حذّر تجار ومصدرون ومنتجون سودانيون من تداعيات اقتصادية خطيرة تؤثر على الدولة السودانية في حال استمرار المعارك الحالية، وطالبوا الجهات المختصة بوقف نزيف الحرب فوراً، مؤكدين أن الثمن يدفعه المواطن، وأن توقف الحرب الآن لا يعني نهاية الأزمة بشكل فوري، فأثرها سيظل باقيًا وسيطاول كافة القطاعات، محذرين من مغبة دخول البلاد في فوضى عارمة ومجاعة تطاول الجميع ولا تفرق بين مدني وعسكري، لافتين في أحاديثهم لـ"العربي الجديد"، إلى أن الخسائر الاقتصادية في كل القطاعات ستكون باهظة جداً.
ووصف مرتضى كمال، عضو شعبة الدواجن، الوضع بالخطير، حيث توقفت كل الأعمال وتضرر منتجو الدواجن وتكبدوا خسائر بمليارات الجنيهات نتيجة نفوق الكثير من الدواجن بسبب انقطاع التيار الكهربائي، كما فقد كثيرون منهم رؤوس أموالهم بسبب هذه الحرب، وقال لـ"العربي الجديد"، إن الأموال المستثمرة في هذا القطاع تصل إلى ملايين الدولارات في أنحاء البلاد، وهذه تعتبر خسارة كبيرة لهذا القطاع.
في حين ذكرت سيدة أعمال وصاحبة مزرعة دواجن أنها تعول أسرة وعليها التزامات في ظل توقف الخدمات من كهرباء ومياه، كما عليها التزامات بنكية وشيكات، وأكدت أن المزرعة أنشئت بمليارات الجنيهات بقروض من البنوك وفق التزامات محددة.
أما يوسف حبيب، عضو الغرفة التجارية، فتحدث عن خسارة كبيرة للتجارة، صادرات وورادات، بعدما توقفت الحركة التجارية، وأكد لـ"العربي الجديد" أن الخسارة ربما تصل إلى مليارات الدولارات.
ويفقد كثير من المستوردين والمصدرين أموالاً طائلة، حيث إن بعضهم أنفق أموالاً كثيرة لاستيراد سلع خاصة بالأعياد، وهذه تعد خسارة لا تعوض.
وفي هذا الصدد، أكد محمد سلمان، عضو غرفة المصدرين، لـ"العربي الجديد"، حرق عدد من مخازن السلع في المنطقة الصناعية، وأضاف: "لا نستطيع حتى الآن تقدير الخسائر في ظل استمرار الحرب وعدم وجود تواصل بين الناس"، ولكنه يرى أن الخسائر ستفوق الخيال بعد نهاية الأزمة الحالية.
ويقول: "حالياً نتحسب للأخطر من الحرب، وهو التفلتات الأمنية والنهب والسلب والاعتداء على البيوت"، وتوقع أن تنفد كل البضائع في المخازن دون أن يكون هنالك بديل، في وقت تتقطع فيه كل السبل وتغلق الطرق المؤدية إلى الموانئ، خاصة في ظل تضارب التصريحات بامتناع كثير من البواخر بميناء بورتسودان عن الدخول نتيجة لسوء الأحوال الأمنية، كما أن أحداث مطار مروي أيضاً ستؤثر بشكل مباشر على الحركة التجارية مع مصر.
وأضاف: "في ظل هذه الظروف بالتأكيد لن تكون هنالك تعاقدات جديدة"، وأبدى تخوفه من ارتفاع كبير لأسعار الدولارعقب توقف الحرب، الأمر الذي سيشكل مخاطر كبيرة على الاقتصاد ربما ستكون فوق طاقة المواطن والدولة، كما أن هذا الأمر سيحدث عدم استقرار في المخزونات، مثل السكر والدقيق، وهذه كلها أضرار ستلحق بالمواطنين.
