعة والتلفزيون في اليوم الأول للمواجهات. إذ حضر للعمل كالمعتاد في 15 إبريل، وقبل دخوله من بوابة الاستقبال بدأت المواجهة العسكرية التي كان مقر الإذاعة والتلفزيون واحداً من أهدافها للطرفين. بعد دخوله زاد القصف، في وقت لم يحصل هو وزملاؤه على أي معلومات حول ما يدور لإطلاع الرأي العام حوله. وفي الساعة الثانية عشرة ظهراً بدأ البث باتصال هاتفي مع أحد ضباط الجيش، لسؤاله عما يحدث، وما إن بدأ حديثه حتى قطع البثّ. وقال عوض لـ"العربي الجديد": "بعد خروجنا من غرفة الأخبار شاهدنا المواجهات أمامنا، ومنها واقعة قصف دبابة وقتل الجندي التي يقودها أمام أعيننا، في حين دهمنا جنود في الدعم السريع، وواحد منهم كان مستعداً للاعتداء علينا لولا أن هدأه أحد زملائه، وأبلغناهم بأننا مدنيون ولا علاقة لنا بالمعركة وهدفنا توصيل المعلومات للمواطنين، وطلبنا منهم السماح لنا بالمغادرة، فنصحونا بالخروج في ساعات المساء حين تهدأ الأوضاع قليلاً. بقينا هناك، وسمحوا لنا بالمغادرة قبل الزمن المحدد، لأن قلقنا زاد بعد اشتداد المعارك حولنا". وأضاف: "استطعنا الخروج تحت نيران القصف وزخات الرصاص، ووصلنا إلى منازلنا بسلام، بعدما قضينا ساعات لن ننساها من الخوف والقلق".

وأكد عادل عوض أن الظروف الحالية غير مواتية تماماً للعمل الصحافي، خاصة للصحافيين العاملين في مؤسسات محلية، وذلك لغياب التدريب على تغطية مثل هذه الأحداث، ولضعف الإمكانات وعدم حداثة أدوات العمل، مشيراً إلى أن نجاح القنوات والوكالات والصحف غير السودانية في تغطية الحرب سببه توفر كل الإمكانات اللوجستية للعمل الصحافي من وسائل نقل وكاميرات وأجهزة بث مباشر حديثة.

تقارير عربية
التحديثات الحية

ما تعرض له العاملون في التلفزيون واجهه 15 صحافياً في وكالة السودان للأنباء، إذ احتجزوا أثناء القصف في اليوم الأول، واستمر احتجازهم لمدة 72 ساعة.

ورصدت نقابة الصحافيين السودانيين، في بيان لها قبل أيام، الحالات التي تعرض فيها الزملاء لصعوبات ومتاعب، منذ بداية الاقتتال الدائر بين الجيش وقوات الدعم السريع، ومنها الاعتداء بالضرب على مراسل "بي بي سي" محمد عثمان من قبل جنود القوات المسلحة أثناء محاولته الوصول إلى مقر عمله وسط الخرطوم، وتعرض مقر صحيفة الجريدة، وسط العاصمة، لإطلاق نار مرتين من دون أن يصاب أحد بأذى، واحتجاز صحافيين يعملون لصالح قناتي الحرة وروسيا اليوم في مبنى وسط الاشتباكات لمدة 72 ساعة، وكذلك احتجاز 5 صحافيين من وكالة تانا فورميديا وتعرض مكتبهم لإطلاق نار، واحتجاز صحافيي إذاعة هلا 96 في مقر عملهم لثلاثة أيام، واحتجاز مراسلين في الولاية الشمالية بواسطة الجيش ثم إطلاق سراحهم لاحقاً، كما ظل 7 من العاملين في إذاعة بلادي محتجزين في مبنى الإذاعة لمدة 5 أيام، كذلك تعرض الصحافي مجاهد باسان لعملية توقيف في نقطة تفتيش تابعة لقوات الدعم السريع شرق النيل وصودر هاتفه بعد توقيفه، والسيناريو نفسه عاشه الصحافي محمد أزهري في منطقة المربعات في أم درمان غرب الخرطوم، كما أصيب رئيس تحرير مجلة الحداثة السودانية أحمد محمد إبراهيم وهو في منزله جراء الاشتباكات التي وقعت في أحياء جنوب الخرطوم.

ومع اشتداد حدة المعارك، غادرت أعداد كبيرة من الصحافيين العاصمة نحو الولايات القريبة، وواصل بعضهم مراسلة مؤسساتهم الإعلامية بقدر ما استطاعوا، خصوصاً مع الضعف في شبكة الإنترنت.

وأوضح الصحافي بشير المصطفى، لـ"العربي الجديد"، أنه غادر الخرطوم لأن مقر عمله لم يعد آمناً ولا مكان إقامته وسط مدينة الخرطوم بحري.

وأكد محمد عبد العزيز، السكرتير العام لنقابة الصحافيين الذي يعمل مراسلاً لوكالة الأنباء الفرنسية، أنه يمارس عمله بحذر شديد ويتحرك في خطوط مرسومة بدقة ويقلل المخاطر للوصول للحقيقة والتحقق من المعلومات ورصد الأوضاع على الأرض ومتابعة تأثيرات الحرب على المواطنين، فـ"الخبر أو القصة أو السبق الصحافي ليس أهم من حياة الصحافي"، وفق ما قاله لـ"العربي الجديد". وأشار عبد العزيز، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن نقابة الصحافيين، ومنذ اليوم الأول من الحرب، دعت الصحافيين لاتخاذ إجراءات الحيطة والحذر وقدمت نصائح عدة لهم في مجال الأمن والسلامة وتفادي خطاب الكراهية وتحري الدقة في تغطياتهم، كما أن النقابة دعت أطراف القتال لحماية المدنيين والصحافيين، وتمكينهم من ممارسة عملهم.

المساهمون