حكاية في فيلمين... مجرّد حياة غير مثيرة للاهتمام

حكاية في فيلمين... مجرّد حياة غير مثيرة للاهتمام

19 سبتمبر 2023
من فيلم To Every You I've Loved Before (فيسبوك)
+ الخط -

ماذا لو؟ من هذا السؤال، ينطلق فيلما الأنمي اليابانيان To Every You I've Loved Before (أخرجه كينيشي كاساي،  Ken'ichi Kasai) وTo Me, The One Who Loved You (أخرجه جون ماتسوموتو، Jun Matsumoto)، اللذان صدرا باللحظة نفسها. لا يشكل أي منهما جزءاً ثانياً للآخر، إنما الحياة الأخرى المحتملة في عالم مواز، والتي تحدث في الوقت نفسه. لذا، يمكن الاكتفاء بمشاهدة أحدهما أو كليهما، من دون أسبقية واحد على الآخر، وبالطبع مشاهدة كلا الفيلمين هي ما تحقق التجربة كاملة.
الفيلمان مقتبسان عن روايتين للكاتب يوموجي أوتونو (Yomoji Otono) نُشرتا عام 2016 بالعنوانين ذاتهما، من نوع خيال علمي ورومانسية.
يدور كلا الفيلمين حول كويومي، الذي يتطلق والداه في عمر السابعة، ويختار البقاء مع أبيه الذي يعمل في مختبر العلوم الحسية. ويستكشف هناك العوالم الموازية التي باتت حقيقة ملموسة برفقة ابنة زميلة أبيه، شيوري، التي سيهرب معها إلى عالم موازٍ يحصلان فيه على مستقبل أفضل. وفي الفيلم الثاني، يختار كويومي البقاء مع والدته، ويختبر حياة مختلفة عاطفياً، لكنه في جميع الحالات سيعمل مع والده في المختبر كواحد من أفضل العلماء في المجال لتطوير الأبحاث حول العوالم الموازية.
في الفيلم، لست بحاجة إلى السفر عبر الزمن أو فعل أمور معقدة، إذ يعتمد فكرة أننا ننتقل من عالم إلى آخر، من دون أن نشعر في كثير من الأحيان. وعينا هو الذي ينتقل وليس الجسد، وهذا يحدث من دون أن نشعر به، أما الانتقال المتعمد فهو ما يتم البحث حوله في المختبرات.


وكعادة هذا النوع من الأعمال، يختبر البطل تجربة موت شخص مقرب، ليصبح دافعه إلى الانتقال والبحث عن عوالم أفضل، بل وحتى البحث في إمكانية العودة في الزمن لإنقاذ المحبوبة كسردية تقليدية لهذا النوع. في الفيلم الثاني To Every You I've Loved Before (من دون ترتيب)، تبدو حياة كويومي أكثر بساطة، والانتقال فيها يقوم به آخرون من حوله، وأغلب أحداث الفيلم تدور حول حياته الكاملة التي يعيشها بعد اختياره والدته، ولا نرى أي دوافع عاطفية كبرى، حتى تأتي اللحظة التي يتقاطع فيها الفيلم مع ذلك الآخر؛ To Me, The One Who Loved You.
لا يمكن إنكار تميز التجربة، وفكرة صناعة فيلم لكل احتمال يعرض حياة كاملة لهذه الاحتمالات، وشذرات صغيرة لاحتمالات أخرى ترد في الفيلمين. صحيح أن الفيلمين مقتبسان عن روايتين بالطريقة نفسها، لكن كان بالإمكان صناعة فيلم واحد يختصر الحكايتين أو الاحتمالين، وليس من السهولة تحديد أي الخيارين كان الأفضل، لكن بالتأكيد صناعة فيلمين فكرة لها وقع جيد وتقدم دعاية ممتازة.

ومع هذه الفكرة المبهرة، لم يصل أي من الفيلمين إلى التوقعات، وسقط كلاهما في دوامة بين الخيال العلمي ومحاولة شرح الأفكار، وبين الحياة اليومية العادية والرومانسية. وهكذا، لم تعط أي فكرة حقها بالكامل، وحصلنا على فيلمين بمستوى متوسط أو أقل، في وقت ما زالت فيه سينما الأنمي اليابانية تقدم أفضل ما عندها. 
في فيلم To Every You I've Loved Before، نرى الحياة اليومية التي تتقاطع مع أفكار العوالم الموازية، حيث يكتشف البطل أنه في عالم آخر كان يحب زميلته في الفصل ومنافسته في الدراسة، ثم يعرف لاحقاً أنها مجرد مزحة. يوماً بعد يوم، يبني علاقة معها في عالمه الذي نشاهده، حتى يتزوجا في النهاية ويحصلا على طفل ثم حفيدة. مع هذه الحياة الكاملة، لم تحصل الشخصيات على أي أبعاد مختلفة، وبقيت سطحية بلا دوافع أو مشاعر ذات أهمية. مجرد قصة حياة غير مثيرة للاهتمام، حتى نصل إلى النصف ساعة الأخيرة، حيث تحدث بعض التغيرات أخيراً، لنفهم مغزى الساعة الكاملة المملة التي تسبقها.


أما To Me, The One Who Loved You فوضعه أفضل قليلاً، إذ يستفيد من سردية هوس العالم بإعادة حبيبته إلى الحياة أو حتى إنقاذ طيفها، كما أن قصة الحب فيه أكثر إثارة للاهتمام والشخصيات الرئيسية، البطل وحبيبته، تحمل أبعاداً نفسية بشكل يسمح بتطور القصة. مع ذلك، بدت الشخصيات الأخرى المحيطة مجرد أدوار وظيفية لا تحمل صفات مختلفة أو حتى مشاعر قوية، ليبدو البطل وحبيبته هما الشخصان الوحيدان اللذان يحملان المشاعر في الفيلم، وحتى هاتان الشخصيتان لا تمران بالكثير من التطورات. 
بصرياً، لم تكن التجربة أفضل من القصة، تصميم الشخصيات والرسومات عموماً بسيطة جداً، ومناسبة لمسلسلات أنمي عادية أكثر منها لأفلام، بل إنها في بعض المشاهد تختلف جودتها قليلاً، ولا تحافظ على شكل ثابت، ولا يمكن الجزم إذا ما كان هذا متعمداً لرسم بعض الاختلافات بين العوالم، أو أنه خطأ من الاستديو.
إذا عدنا إلى سؤال ما إذا كان من الأفضل صناعة فيلم واحد حول القصتين، ورأيناه من زاوية هذه العيوب الكثيرة، ستكون الإجابة نعم، وربما الخيار الأفضل حتى هو صناعة مسلسل قصير بدلاً من فيلمين يفتقران إلى الكثير. مع ذلك، ما زالت التجربة مثيرة للاهتمام، وربما تفتح الباب على المزيد من التجارب المشابهة.

المساهمون