وتابع سليمان: "لا نتخيل الآثار المباشرة على البنية التحتية، حيث تضررت المباني والوزارات المختصة بالعمل التجاري والاقتصادي، بالإضافة إلى الأثر الكبير الذي وقع أيضاً على البنوك وفروعها في كافة المدن"، وأضاف: "بالتأكيد هنالك مصدرون لديهم التزامات بنكية وأصحاب بضائع وموظفون والتزامات مالية خاصة بالعقود الخارجية للشحن"، وأشار إلى وجود عقود خارجية للشحن بجانب عمليات الفحص والمراقبة للبضائع التي تمت من قبل، ما يجعل أصحابها متضررين بنسبة كبيرة.
وفي هذا الصدد أيضاً، يقول الخبير الاقتصادي الفاتح عثمان لـ"العربي الجديد"، إنه بات من الواضح أن الحرب قد تستمر، وهذا يعني توقف الحركة التجارية بين الميناء والخرطوم، وأيضاً توقف الحركة التجارية بين الخرطوم وبقية الولايات، وتوقف المصانع والمطاحن والمسالخ، وتوقف نقل السلع والخضروات والفواكه من مناطق الإنتاج والأسواق المركزية للمدن والقرى والأحياء، وهذا يعني نقصاً كبيراً في المعروض من السلع والخبز خلال اليومين المقبلين. كما أن إغلاق مطار الخرطوم قد يعني عدم وصول آلاف الأشخاص إلى أماكن عملهم خارج السودان وربما يفقدون وظائفهم.
وأضاف: "إذا طالت الحرب لأكثر من ثلاثة أيام قد تنشأ مجاعة وسط المواطنين بسبب توقف المخابز، ولهذا يحتاج الجيش إلى وضع خطة لضمان استمرار إمداد المخابز بالدقيق. كما أن المستشفيات تحتاج بدورها للإمداد بالدواء والمعدات الطبية لمواصلة عملها.
أما الطامة الكبرى فهي أحوال العمال غير النظاميين والباعة المتجولين ممن يعتمدون على العمل اليومي للحصول علي قوتهم، فهؤلاء سيعانون بشدة جراء الحرب وإغلاق المدن والأسواق".
ويشير عثمان إلى أن الأحوال العامة للمواطنين حالياً ليست جيدة، إلا أنها أيضاً ليست بالغة السوء، لأن الخبز متوفر وكذلك الكهرباء والماء في مناطق متفرقة من البلاد، لكن إذا استمر الصراع لعدة أيام أخرى ستنشأ مشكلة بكيفية توفير الطعام لملايين المواطنين في العاصمة الخرطوم. بينما قد يعاني ملايين آخرون في المدن التي تشهد صراعا من الأزمة ذاتها. وهنا تكمن أهمية وجود دعم خارجي وخطة إمداد قادرة على إيصال المساعدات الإنسانية للمواطنين في ظروف الحرب، وإذا لم يحدث ذلك فقد تتسبب هذه الحرب في وفاة آلاف المواطنين السودانيين بسبب الجوع، وهو رقم قد يكون أكبر بكثير من عدد من يموتون في القتال المباشر بين الطرفين. ويضيف عثمان أنه كلما استمرت المعارك لأكثر من ثلاثة أيام يمكن أن تكون الخسائر بمليارات الدولارات، في شكل مبانٍ مدمرة وآليات محطمة، إضافة لخسائر المصانع والمصدرين والمزارعين وأصحاب مزارع الدواجن ومزارع الألبان.
أما أستاذ الاقتصاد بالجامعات السودانية محمد الناير، فأكد لـ"العربي الجديد"، أن الحرب خسائرها كبيرة، وأبدى أمله في حسمها خلال يوم أو يومين حتى لا تتفاقم المشكلة باعتبار أن الوضع الاقتصادي والمعيشي في أسوأ حالاته، والقطاعات الإنتاجية تعاني من ارتفاع كلفة الإنتاج.
وفي ظل اندلاع الحرب فإن عدداً كبيراً من المواطنين يعتمدون في معاشهم على رزق العمل اليومي، وهذا يؤثر عليهم وعلى احتياجاتهم فضلاً عن عدم القدرة على الذهاب إلى المحلات التجارية.